24 يوليو 2025

هل يمكن للزواج أن يستمر بجهد طرف واحد؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في كل علاقة زوجية، هناك دائماً خيط غير مرئي، يشدّ العلاقة، ويمنعها من الانفراط. قد يكون هذا الخيط هو الحب، أو التفاهم، أو الصبر، أو حتى الخوف من الفقد والانهيار. ومع مرور الوقت وتقلّبات الحياة، تبقى الأسئلة معلّقة: من الذي يمسك بهذا الخيط أكثر؟ ومن يبذل الجهد الأكبر كي تبقى العلاقة حيّة؟ وهل يمكن لهذا الخيط أن يصمد في ظل اهتمام طرف واحد، أم أن استمرارية العلاقة تتطلب وعياً مشتركاً بتوزيع المسؤولية، وترتيب الأدوار بإنصاف؟

مجلة كل الأسرة

في هذا الإطار، تجيب الكاتبة والمدرّبة في تطوير الذات موزة الزيودي «الزواج ليس اندماجاً كاملاً حتى تذوب الهوية، ولا استقلالاً تاماً حتى تتباعد الأرواح، بل هو توازن بين حاجة كل طرف إلى الآخر، وقدرتهما على الوقوف بنفسيهما. الاعتماد المتبادل يعني أن يستند الشريك إلى شريكه، من دون أن يسقط، أن يطلب دعمه من دون أن يلقي بحياته فوق كتفيه. بينما الاستقلال الصحي يعني أن يكون لكل طرف كيان، ومشاعر، واهتمامات، لا يتخلى عنها بدعوى «التضحية»، أي أن يتفق الشريكان منذ البداية على حدود العلاقة، ألا يفترض أحد الطرفين أن الآخر «سيكمله» بالكامل، وأن يرى فيه الشريك لا المنقذ، وهذا يتطلب نضجاً، ووعياً عاطفياً، وتربية سابقة تحترم الذات ولا تذوبها».

لماذا المرأة وحدها؟

إذن، ما هو دور كل طرف في إنجاح العلاقة؟ تكشف «للأسف في مجتمعاتنا، تحمل المرأة العبء الأكبر في العلاقة الزوجية، حتى باتت تُصور كأنها المسؤول الوحيد عن استقرار البيت والعلاقة الزوجية. وعادة ما تغلّف هذه النظرة بتعابير تمجيدية، كوصفها بـ« عمود البيت»، إلا أن هذا التصوير يضعها تحت ضغوطات غير عادلة، تلزمها بالصبر، والتحمّل، والمبادرة الدائمة، فالمرأة مطالبة بأن تكون المربية، والمدبّرة، والمعالجة، بل والمنقذة التي تُصلح كل ما يُكسر، وتصبر على ما لا يطاق، بينما يغضّ الطرف عن دور الزوج، كأن استمرار العلاقة ونجاحها هو من مسؤولية المرأة وحدها».

لكن هل يكفي صبر المرأة وحدها لينجح الزواج؟ توضح الزيودي «حين تحمل المرأة وحدها مسؤولية الاستمرار، يتحول الزواج من علاقة تبادلية إلى ساحة تضحية مستمرة، تنهكها نفسياً وعاطفياً، وتحوّل الاستمرار إلى عبء بدل أن يكون رغبة. لا ينتظر من المرأة أن تؤدي دور الأم، كما لا يطلب من الرجل أن يكون مجرد معيل بلا تواصل. لذا على الطرفين أن يدركا أن العلاقة لا تدار بجهد فردي، بل تنجح وتزدهر حين يتشاركان المسؤولية، والمبادرة، والرغبة في إنجاح هذه المؤسسة».

