
تسمية المولود ليست بالأمر السهل على الإطلاق.. فهو يحتاج الكثير من التفكير لاختيار اسم جيد يمكن الوصول إليه بكل سهولة ودون تعقيد. المشكلة تكمن في تجاهل الأغلبية ما تسببه الأسماء الغريبة والاختيار غير الموفق من آثار سلبية على المولود الذي يحمل الاسم سواء نفسية أو اجتماعية، ويكفي أنها قد تكون سبباً للتنمر على الطفل وتدفعه كي يكره اسمه ويلوم أهله الذين سموه بهذا الاسم.
وفي كثير من البيوت يتوافق الزوجان على تسمية الأبناء بكل سلاسة فيراعيها وتراعيه، ويمر الأمر بسلام بالتراضي والوئام، ولكن في بيوت أخرى حكايات وخلافات بسبب أسماء الأبناء قد تصل إلى مقاطعة الأهل للأب أو للأم، وقد يكون هذا الأمر هو الذريعة الأولى للطلاق بعد أن يحاول أحد الطرفين بشتى الطرق مع الطرف الآخر لإقناعه بالعدول عن رأيه ولكن بلا جدوى.
إذا كنت تبحثين عن الطريقة المُثلى لاختيار اسم مولودك وما هي أهم قواعد الاختيار، أو تسألين عن الطريقة التي تقنعين بها زوجك بالتوافق معك حول تسمية المولود.. تقدم لك «كل الأسرة» بعض الأسس التي تحتاجينها وقت الاختيار، وكذلك بعض النصائح والخطوات التي تجنبك اختيار اسم غير لائق لطفلك يسبب له بعض المشكلات مستقبلاً.. والأهم حتى لا يتسبب هذا الأمر في خلاف مع زوجك وينقلب الأمر من لحظات احتفال وسعادة لخلاف وذكرى سيئة لا تنسى.

أخطاء شائعة ومتكررة يرتكبها الآباء في تسمية المولود
بداية، يؤكد الدكتور ناصر زهران، استشاري الطب النفسي وخبير العلاقات الإنسانية بالقاهرة، ضرورة أن يتوافق الزوجان على اسم المولود قبل الولادة منعاً للمشكلات وغضب أحد الطرفين عند الولادة. وأن تكون التسمية بالمشاركة بين الأب والأم حتى لا نحرم الأم من فرحة تسمية مولودها بالاتفاق مع الأب.
ويقول د. ناصر «للأسف عند قدوم مولود جديد تعيش العائلات صراعات على تسميته، وهذه الخلافات تخلق نوعاً من المشكلات داخل بعض الأسر لدرجة تصل أحياناً إلى الانفصال بين الزوجين، أو القطيعة بين أسرتي الزوجين بسبب إصرار أحد الأطراف على تسمية المولود وفقاً لرؤيته دون السماح بتدخل أحد. فبعض الأزواج يريدون، وفقاً للعرف السائد في أسرهم، تسمية المولود على اسم الجد أو الجدة إكراماً لهما، ولكن قد يقع ظلم على المولود عندما يكبر ويستوعب أن الاسم قديم أو غريب أو غير مناسب لزمنه. أما الأزواج والزوجات فلا يلتفتون لمصلحة الطفل، بل يرون في تسمية المولود أزمة وجود لهما، فيصران على أسماء بعينها حتى لو وصل الأمر إلى الطلاق أحياناً. وفي أسر أخرى، هناك آباء وأمهات يختارون أسماء غريبة لأبنائهم، ويؤلفون ويخترعون أسماء قد تعرّض أبناءهم في المستقبل للتنمر سواء في المدرسة، أو الجامعة، أو مكان العمل».
وحول أبرز الأخطاء التي يرتكبها الآباء والأمهات في تسمية المولود، يبين الاستشاري الأسري د. ناصر زهران:
- الإكثار من الحديث مع الطرف الآخر والإصرار على الاسم الذي يريده، وكأن الأمر حق مكتسب له وحده، فيتسبب في عناد الطرف الآخر ويتحول الأمر إلى صراع وكأننا في حلبة مصارعة.
