«أعاني اتهام زوجي لي بأنني لا أصلح لأن أوجه ابني لأي سلوك صحيح، فعندما يكذب علي في موقف يتهمني بأنني السبب في ذلك كوني أعامله بقسوة أحياناً، وعندما لا يسمع لحديثه بإنصات إذا ما وجهه لشيء ينظر إلي ويقول «هذا نتيجة تربيتك»، وإذا ما أخفق في مادة دراسية فبدون شك أكون أنا السبب أيضاً، وهو ما دفعني إلى أن أجنب نفسي ذلك بأن أخفي عليه بعض المواقف التي تصدر من ابني خشية مواجهته».
بهذه الكلمات عبرت سمية إسماعيل، ربة منزل عن وجعها من اتهام زوجها لها بالتقصير طوال الوقت.
فما الذي يجعل الزوج يتصرف هكذا؟ و ما مدى انعكاس تصرفاته تلك على علاقته بشريكة حياته؟ وهل يمكن أن يدفع الأبناء ثمن سلوك الأب؟
لكي تتجنب الزوجة انتقاد شريك الحياة، عليها الإصغاء له والأخذ بنصيحته ووجهة نظره فربما يكون محقاً
من جانبها، توضح أميرة عبدالله، مستشار نفسي سلوكي ومدرب دولي معتمد واختصاصي علم النفس التربوي، «الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يترعرع فيها الطفل ويفتح عينيه في أحضانها حتى يشب ويستطيع الاعتماد على نفسه بعدها يلتحق بالمؤسسة الثانية وهي المدرسة المكملة للمنزل، ولكن تتشكل شخصيته خلال الخمس سنوات الأولى، أي في الأسرة، لذا كان من الضروري أن يكون الوالدان على دراية بالأساليب التربوية الصحية التي تنمي شخصية الطفل وتجعل منه شاباً واثقاً من نفسه صاحب شخصية قوية وفاعلة في المجتمع.
وتعد تربية الأطفال من أصعب المهام والمسؤوليات التي يقوم بها الزوجان، وتبدأ هذه المهمة منذ الإنجاب إلى جميع المراحل العمرية المختلفة، وفي مرحلة التربية والنشأة الأولى كثيراً ما تتعرض الأم إلى انتقاد زوجها لها بسبب طريقة تربية الأولاد ولومها باستمرار وتوجيه الملاحظات، ما يجعلها تشعر بالضيق بسبب موقفها الحساس وشعورها بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها، إذ إنها تسعى دائماً إلى القيام بدورها على أفضل وجه».
وتواصل «لكي تتجنب الزوجة انتقاد شريك الحياة، عليها اتباع عدة أمور منها: الإصغاء له والأخذ بنصيحته ووجهة نظره فربما يكون محقاً، وتجنب الهجوم عليه لأن ذلك لا يصل بهما إلى حل بل يؤدي إلى نشوب خلافات بينهما وهو ما يؤثر في الأطفال بالسلب، كما عليها توضيح موقفها تجاه بعض المواقف وتبرير ذلك بالحجج والبراهين القوية، وأيضاً عليها خلال انتقاد الزوج لها أن تطلب منه تقسيم المسؤوليات بينهما ومشاركته في التربية الأبناء والتأكيد على أن دور الأب لا يقتصر على الماديات فقط».
توجيه الاتهام للزوجة يربك مشاعرها ويجعلها فريسة للضغوط والتشويش
مانع علي بن هلال النقبي، مستشار أسري، يؤكد «غالباً ما ننظر للعلاقات الزوجية على أنها دائماً هادئة، ولكن إن التقينا أحد الطرفين فبلا شك أننا سنستشف بعضاً من القلق والتوتر الملحوظ، خاصة إذا كثرت نظرات الاتهام على سلوك ما، كإشهار الزوج رأيه الحاد بأن السبب الرئيسي وراء أخطاء الأبناء المتكرر هو ما تمرره الأم من نصائح وسلوكيات أثناء توجيهها لهم، فهو دون أن يشعر يدخل الزوجة في حالة خوف وقلق مستمر، قد تتحول إلى الرغبة في الانتقام، فمن قال إن الزوجة يجب أن تكون بالغة النجاح في إيصال أسرتها إلى الضفة الآمنة؟ فهذه المعادلة خطأ ولا يمكن اعتبارها قاعدة، وبلاشك توسع أصابع الاتهام الفجوة بين الزوجين وتطفئ فتيل رغبة المشاركة بينهما، بل ويتحول الأبناء إلى أشخاص يميلون إلى الرغبات العدوانية في حال وقعوا في فخ خلل التوازن الأسري».
