قبل أيام، زارتني صديقة مصرية تحضر ندوة أدبية في باريس. حملت لي من القاهرة هدية لا تخطر على البال، أسعدتني أكثر من أيّ هدية أخرى.. ما هي؟
كتيّب صغير من صفحات معدودات يتضمن وصفات لأطباق شهية كانت مجلة (حواء) توزعه مع عددها بمناسبة شهر رمضان الكريم. ويعود تاريخ الطباعة إلى خمسينيات القرن الماضي. أي أنّ الكتيّب من عمري تقريباً، ورغم اصفرار وريقاته فإنه ما زال مفيداً. ومتماسكاً، مثلي.
عرفت من صديقتي أنها اعتادت التجوّل في دكاكين الكتب والمجلات القديمة، للحصول على ما يفيدها في بحث تجريه عن أحوال النساء، ومظهرهنّ، واهتماماتهنّ، في منتصف القرن الماضي. ولأنها تعرف شغفي بالصحف القديمة، فقد اختارت لي هذه الهدية.
أتلفت حوليّ في باريس، وأرى هدايا السان فالانتاين، عيد الحب، على الأرصفة، وفي كل الواجهات. باقات زهر أحمر، ودباديب، وعطور، وروايات مكتوبة بماء الورد. لا شيء فيها يغريني. فأنا من الجيل الذي لم يكن يعرف السان فالانتاين، ولا هداياه. الهدية هي ما أتلقاه عند زواجي، أو ولادة أحد أطفالي. حتى الاحتفال بأعياد الميلاد فإنه كان مقصوراً على الأطفال حتى سِن معينة.
دخلت قبل أيام محلاً للوازم الخياطة، ووجدت على الرّف علبة أنيقة وقديمة تحتوي على ثلاثة مناديل مطرّزة. تذكرت المنديل الأبيض النظيف الذي كانت والدتي تطويه وتضعه في حقيبتي المدرسية. تأتي المعلمة وتفتش نظافة أظفارنا، وتتأكد من وجود المنديل لدى كل طالبة. اليوم، اختفت المناديل، ورحنا نمسح أنوفنا بالكلينكس. مربّع ورقي يذهب بعد الاستعمال إلى سلّة المهملات.
لا أدري ما الذي دفعني لاقتناء علبة المناديل المطرّزة. رفعتها إلى أنفي وتخيّلت عطراً من زمن مضى. سأهديها لابنتي، وقد تستغرب، وتضحك، ولا تفهم فحوى الهدية. هذا جيل سيمخط بواسطة الذكاء الاصطناعي. وقد يأتي يوم ينقرض فيه القماش، والخامات الطبيعية والصناعية، ويلبس الناس ثياباً من ورق، تصلح للاستخدام مرة واحدة. وأظن أن هذا الاختراع موجود، لكنه لم ينتشر كفاية.