- وقوع الأزواج والزوجات تحت وطأة أفكار وأمنيات الأجداد في اختيار اسم المولود لتخليد أسمائهم، ما يتسبب في ضيق وحزن الأمهات والآباء الذين يقعون بين سندان اختياراتهم وتوقعات الوالدين منهم.
- تسمية المولود باسم قبيح أو غريب أو غير لائق، فمن غير المعقول أن يسمى إنسان بنوع من الحيوانات أو بمعنى محزن كاسم "وجد" ومعناه الحزن الشديد، أو اسم يبتعد عن تعظيم الأديان كاسم "عاصي"، أو أسماء تضر بشكل البنت، أو اسم معناه في الكتب السماوية يثير الحزن كاسم "ران" ومعناه طمس على القلب، أو أي اسم عموماً يعني المهانة والإذلال ويبعث على التنمر.

أزمة عابرة أم خلاف لا يزول؟
وتتفق معه الدكتورة أسماء صبري، المعالجة النفسية وخبيرة العلاقات الزوجية والأسرية، في أنه لا يتنبه بعض الأزواج والزوجات إلى المشكلات الكبيرة والشروخ التي تحدث بعد إجبار الأمهات على أسماء يكرهنها أو الاستئثار بتسمية كل المواليد بتسمية تزلزل العلاقة الزوجية، وهي من أكثر وأعنف ما يسبب روابط سلبية، لأن الأم كلما نادت طفلها ستتذكر أنها أُجبرت على اسمه.
ما الحل إذا اختار كل منهما اسماً وبقي الخلاف قائماً؟
1. على كل طرف منهما أن يقف مع نفسه للحظة ويفكر في أن هذا الاسم سيحمله الأولاد حتى الممات، لذلك فإن الأمر ليس سهلاً، ويتطلب التمسك بالاختيار الصائب، ويكون الطرف الذي اختار الاسم جاهزاً بالحيثيات عندما يكبر الصغار ويسألون الوالدين لماذا اختارا هذه الأسماء بالذات.
2. إذا رغب الأب في اسم ما بقوة أو اضطر إلى تسمية الطفل على اسم ما لظرف ما، فإنه يعوض الأم ويترك لها الحرية الكاملة لتسمية الطفل التالي.
3. من المهم مراعاة مشاعر الطرف الآخر، فعلى الأقل لا يسمي أحدهما اسماً يكرهه الآخر.
4. حين يتعارض خيار الأم والأب يمكن الجمع بين الخيارين باختيار اسم ثالث يتفق عليه الطرفان.
5. إذا كان اسم الجدة أو الجد كبيراً على طفل صغير وغير ملائم للمجتمع الذي نعيش فيه، وأصر الأب على التسمية لكسب رضا الأبوين، يجب على الأم أن تختار اسم «دلع» لابنتها تكون راضية عنه، ولكن في الوقت نفسه لا داعي لتنفير الأبناء من أسمائهم وإخبارهم بتفاصيل وملابسات الخلاف القديم حول الاسم.
6. يجب أن نختار للابن اسماً يتناسب معه كرجل بالغ ومن بعدها جد كبير في المستقبل، بحيث لا يكون اسماً يسبب له الحرج والضيق مستقبلاً.

8 أمور يجب إدراكها قبل اختيار اسم طفلك
من جانبها، ترى الدكتورة رشا الجندي، أستاذة الصحة النفسية وخبيرة العلاقات الزوجية والأسرية في القاهرة، أن الخيوط المتشابكة لفوضى تسمية الأبناء ينبغي أن يدركها الكثير من الآباء والأمهات في بداية الزواج، وأن يغلقوا ملف التسمية مبكراً ويتفقوا على المنهج المطلوب الذي يرضي جميع الأطراف ويحميهم من تداعيات التشوهات، فالتجارب تؤكد أن حسن اختيار أسماء الأبناء واجب وسلوك وأمانة يتحملها الآباء ليعيش فلذات الأكباد في سعادة وهناء.
