11 سبتمبر 2025

وأنت مقبل على الزواج... هل قصص غيرك تؤثر في قرارك؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يشكل المحيط الاجتماعي عاملاً مؤثراً أحياناً، في تكوين نظرة الفرد إلى الزواج، فالتجارب لا تقتصر آثارها على من يخوضها فحسب، بل تمتد لتنعكس على من يراقبها، ويتأمل نتائجها عن بعد.

ومن هذا المنطلق، تؤكد الأخصائية ورئيس قسم الاستشارات الأسرية والنفسية في مؤسسة التنمية الأسرية، أميرة المرزوقي، أن قصص النجاح، أو الفشل التي يطّلع عليها المقبلون على الزواج تسهم، بعمق، في تشكيل قراراتهم المصيرية، فإما أن تكون سبباً في الخوف والتردّد، وإما حافزاً للتعلم والنضج، وبناء علاقة زوجية أكثر وعياً واستقراراً.

مجلة كل الأسرة

وتضيف «لا شك في أن الإنسان يتأثر بقصص وتجارب الزواج التي يستمع لها من محيطه، سواء كانت إيجابية أو سلبية، وفي الكثير من الأحيان تترك التجارب المؤلمة، أو غير السعيدة، أثراً أكبر، خصوصاً في الشباب الذين يقفون على أعتاب قرارات مصيرية، مثل الزواج، أو الارتباط، وهو أمر طبيعي من الناحية الإنسانية. فالشاب، أو الفتاة، يكتسب مشاعر وخبرات من الآخرين بشكل لا واعي، وحين يسمع قصصاً عن فشل العلاقات، أو صعوبات الحياة الزوجية تتشكل لديه بعض المخاوف، أو تتكون لديه صورة سلبية عن الارتباط التي تتحول إلى عائق نفسي، فيبدأ بتجنب خوض التجربة خوفاً من الفشل، أو يفقد ثقته بنفسه وبقدرته على بناء علاقة ناجحة. بل يمتد الأمر أحياناً إلى فقدان الثقة بالآخرين، حتى بمن يرشحون له للزواج، ما يعمّق حالة القلق والتردد».

مجلة كل الأسرة

الجانب الإيجابي من سماع قصص الآخرين

في المقابل، تكشف أميرة المرزوقي أيضاً، عن جانب إيجابي لسماع تجارب الآخرين وقصصهم مع الزواج «يقود التأثر في بعض الحالات إلى عزوف الشباب عن الزواج، وهو مؤشر غير صحي، إذا ارتبط بالخوف المَرضي وفقدان الثقة. لكن من الهام الإشارة إلى أن التأثر بتجارب الآخرين ليس بالضرورة سلبياً دائماً، بل قد يحمل جانباً إيجابياً ووقائياً. فتأمل المقبل على الزواج تجارب المحيطين به، قد يدفعه إلى اتخاذ قرارات أكثر نضجاً وتروّياً، والحرص على تجنب الأخطاء التي وقع فيها الآخرون. وبذلك يتحول التأثر من عبء نفسي إلى فرصة للتعلم، ويصبح عاملًا مساعداً على بناء حياة زوجية، أكثر وعياً واستقراراً».

ولكنها تؤكد أن «التوازن هو الحل، فالتعلم من تجارب الآخرين مفيد، لكن إسقاطها بشكل مطلق على الذات قد يحرم الإنسان من فرص حقيقية للسعادة. فالقصص السلبية ليست بالضرورة مصيراً محتوماً، بل يمكن أن تكون مجرّد دروس لتجنب الأخطاء، وصنع واقع مختلف. فلا يقتصر تأثير التجارب فيمن يخوضها مباشرة، بل يمتد ليطال من يراقبها من بعيد، فالإنسان يتعلم ويكتسب السلوكات والمشاعر من خلال الملاحظة منذ طفولته، فيصبح أكثر قدرة على استشعار ما يمرّ به الآخرون عبر تعابير وجوههم، ولغة أجسادهم. وهكذا تنتقل مشاعر الألم، أو الإحباط، بشكل غير مباشر، لتؤثر في القناعات والقرارات، حتى إن لم يمرّ بالتجربة بنفسه. فعندما يرى الشاب، أو الفتاة، أشخاصاً مقربين يواجهون انتكاسات متكررة، أو يعيشون تعاسة واضحة، هذه الصورة تترك أثراً عميقاً في وعيه، فيفقد بعض شغفه، أو يتبنى قناعات سلبية حول الزواج، أو الحياة الأسرية. وفي حالات كثيرة، تكفي هذه المشاهدات وحدها، لتغيير اتجاهات الإنسان وقراراته المصيرية، من دون أن يمرّ بتجربة شخصية مماثلة».

