بعد الانفصال أو وفاة الزوج تشعر المرأة بالوحدة وصعوبة مواجهة المجتمع والتأقلم مع التغيير الذي حل عليها، فبعد أن كانت تعيش في كنف زوج هو كل وسيلتها للاتصال بالعالم الخارجي، ونافذتها التي تطل منها بعيداً عن محيط منزلها، أصبحت مطالبة بتحمل مسؤولية نفسها وتدبر شؤون حياتها، ويزيد الأمر صعوبة بوجود أبناء في مراحل عمرية صغيرة في حاجة إلى رعاية واهتمام، كل ذلك من شأنه أن يجبر صاحبة الأيدي الناعمة على أن تعيد حساباتها من جديد باحثة عن استقلاليتها وتحقيق أحلامها المؤجلة.
كيف تواجه تحديات الحياة؟
الدكتورة أحلام خطاب، خبيرة تربوية وعلاقات أسرية، تتحدث عن أهم معوقات هذه المرحلة، قائلة «تعرض المرأة للهجر أو الطلاق أو وفاة الزوج يعد أصعب تحديات الحياة التي يمكن أن تواجهها، خاصة إذا كانت من الشخصيات الاتكالية التي تعتمد على غيرها في كل شيء وتعتبر شريك حياتها النافذة التي ترى من خلالها العالم من حولها، وللأسف بغياب هذا العنصر المهم ربما يقودها ذلك لأمراض نفسية مؤلمة، ناهيك عن محاصرتها بالأفكار السلبية التي تتملكها مثل لوم النفس لما وصلت إليه وتحميلها مسؤولية فشلها إذا ما تعرضت للهجر أو الطلاق، حتى في حالة أن يغيب الموت زوجها لا تسلم من منغصات معينة كأن تميل للعزلة والوحدة والابتعاد عن كافة الأنشطة الحياتية، وقد تعاني صعوبة في النوم والتركيز، وفي بعض الحالات تصبح ذات شخصية عدوانية غير مرنة في التعامل، وإذا لم يتم احتواؤها ومساعدتها وتقديم الدعم والمساندة لها من قبل عائلتها وأصدقائها لتجاوز تلك التجربة المؤلمة والمضي قدماً في الحياة ربما تتقوقع على ذاتها وتكره نفسها».
التعايش مع التغيير وتقبله
وتواصل «تتربى الفتاة في المجتمعات العربية على أنها تخرج من تحت عباءة الأب إلى عباءة الزوج وهو أمر لا غبار عليه طالما يسير في نصابه السليم وهو الحفاظ عليها وجعلها كالدرة المصونة، ولكن المشكلة عندما تربط مصيرها بشخص تعيش معه على هامش الحياة، فيكون هو المسيطر على كل زمام الأمور وتكون هي المتلقي للأوامر والنصائح ويقتصر دورها على تنفيذها فقط، وعندما ينسحب من حياتها لأي سبب كان، تصطدم بتفاصيل الحياة الكثيرة ولا تستطيع مواجهتها بمفردها، فلا تستوعب أن أزمة مثل الطلاق مجرد فترة عابرة وأن ألمها طبيعي ينتهي بمرور الوقت، وفي حاله الوفاة فهي بلاشك مرحلة صعبة لكن هذا لا يعني العجز عن تجاوزها، فعلى المرأة أن تتعلم كيف تثق في قدراتها وأن تتخذ من الأمثلة الناجحة نماذج تقتدي بها، فهناك العديد من النساء الناجحات بأعمالهن الريادية مضين قدماً وهن أمهات مطلقات وأرامل، وعليها أن تقبل التغيير الذي طرأ على حياتها وتتعايش معه وتبحث عن تجربة أشياء جديدة في الحياة، ويكفيها أن تدرك قيمة أنها هي صانعة قراراتها والمسؤولة عن اختياراتها، فكم من رئيسة عمل ومديرة قطاع ومالكة مشروعات حققت نجاحات كبيرة ووصلت إلى القمة بمفردها دون أن يكون وراءها من يقول افعلي كذا أو لا تفعلي، فالمرأة إذا أدركت إمكاناتها وما تملكه من قدرات لصنعت المعجزات ولأبهرت المجتمع».