وتقدم الدكتورة رشا الجندي 8 نصائح مفيدة للآباء والأمهات ليتجنبوا أي خلافات حول اختيار اسم المولود الجديد:
- من حق الأبناء على آبائهم اختيار الأسماء المقبولة التي تجعلهم فخورين بها، وليس التي تجعلهم هدفاً لتنمر أقرانهم فيما بعد، وليكن الوفاء للأجداد والجدات بالبر وحسن المعاملة وتحقيق النجاح.
- أهمية تجنب تسمية الأولاد بأسماء بنات مثل عصمت وولاء ورضا وشيرين، والابتعاد عن الأسماء الصعبة النطق أو غير الواضحة المعنى.
- ينصح الأسر والأهل دائماً بترك الاختيار للأم أولاً، فعلى الزوج وأسرتي الزوج والزوجة عدم التشدد في اختيار اسم الطفل وترك الأمر للأم، فهذا أول ما يسعد قلبها ويشعرها بحقها في مولودها، ولكن لا بد أن يتم ذلك بالتراضي والنقاش مع الزوج.
- من الأفضل أن ترتب الزوجة لعمل جلسة خاصة قبل موعد الولادة لا يحضرها أي من الأسرتين، وتقوم الزوجة بالإفصاح عن الاسم الذي تحب أن تسمي به مولودها، وأيضا يتم الاتفاق على أن يقوم الزوج بإعلان الاسم مع الاعتذار للأجداد عن اختيار أسمائهم مع عدم ذكر سبب عدم اختيار أسمائهم، فكل هذه التبريرات تفتح حوارات غير لطيفة وتفسد الفرحة بوصول المولود.
- من أهم الخطوات التي تساعد الزوجة على إقناع زوجها بضرورة التوافق حول اسم المولود اختيار التوقيت المناسب للتحدث مع الزوج عما تريد، فتتجنب محادثته فور عودته من العمل أو حينما يكون مشغولاً بأمر ما، ولنتذكر أنه لا شيء يحدث بين يوم وليلة.
- عدم التسرع في اختيار الاسم وعدم إهمال معاني الأسماء أيضاً، لأنه يظل معه طوال حياته، وحتى لا يشعر الطفل بأنه منبوذ، فسوء اختيار الاسم يؤثر على الطفل ويخلق بداخله حالة من عدم الثقة بالنفس وعدم الرضا عن حياته، ويمكن أن يصاب ببعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والتوتر النفسي أو انفصام الشخصية، فعلى الأم والأب التركيز على التربية السليمة وتعليم السلوك الحميد أكثر من الخلاف على اختيار الاسم.
- يجب أن يكون اختيار الاسم، سواء كان من قبل الأب أو الأم أو بالتوافق بينهما، متناسباً مع الأسماء المألوفة، وأن يكون اسماً محبباً للجميع وغير معقد أو مركب.
- يجب أن يتم اختيار اسم المولود قبلها بوقت كاف حتى يكون هناك متسع من الوقت أمام الأبوين للاختيار الصائب دون تسرع، وأن يتحققا جيداً من الاسم ومن معناه، وأنه مسموح به شرعاً وقانوناً.
وفي النهاية، يؤكد الخبراء أن الحيرة في اختيار أسماء الأبناء أمر شائع ويتكرر كل يوم بين الآباء والأمهات، لكنه أمر مهم يجب ألا نهمله أو نتسرع فيه، لأن الأمر ليس مجرد اسم لا ينفع ولا يضر، ولكنه خطوة مهمة تجعل الطفل مميزاً وفخوراً باسمه طوال حياته، أو تجعله محرجاً ومعقداً من هذا الاسم بقية عمره.. وكم من اسم قديم كان أفضل وأرقى من كثير من الأسماء الحديثة التي قد تكون صعبة في النطق أو لا تتناسب مع مجتمعاتنا وهويتنا.. فالأمر يحتاج لوقفة حقيقية مع النفس وعدم إهمال لرأي الطرف الآخر وحقه في اختيار اسم مولوده.
اقرأ أيضاً: الاسم الحسن.. حقّ كفله الإسلام للأطفال وواجب على الآباء