المرأة كائن يحمل كماً هائلاً من المشاعر الإنسانية، ودائماً ما تحتاج إلى الكلمة الطيبة والصدر الحنون
ويشير «المرأة كائن يحمل كماً هائلاً من المشاعر الإنسانية، ودائماً ما تحتاج إلى الكلمة الطيبة والصدر الحنون، حتى في حال تقصيرها تجد من يعينها ويقومها بالحسنى ولا يوجد لديها أهم من زوجها لأن يشبع ذلك بداخلها، حتى إذا شعر بوجود خلل في تربيتها لأبنائها فعليه أن يتعامل مع الأمر بحكمة ولا يكون سبباً في إيذاء مشاعرها، كما عليه أن يدرك أنها أكثر من يتمنى أن يعبر بأبنائه إلى بر الأمان، وأكثر الناس حرصاً على مصلحتهم، فتوجيه الاتهام لها يربك مشاعرها ويجعلها فريسة للضغوط والتشويش الذي يفقدها ثقتها في نفسها وفيما تقدمه لأبنائها».
هل تستمر الزوجة مع زوج لا يدعمها؟
العلاقة التي لا يكون فيها الرجل داعماً ودافعاً للزوجة في كل وقت، يجب التخلص منها دون ندم، لأن مثل تلك العلاقات تعد سامة وقاتلة للنفس
تبين الدكتورة ولاء الشحي، خبيرة في التنمية الذاتية وتعزيز الوعي بالذات والتحفيز، أن «العيش في كنف زوج يعلق تقصيره تجاه بيته وأبنائه على شماعة شريكة حياته يعد موتاً بطيئاً، فالعلاقة التي لا يكون فيها الرجل داعماً ودافعاً للزوجة في كل وقت، يجب التخلص منها دون ندم، لأن مثل تلك العلاقات تعد سامة وقاتلة للنفس. وللأسف تتربى المرأة في المجتمع العربي على الخضوع وتخرج من بيت أهلها لتكمل المشوار مع شريك حياة يستغل ذلك، وتعرف تلك الشخصية بالنرجسية التي دائماً ما تشعر الطرف الآخر بأهميته في حياته وأنه هو من يكمل النواقص عنده، فيظل يتهمه دوماً بالتقصير ليظل يعطي طوال الوقت حتى ولو كان ذلك على حساب نفسه.
وتكمل الدكتورة ولاء الشحي "عندما تعيش المرأة تحت وطأة هذا الزوج تفقد إحساسها بذاتها وتذبل كالوردة، بل وفي أحيان كثيرة تنعزل عن المحيطين بها إرضاء لهذا الزوج الذي يريد أن تظل دائماً في حالة استنفار خشية وقوعها في خطأ يقترفه غيرها وينسب إليها، وأقصد هنا الأبناء، كل ذلك قد يدفعها للدخول في دوامة من الاكتئاب والأمراض النفسية التي تسبب مع الوقت أمراض جسدية، فكم من حالات تعرض علينا لشخصيات مهزوزة ولديها ضعف في كل شيء، بل وهناك من يعاني الوسوسة واضطراب القلق الاجتماعي أو ما يعرف بـ (الرهاب الاجتماعي)، وهو اضطراب مزمن يتميز بخوف مفرط وغير مبرر من الإحراج والهوان في المواقف الاجتماعية، وللأسف لا تجني الزوجة ثمار ذلك وحدها، بل يشب الأبناء إما نسخة من أبيهم أو أمهم، وفي الحالتين يخرج للمجتمع شباب وشابات معقدون نفسياً".
وتتابع «يقول الله تعالى في كتابه العزيز «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وأقول للزوجة التي تعيش مع شخص يلقي دائماً باللوم عليها في أي شيء يقع من أحد أفراد أسرتها أن تبحث عن الخلاص، إما بمواجهة هذا الزوج بمشكلته وتأثيرها السلبي فيها ونصحه بأن يطلب المساعدة من المختصين، أو إنهاء تلك العلاقة لأنها لن تجني منها سوى المتاعب».
هل يدعمك زوجك في مسؤوليات البيت؟