مجلة كل الأسرة

وعن تأثير خروج المرأة للعمل، تشير إلى أنه «في الوقت الذي أصبح فيه صوت المرأة أقوى في ميادين العمل، واستقلالها مالياً، وهو إنجاز يحسب لها، إلا أنه لم يرافقه تحوّل مماثل في حياتها الخاصة، فالكثير من النساء اليوم، على الرغم من الجهد الذي يبذلنه في العمل خارج المنزل، ما زلن يقمن بأدوار العمل المنزلي بعد العودة من العمل، من دون إعادة النظر في توزيع المهام، ما حملّهنّ أعباء مضاعفة باسم «الطبيعة الأنثوية»، لتكون المحصلة إنهاكاً نفسياً وجسدياً، حيث أصبحت النظرة إلى قدرة المرأة على التحمّل كأنها فضيلة. والواقع يشير إلى أن التمكين الحقيقي لا يعني أن تصبح المرأة «تفعل كل شيء»، بل إعادة توزيع الأدوار بما يتناسب مع التغيّرات الجديدة. لذا يجب أن يتطور الوعي المشترك بالعلاقة كما تتطور الأدوار، وأن الحوار بين الزوجين ضرورة، لا ترفاً، فالمجتمع لا يحتاج إلى تمجيد «المرأة الخارقة»، بل إلى علاقة متوازنة يشارك فيها الرجل أيضاً، لا كمشاهد، بل كطرف فاعل ومسؤول».

قلب الرجل قبل جيبه

في قلب هذا التوازن، لا يمكن تجاهل دور الرجل، ليس كمعيل مادي فقط، بل كشريك عاطفي حاضر بوجدانه قبل جيبه، وتوضح الزيودي «كثيراً ما يختزل دور الرجل في الإنفاق وتوفير المتطلبات، بينما الحقيقة أن الحضور العاطفي لا يقل أهمية، فالمرأة لا تبحث عن شريك يدفع الفواتير فقط، بل عن رجل يستمع لها، يشاركها تفاصيل الحياة، يساند، يربّي، ويحب. الزواج ليس معادلة مادية، بل منظومة مشاعر يومية تحتاج إلى من يسقيها بالرعاية والاهتمام. وغياب الرجل عاطفياً، حتى لو كان حاضراً جسدياً، يترك شرخاً في العلاقة يصعب ترميمه. على العكس عندما يكون حاضراً بإحساسه، فإنه يمد جسور الأمان بينه وبين أسرته، فتشعر الزوجة بأنها ليست وحدها في مواجهة الأعباء، ويكبر الأبناء وهم يرون نموذجاً رجولياً يعبّر ويتفاعل، لا يكتفي بالمراقبة أو التوجيه».

مجلة كل الأسرة

من جانب آخر، تكشف الزيودي أثر وسائل التواصل الاجتماعي في قلب معادلة العلاقة الزوجية، سواء في الأدوار، أو في طبيعة القرب بين الشريكين «مع انتشار الهواتف الذكية، تحوّل كثير من الأزواج إلى شركاء في البيت، وغرباء في التفاعل، يمدّ كل منهما يده إلى الشاشة قبل أن يمدّها إلى الآخر، ويعرف عن حياة الآخرين أكثر مما يعرف عن شريكه. هذه المنصات، رغم ما تحمله من فوائد، سهّلت الخيانة العاطفية، وأعادت تشكيل توقعاتنا من العلاقة، فباتت المقارنات اليومية مع «الأزواج المثاليين» على الشاشات تربك المشاعر، وتضعف الرضا. وعلى الرغم من النظرة القاصرة إلى حياتنا، والتي تبدو من الخارج باهتة، مقارنة بمقاطع ممنتجة مملوءة بالهدايا واللحظات الرومانسية السريعة، لكنها في الحقيقة قد تكون أكثر صدقاً وعمقاً، لنكتشف أن المشكلة ليست في الوسائل ذاتها، بل في استخدامها من دون وعي، وغياب التواصل الحي الذي يبقي العلاقة نابضة. فالإهمال الرقمي، والصمت الممتد، يراكم الفجوة بين الزوجين بطريقة لا ترى لكنها تحس».

وتختم «نجاح العلاقة الزوجية لا يبنى على صبر طرف واحد، ولا على جهد فردي، بل على وعي مشترك بأن الزواج مشروع يتطلب من الطرفين مشاركة حقيقية في المشاعر والمسؤوليات. فالاستمرارية لا تعني أن تستمر العلاقة فقط، بل أن تظل نابضة بالرغبة والاحترام، وإن اضطر أحد الشريكين في لحظة ما أن يتحمل أكثر، فليكن ذلك بدافع الحب، لا خوفاً من الانهيار، أو استجابة لصورة نمطية. فالعلاقات التي تنهض بعد التعثر، ويتقاسم فيها الطرفان الثقل بالتناوب، هي التي تستحق أن تسمى شراكة».