مجلة كل الأسرة

أثر المحيط الأسري في فكرة الزواج

يلعب المحيط الأسري دوراً محورياً في تشكيل نظرة الفرد إلى الزواج منذ طفولته، إذ تمثل البيئة الأسرية العمود الأساسي في بناء شخصية «زوج المستقبل»، وتبيّن أميرة المرزوقي أن «الطفل الذي ينشأ في بيت يسوده الاحترام المتبادل، والتعاون، والتقدير، والمودّة بين الوالدين، غالباً ما يكون صورة إيجابية عن الحياة الزوجية. فهو يتعلم من علاقة والديه أن العلاقة الناجحة تقوم على أسس ثابتة، ما يجعله أكثر استعداداً لبناء أسرة مستقرة في المستقبل.على النقيض، الأطفال الذين ينشأون في بيئات مفكّكة، أو يعيشون بين والدين منفصلين، هؤلاء تتأثر قناعاتهم تجاه الزواج سلباً، بينما تظهر التجارب أن أبناء الأسر المتماسكة، الذين رأوا نماذج ناجحة في علاقات والديهم، غالباً ما يكونون أكثر تمسكاً بالحياة الزوجية، حتى عند مواجهة مشكلات كبيرة، فحفاظهم على الأسرة أولوية متجذّرة في وعيهم».

 من جانب آخر، تلفت «في بعض الأحيان يكون تأجيل الزواج خياراً صحياً يمنح به الشاب، أو الفتاة، نفسه فرصة للنضج قبل الإقدام على هذه الخطوة المصيرية، فالتأخير يتيح أحياناً مساحة لاكتشاف الذات، وفهم الاهتمامات الشخصية بشكل أفضل، الأمر الذي يساعد على اختيار الشريك المناسب بوعي أكبر. كما يرتبط النضج العمري غالباً بالاستقرار المالي والمهني، وهي عوامل أساسية لدعم الحياة الزوجية». وتكمل «مع مرور الوقت، يكتسب الفرد خبرة عاطفية تساعده على التحكم في مشاعره، وإدارتها بحكمة، بدل الانسياق وراء العاطفة غير الناضجة التي قد تقوده إلى قرارات متسرعة، ما يزيد من فرص بناء علاقة مستقرة وطويلة الأمد».

وتختم أميرة المرزوقي، بتقديم بعض النصائح «على الشباب، ألا ينظروا إلى الزواج كـ«ضغط اجتماعي»، بل فرصة جميلة لاختبار النضج والتفاهم، ومرحلة طبيعية من مراحل الحياة ينمو فيها الطرفان معاً، تفتح المجال أمام تجربة أكثر وعياً وإيجابية، فالتواصل الصادق درع تحمي العلاقة الزوجية من الخلافات، وتمهد الطريق نحو زواج ناضج يقوم على الفهم المتبادل، وأهمية اكتساب مهارات إدارة الخلافات، وضبط الغضب، والتعامل مع أنماط التغيير المختلفة لشريك الحياة. فاختلاف الشخصيات أمر طبيعي، وإدراك مفاتيح شخصية الطرف الآخر يجعل عملية التفاهم أكثر سلاسة، يقرّب المسافات، ويبني علاقة مستقرة، مملوءة بالرضا والسعادة».