ومن وجهة نظر أخرى، يعلق الدكتور أحمد النجار، أستاذ علم النفس الاجتماعي، موضحاً «لا توجد نهاية لطريق إنسان مازال يتنفس الحياة، فهي مستمرة ولا تنتهي باختفاء أو رحيل من يحب، فلقد خلقنا الله سبحانه وتعالى كي نعبد ونبني ونتطور ونستمتع بخيرات الحياة التي وفرها لعباده. وللأسف كثير من البشر يربطون سعادتهم بأشخاص"
ويستعرض الدكتور أحمد النجار ثلاثة أنواع من الناس عند مواجهة المواقف التي يصطدمون بها أو تحدث لهم في الحياة:
1- فئة تعيش في الماضي
فالبعض ينظر إلى الوراء عندما يفقد أو يرحل عنه شخص يحبه، فيعيش في ماضي الحدث ويتخيل أن من تركه ومشى مازال معه، وهذه الفئة من البشر أكثر عرضة للحالات النفسية التي توصف بالاكتئاب، إذ تكون غير قادرة على الخروج من الأحداث كي تعيش حياتها، فإذا مرت عليها مواقف وعاشت في الماضي تشعر أن هذه وسيلة الأمان النفسي بالنسبة لها وهو قياس خاطئ.
2- فئة تنظر إلى المستقبل
الفئة الثانية من البشر هي من تنظر إلى المستقبل وتفترض أن الذي رحل عنها، لأي سبب، ما هو إلا ماض انتهى دوره وأن دورها في الحياة أن تعيش، فهذه الفئة هي الأقدر على أن تبني نفسها مرة أخرى وتتجاوز أي ظروف مهما كانت، فهي لا تعيش لوماً ولا ندماً ولا ألماً ولا ذكريات، ومن وجهة نظري في حالات الطلاق أو الهجر أو الفقد فالوسيلة الأفضل للتعايش مع المواقف الصعبة، ليس أن نتذكرها وإنما أن نتفهم طبيعة الكون وحقيقة الحياة من خلال النظر إلى المستقبل، وكثير من الناس يعتبر أن هذه الفئة غير مخلصة من باب أن الإخلاص هو الأصل، رغم أن وجهة نظر الصحة النفسية تشير إلى أن تجاوز الأحداث نفسياً والاستفادة فقط من تجاربها الفكرية يعد نعمة حقيقية».
3- فئة تعيش الواقع وتنظر إلى المستقبل دون نسيان الماضي
أما الفئة الثالثة هي من تعيش الواقع وتنظر إلى المستقبل دون نسيان الماضي، وهي تنقسم إلى جزأين، الأول لا يغير حياته أبداً فيتقبل رحيل الشخص، إلا أنه يظل وفياً لذكرياته ولكثير من الأحداث المشتركة بينهما، ويعيش حياته منقسماً بين ماضيه ومستقبله، وكثير ممن يميلون للوفاء يفضلون هذا، ولكن من وجهة نظري من يتخذ من المشاعر متغير أساسي في حياته لا يستطيع أن يحيا حياة سليمة، مثال على ذلك ترفض المرأة فكرة الزواج مرة أخرى بعد الانفصال أو رحيل الزوج لأنها تعيش ماضيها وحاضرها بكل تفاصيله وتجره معها إلى المستقبل، وحتى إذا تزوجت فربما تفشل لأنها دائماً في مقارنة، أما الجزء الثاني من هذه الفئة فهو من يستفيد من تجاربه السابقة وينقل خبراته التي اكتسبها ليوجد له حياة جيدة، وأعتبر هؤلاء الناس هم من يتمتعون بنسبة كبيرة من الصحة النفسية».
الاتكالية تحول المرأة إلى تابع يتنفس الحياة من خلال الشريك
عائشة وليد النقبي، كوتش حياة ومدربة معتمدة، تقول «من باب تعاملي مع بعض الحالات خلال جلسات الكوتشينج ممن مررن بمثل هذه التجارب، وجدت أن بعضهن ينظرن لوضعهن وكأنه نهاية المطاف، منتظرات إسدال الستار على حياتهن، والحقيقة أنني لا أقلل من حجم المشكلة، فبلا شك اتكال المرأة على الرجل بصورة كلية والاعتماد عليه في أدق تفاصيل الحياة وما يتعلق بشؤون الأسرة والأبناء ثم انسحابه فجأة لأي سبب، يكون صعباً تقبله وتأتي الصعوبة نوعاً ما من أنها تعودت أن تستنفد كل طاقتها لأجله وتغذي مشاعرها منه، فتتحول من شريك له تقاسمه المسؤولية إلى مجرد تابع يتنفس الحياة من خلاله».
وتقدم النقبي بعض النصائح التي قد تساعد المرأة في مواجهة الحياة دون اتكالية: