03 يوليو 2025

علامات تحذيرية تجذب الانتباه في فترة الخطوبة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تعد فترة الخطوبة فرصة لاكتشاف مدى صلاحية العلاقة. إذ تظهر خلالها بعض العلامات التي تستدعي التوقف عندها لأنها يمكن أن تكون نذيراً بعلاقة غير متوازنة، وتجاهل هذه الإشارات غالباً ما يؤدي إلى قرارات غير ناضجة تهدد استقرار الحياة الزوجية منذ بدايتها.

الزواج سنة كونية وركيزة أساسية لبناء مجتمع متماسك، حيث يسعى الإنسان بطبعه للبحث عن شريك يبادله المحبة والرحمة والسكن، فهو ليس مجرد ارتباط مؤقت، بل علاقة أبدية تمر بمختلف الظروف والتقلبات، تتطلب جهداً مستمراً لتجاوز التحديات وتثبيت دعائم السكينة والاستقرار. وفي خضم هذا السعي، يطرح السؤال الجوهري:

مجلة كل الأسرة

كيف نختار شريك الحياة؟ وما المعايير التي يجب أن نعتمدها حين يتقدم أحدهم لخطبة بناتنا؟

تجيب المرشدة في المجال الأسري والزواجي وأخصائية تعديل السلوك أسماء سويد: «باتت فترة الخطوبة، التي يفترض أن تكون مرحلة لاختبار التوافق والتفاهم، في بعض الأحيان عرضاً استعراضياً بين المخطوبين، حيث يسعى كل منهما لإظهار أفضل ما لديه، وتجميل الصورة إلى الحد الذي قد يخفي فيه العيوب أو يتجاهل الإشارات التحذيرية. فالبعض تستحوذ عليه فكرة (أن الزواج لاحقاً سيصلح كل شيء)، وكأنه مصحة نفسية أو مركز لإعادة التأهيل السلوكي، في حين أن الواقع مختلف تماماً»، وتشير «ها نحن اليوم نواجه مواقف متكررة، كأن تطلب فتاة بعد ستة أشهر من الخطوبة فسخها بدعوى اكتشافها ما لم يكن واضحاً من البداية. وكل ذلك يحدث نتيجة غياب المعايير الواضحة، والتوقعات غير الواقعية، والاندفاع العاطفي في تلك الفترة».

مجلة كل الأسرة

وتضيف «مع ارتفاع نسب الطلاق في المجتمعات العربية، وسهولة طرحه كخيار أولي عند أي خلاف، أصبح التخوف من الزواج أمراً شائعاً. البعض ينصرف عنه كلياً، والبعض الآخر يظل يبحث عن شريك مثالي لا وجود له، مستنداً إلى صورة مركبة لمجموعة نماذج خيالية، صنعها الإعلام والمجتمع. لذلك اليوم نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ثقافة ووعي حقيقيين حول الزواج، بوضع معايير عقلانية وإنسانية لاختيار الشريك، بعيداً عن المثاليات والضغوط الاجتماعية، حتى لا يدفع الأبناء والأسر أثماناً باهظة نفسياً واجتماعياً وعاطفياً».

وبالعودة إلى الأسباب وراء فسخ الخطوبة أو طلب الطلاق، تكشف أسماء «الواقع أن فترة الخطوبة، التي يفترض أن تكون فرصة حقيقية لاكتشاف التوافق بين الطرفين، باتت أحياناً تجميلاً للصفات، يسعى كل طرف فيها لإظهار أجمل ما لديه، وغض الطرف عن العيوب، على أمل أن يتغير كل شيء بعد الزواج، وبين من يخشى الفشل أو الطلاق أو حتى الدخول في علاقة من الأصل، يضيع الهدف الحقيقي، خاصةً مع تفشي ثقافة الطلاق كخيار سهل عند أول خلاف، وارتفاع سقف التوقعات بسبب صور نمطية مثالية صنعها الإعلام والمجتمع، لتصبح مسألة العثور على «الشريك المثالي» أحيانا ضرباً من الخيال. لذلك، فإن وضع معايير واقعية وواضحة لاختيار شريك الحياة لم يعد ترفاً، بل ضرورة ملحة في زمن تتكاثر فيه التحديات وتختزل فيه العلاقات إلى مظاهر سطحية لا تصمد أمام أول خلاف واختبار حقيقي».

«ومن خلال الاستشارات، والتجارب الحياتية، وتماسنا مع الأسر والعائلات، تبين أن الوعي هو الخطوة الأولى والأساسية في عملية اختيار شريك الحياة. فالاختيار السليم لا يأتي عشوائياً أو تحت ضغط العاطفة، بل يبدأ بفهم حقيقي للذات، ثم بوضع معايير واضحة منها «عامة» تنطبق على الجميع، وأخرى «خاصة» تختلف من فتاة لأخرى».

