أكثر سؤال كان يطرح في الماضي على صفحات المجلات التي تستعين بخبراء للرد عليه، ومطروح اليوم وبكثافة على العديد من مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي بانتظار الحصول على إجابة شافية، يتعلق بالحب، عن ماهيته وكيف يتوصل الإنسان لمعرفة أنه في حالة حب وماهي أكثر أنواع الحب استدامة وصدقاً، وكيف أعرف بأن الطرف الآخر يحبني كما أحبه وأخيراً كيف يمكن أن أقع في الحب ومتى يجعلني الحب سعيداً؟
ويبدو أن الانفتاح العالمي والتقدم التكنولوجي لم يسعفا المحبين في التوصل إلى الإجابات المطروحة بأنفسهم، أو لربما تسببت التكنولوجيا في زيادة غموضه وضبابية ملامحه أمام تعدد الحالات والإجابات وكثرة القصص والمواقف التي يسردها المحبون أو الأخبار التي تنقل حكاياتهم، فمواضيع الحب قد اقتحمت بدورها عصر التطور وأصبح لسردها تقنيات وأدوات مختلفة تماماً، لكنها لم تغير حقيقته أو صفاته أبداً.
ومع الاهتمام العالمي بتحديد يوم أو عيد للحب وعدم قبول كثير من الناس ذلك مع اختلاف أسبابهم بدءاً من الخلفية الثقافية للمفهوم أو ارتباطه بقصص خرافية، وانتهاء بعدم وجوب إطلاق مصطلح عيد على الحب، اختار الكثيرون عدم قبول تحديد يوم واحد للحب لأنه لا يكفي للتعبير عن هذه العاطفة الجياشة والتي لربما أصبحت نادرة في هذه الأيام، أو مختلفة تماماً، لكنها لا تزال متوقدة وجياشة.
أما لماذا يرفضون أن يكون للحب يوم فلأنه كل ما يمكن التعويل عليه من قيم كالتسامح والتعاطف والاحترام والإخلاص والوفاء والانتماء والوطنية والتعاون والتشارك وغيرها كثير، والمكون الرئيس فيها جميعاً، وتابل يؤمن وجوده حضورها واستمراريتها للأبد.
والحب، الذي كبرنا على قصصه وأدهشتنا حكايات المحبين مع اختلاف بداياتهم ونهاياتهم فيها، هو الذرة التي يتطور بها البشر والعلاقة التي يتواصلون بها والقيمة التي يتعايشون ويتراحمون ويتفاعلون ويتعاطفون من خلالها وبدونه تحل القسوة في الأرواح وتصلد القلوب وتقسو، فلا تعود الأرض صالحة لعيش أناس مختلفين فكرياً.
وشكل لنا كل من قيس وعنترة وكثير وعمر ابن أبي ربيعة وجميل وغيرهم في أزمنة لا تعرف التواصل السريع قاعدة حب وتسبب حبهم في إضرام حرائق الجفاء والرفض والعتاب واللوم والخذلان والدموع والآلام، والتي على الجانب الآخر، حفزتهم ليصيغوا لنا ثروة أدبية هائلة، ويتركوا في تاريخنا علامات وحكايات لا تتكرر ومواقف ما زلنا نستعيدها اليوم عند مواجهتنا لمثلها في هذا الزمن.
ولم يتغير الحب أبداً، ويجب ألا نصدق بأنه يتغير كما لا يزال في العالم خير وشر على مر الزمان، ولم تجرؤ حتى التكنولوجيا على العصف بجذوره أو اقتلاعه من أرضه، على الرغم من اعتقاد البعض بأن الحب قد نزف آخر قطرة دم من مصداقيته وشفافيته مع رحيل أزمنة كان فيها الحب يبدأ ويقتدي بقيس وابن زيدون وجبران ونزار قباني ومن أتوا بعدهم، لأنه عاطفة لا يمكن المساومة فيها أو عليها، ومشاعر تصعب مقاومتها أو الكذب فيها، وروح أخرى ترتدي الإنسان وتبدله مئات الدرجات، وكثيراً ما تجعل منه شخصاً أفضل بسرعة هائلة تعجز عنها أهم كتب تنمية الذات وأنجح أطباء علم النفس وأخصائيو التطوير الشخصي.