عندما تغضب المرأة من موقف تعرضت له سواء مرتبطاً بمجال عملها أو بأحد أبنائها أو بأفراد عائلتها وتريد أن تنفس عما يجول بخاطرها من ضيق وضجر، تبحث عمن تظن أنه الصدر الحنون الذي يستمع وينصت لها باهتمام، بل ويتفهم مشاعرها التي لا تستحي من إظهارها دون خجل، ودائماً ما يقع الاختيار على الزوج بحكم قربه منها، إلا أن هناك من يكون عوضاً عن ذلك، من أشد الناس عداوة وشراسة لكثرة انتقاده لها وتسليط الضوء على ما اقترفته من خطأ، ويظل يلوح بما وجب عليها فعله، دون مراعاة لاحتياجاتها في أن تفضفض في محاولة لتخفيف حدة ووقع المشكلة عليها، وهو ما يتسبب في تعميق الشقاق بينهما وإحساس الزوجة بأنه مصدر إزعاج بالنسبة لها.
1- عدم فهمه لطبيعة المرأة
توضح نورة النقبي، اختصاصي نفسي، «الخطأ الذي يقع فيه كلا الزوجين هو عدم فهم الفروق السيكولوجية أو النفسية الخاصة بكل منهما، فالزواج ميثاق غليظ وجد للبشر لسد حاجات كثيرة منها الاجتماعية والنفسية، فالهدف منه هو السكن والمودة والرحمة وأن يصبح كل منهما للآخر بمثابة الملاذ الآمن الذي يحتمي فيه من ضربات وصعوبات الحياة، وعند الوعي بالحالة النفسية لكل منهما تقل الخلافات وكذلك تقل الاتهامات بأن شريك الحياة لا يفهمه ولا يعرف ما يريده منه. فمثلاً عندما يواجه الرجل مشكلة في عمله ويعود إلى البيت ملتزماً الصمت مفضلاً إغلاق غرفته عليه وعدم التحدث عما يضايقه، فهو هنا ليس بحاجة لمن يلاحقه كي يتكلم، بل يفضل التفكير الأحادي وصولاً للحل، عكس المرأة التي تريد الفضفضة والاستماع والإنصات إليها كنوع من الدعم النفسي، ومخطئ من يعتقد أن زوجته مثله في الاحتياج النفسي».
نصيحتي للرجل حسن الإنصات فالمرأة سمعية وإذا غضبت لا تريد من يجلدها ويقف ضدها من باب ردها عن الخطأ، بل تحتاج لمن يدعمها في هذا الوقت
وتتابع «نصيحتي للرجل حسن الإنصات والنظر إلى عينيها وهي تتحدث، بل ومشاركتها نفس تعابير الوجه فإذا ضحكت يفعل وإذا اكفهر وجهها يبدي هو نفس الشعور، فالمرأة سمعية ويتحرك إحساسها من أذنها فإذا غضبت لا تريد من يجلدها ويقف ضدها من باب ردها عن الخطأ، بل تحتاج لمن يدعمها في هذا الوقت ويشعرها أنه متفهم لإحساسها وما تمر به من أزمة، فهي لا تريد النصيحة الآنية وتوبيخها بأنك أنت المخطئة، وافعلي كذا، ولا تفعلي كذا، ولا أعني بحديثي إخفاء النصيحة ولكن تعلم كيفية تقديمها والوقت المناسب لها، فالرجل يحب أن يستمع لزوجته وأن يوجهها ولكن بالنصح المغلف بالود والرعاية والحب، وللأسف هناك من يقدمها لشريكة حياته مغلفة بالوصاية والأفضل تقديمها كنوع من الرعاية».
2- يعتبر الشكوى ثرثرة
مريم الكاس، مستشارة أسرية وتربوية، تشرح طرق الفضفضة، قائلة «من الأدوات التي تخفف من حدة التوتر والقلق والأمراض النفسية هي الفضفضة، التي تسمى في علم النفس التنفيس الانفعالي، وهي البوح وإطلاق العنان للفكر والمشاعر، فكل منا يتحدث عنها بطريقة مختلفة، فالبعض يمارس الرياضة وهواياته ومواهبه لتفريغ همومه المكبوتة، والآخرون يفعلون ذلك عن طريق الكتابة وتسطير الخواطر وسرد القصص، وهناك من يلجأ للبكاء فالدموع نعمة تحرر المرء من الأثقال وتجنبه أمراض العصر كارتفاع الضغط وأمراض القلب، على عكس حبس البكاء الذي يؤدي إلى الإحساس بالضغط والتوتر والإصابة ببعض الأمراض أبرزها الصداع والقرحة، وقد يفضفض آخرون بالضحك فالهرمونات التي تطلقها نوبات الضحك تنشط الجسم إلى أقصى حد وتخفف الشعور بالألم».