مجلة كل الأسرة

معايير الاختيار الصحيح في فترة الخطوبة

أما المعايير العامة فيمكن إجمالها في الأسئلة التي يمكن أن تطرح على الطرفين في فترة الخطوبة، على النحو التالي:

  • الوعي الشخصي، ومعرفة الهدف من الزواج والأولويات الحالية والمستقبلية (أين أنا؟ وإلى أين أريد الوصول؟)
  • المستوى الديني والالتزام، وخاصةً في مسألة ممارسة الشعائر والعبادات والمعتقدات، ولا مانع من مناقشة بعض المسائل التي يرى الطرفان أهميتها بالنسبة لهما.
  • امتلاك الوعي المالي والإدارة المالية والنفقات والميزانية الأسرية، ومعرفة الأولويات المالية لدى كل منهما، وتعامل الرجل مع مال الزوجة أو فكرة مشاركتها في المصروفات أو المساعدة في أعباء المنزل، من ناحية هل هو فرض وإجبار أم إحسان واختيار.
  • معرفة المبادئ والقيم الأساسية والتمسك بالأخلاق، وكيف نعكس تلك القيم على السلوكيات في التعامل، إضافة إلى معرفة العيوب والمميزات والخطوط الحمراء، ومعرفة الحدود الشخصية.
  • عدم نسيان وجود شريك سيكون أب المستقبل، فمن المهم أن تعرف الفتاة نظرته للتربية وقناعاته، وكيف سيكون أسلوبه التربوي، أو كيف ستكون هذه الشريكة أماً واعية ومربية كُفُؤة.
  • التكافؤ الاجتماعي والعلمي.
مجلة كل الأسرة

وتواصل أسماء حديثها «بينما تبرز المعايير الخاصة كعنصر لا يقل أهمية، فهي تختلف من فتاة إلى أخرى وفقاً لتطلعاتها الشخصية واهتماماتها. فقد تعطي فتاة أهمية أكبر للمظهر الخارجي، أو تفضل الارتباط بشخص يعمل في مجال معين، أو تولي اهتماماً أكبر للوضع المالي والاستقرار المادي. وكذلك بالنسبة للرجل، يمكن أن تكون له معاييره الخاصة التي يبحث عنها في شريكة حياته».

تشرح «تكمن أهمية هذه المعايير في وضوحها من البداية، من خلال طرحها ومناقشتها بصراحة وشفافية خلال فترة التعارف والخطوبة، بعيداً عن المجاملات أو الخوف من الرفض. وكلما كان الحديث عن التوقعات والأولويات أكثر وضوحاً، كانت فرص التفاهم والانسجام أعلى. لذلك من الضروري أن يتم هذا النقاش دون أن يطغى الجانب العاطفي على العقل، بل يجب أن يتوازى الشعور مع التفكير، لأن تجاهل هذه التفاصيل قد يؤدي لاحقاً إلى صدامات تهدد استقرار العلاقة. فالمصارحة المبكرة حول ما هو مهم لكل طرف تضمن علاقة تقوم على الوضوح والتفاهم، لا على التوقعات المؤجلة أو الآمال المعلقة. لكن ذلك لا يعني حصر عملية الاختيار في قائمة مختصرة من المعايير، فهناك مئات التفاصيل المندرجة تحت كل معيار، والتي تستحق أن نتعمق فيها ونفهمها جيداً. فكل تفصيلة تهمل اليوم يمكن أن تتحول إلى أزمة غداً، وكل معيار يؤجل الحديث عنه اليوم قد يعاد طرحه لاحقاً في ظروف أصعب».

من هنا، تشدد الأخصائية على أهمية أن تمتد فترة الخطوبة لما لا يقل عن ستة أشهر، لأنها ستكون كافية نسبياً لكشف بعض الجوانب الجوهرية في شخصية الطرف الآخر. فخلال هذه المدة، ووسط تفاعل طبيعي يشمل مواقف يومية مختلفة، تظهر القيم الحقيقية، وتتكشف الأخلاق، وتبرز السلوكيات، بعيداً عن الأقنعة والتمثيل. فالتعامل اليومي، بما فيه من مد وجزر، يظهر الكثير مما لا يمكن اكتشافه من خلال الكلمات أو اللقاءات الرسمية.

مجلة كل الأسرة

مؤشرات تستحق الوقوف عندها

ومن هذه المؤشرات التي تستحق التوقف عندها:

  • البخل الواضح، والفرق كبير بين من يحسن إدارة المال لأنه يقدر قيمته، وبين البخل الصريح.
  • اللامبالاة، وعدم الاهتمام، وعدم الاستماع والإنصات.
  • اللف والدوران، وربما الكذب في رواية أحداث أو ادعاءات.
  • عدم الاحترام في القول والفعل.
  • التحدث في كل التفاصيل مع الأهل وعدم احترام الخصوصية.
  • الشك من الطرفين، وهو كفيل باغتيال أي علاقة.
  • الجفاف العاطفي، وعدم التعبير عن المشاعر واعتبارها تحصيل حاصل.
  • الغضب، وعدم القدرة على إدارة الانفعالات أو ضبطها.
  • الاهتمام بالنظافة الشخصية والمظهر من أناقة وترتيب (دون الإسراف في الإنفاق).
  • عدم تحمل المسؤولية.
  • التعصب أو التشنج لبعض الأفكار أو السلوكيات، أو الرغبة في أن يكون الشخص دوماً على صواب متمسكاً برأيه غير قابل للنقاش.
  • عدم الالتزام والتدين، وظهور سلوكيات تناقض ذلك.
  • تبرير الأخطاء دوماً، ووجود أعذار دائمة، وعدم تقديم الاعتذار، والاعتراف بالخطأ.