المرأة عندما تشتكي، لا تريد حلولاً لكنها بحاجة لإنصات واهتمام، لذلك فالفضفضة أو البوح بالمشكلات ليس نوعاً من الثرثرة لكنها إحدى طرق العلاج النفسي
وتلفت «المرأة عندما تشتكي مما يضايقها فهي لا تريد حلولاً لكنها بحاجة لإنصات واهتمام، لذلك فالفضفضة أو البوح بالمشكلات ليس نوعاً من الثرثرة لكنها إحدى طرق العلاج النفسي التي تقضي على الكبت والمعاناة التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، والتي من شأنها أيضاً تخليصه من الشحنة الانفعالية الزائدة عن طاقته. ولكن لا يكون البوح بشكل مبالغ به وفي كل شيء، فليس كل ما يسبب الهم والغم يتم الإفصاح عنه، فالمقياس في ذلك درجة حجم المشكلة، فبعض الأمور بسيطة وباستطاعتنا حلها أو التخلص منها ذهنياً، خاصة بعض المشكلات الأسرية التي يجب ألا نبوح بتفاصيلها، ولكنها في الوقت ذاته لا بد أن تكون مع مختص أو أهل ثقة حتى لا يتبعها ندم. فالشخصية التي يتم الفضفضة معها يجب أن تتسم بالأمانة والصدق وتمتلك شيئاً من الحكمة والخبرة، بالإضافة أن يكون هذا الشخص مهتماً بالأمر ومتعاطفاً ويستمع ويعطي حلولاً، ويرى الكثير من المستشارين الاجتماعيين والاختصاصيين النفسيين بأن الفضفضة نصف العلاج النفسي لدى الكثير من المرضى أو المتعبين نفسياً أو من يمرون بظروف الحياة المختلفة، لذلك لن يعالج الصمت الحالة النفسية ولكن قد تخفف الفضفضة من الضغوط، وبلا شك تحتاج الزوجة إلى التعاطف والدعم من شريك حياتها فهو أولى الناس بذلك».
3- يقدم النصيحة بدلا من العون
من وجهة نظر الشرع، يبين المفكر الإسلامي الدكتور خالد رمزي البزايعة «الحياة الزوجية سكن ومودة ورحمة، إذ قال تعالى «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، فالمودة والرحمة تظهران في التفاهم واستخدام الكلمات الرقيقة والطيبة التي تسعد الطرف الآخر، ومن مقتدياتها أيضاً أن يحمل كل طرف هم الأخر وأن تشفع الحياة بينهما إذا ما غضب أحد الطرفين، فذكر أن رجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم «أوصني يا رسول الله»، قال «لا تغضب»، فردد مراراً قائلاً «لا تغضب». والمراد هنا هو إمساك المرء زمام أمره عند حالة الغضب، وكما نعلم فإن بعض الزوجات قد تمر بفترة عذرها الشرعي أو بحالة ولادة، وغيرها من الأمور التي تغير فسيولوجية الجسد وبالتالي يختل ميزان إدراكها فتسرع إلى الغضب وعدم الحكمة، وهي حالة تجعلها في وضع نفسي مربك وهو ما يتطلب من الزوج تفهم تلك المتغيرات وأن يكون السند واليد الحنونة والقلب الدافئ لها يتحملها ويراعيها ويوسع من صدره ولا يكبر من الأمور الصغيرة، بل ويتغاضى عن أخطائها إن وجدت».
تتعرض المرأة لمشاكل في العمل كالتي يمر بها الرجل، وهنا يجب ألا يلهب هو النار بزيادة الوقود، بل يحتوي الموقف بإبعاد ما يؤذيها وأن يستمع وينصت إليها ولا يهاجمها
ويشير «أحياناً قد تتعرض المرأة لمشاكل في العمل كالتي يمر بها الرجل، وهو ما ينعكس على نفسيتها ويجعلها تخرج الكبت الذي بداخلها في شكل صراخ على الأبناء أو على الزوج نفسه، وهنا يجب ألا يلهب هو النار بزيادة الوقود، بل يحتوي الموقف بإبعاد ما يؤذيها وأن يستمع وينصت إليها ولا يهاجمها، فهي سياسة جميلة تقتل الغضب وتهدئ النفس. فالزوجة كما هي الصدر الحنون للرجل فعليه هو أيضاً أن يكون لها كذلك، وأن يكون هو صمام الأمان الذي تريده وتكون نظرته لها وكأنها ملكة يختار كلماته معها، وعليه أن يقدم النصيحة عندما تهدأ وليس وقت أن تروي له ما يجول بخاطرها، حتى لا تشعر وكأنه انحاز للجانب الذي يثير غضبها، فالحياة الزوجية لا تخلو من المنغصات وعلى الطرفين أن يكونا لبعض مصدر الدفء والحنان».