البيوت السعيدة لا تبنى بالحب وحده فإنه يأتي مع الوقت ولكنها تبنى بالرضا، فالقناعة في الزواج هي أهم أسس السعادة وكلما اقتنع الزوج بزوجته في جميع النواحي كان سعيداً في زواجه وكذلك الزوجة في حال اقتناعها بزوجها لا تجد أجمل من حياتها الزوجية وسعادتها.
خبراء العلاقات الزوجية يؤكدون أن ارتفاع نسب الطلاق في مجتمعاتنا العربية سببه الأساسي قلة الرضا بين الزوجين رغم وجود الحب أحياناً، لكن قلة الرضا هي التي تفتح الباب لمعظم المشكلات الزوجية، وبسببها تبدأ المقارنات المستمرة والنقد اللاذع والمعاندة والخيانة، ويقولون إن أغلب المشكلات الزوجية لا تنتهي بسبب عدم وجود الرغبة في المسامحة والغفران إذا وقع خطأ من أحدهما ، فالإنسان لابد أن يخطئ ولكن الرضا يكون السبب في السماح والغفران والتنازل وهنا تحدث السعادة والقناعة.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات حول الرضا والقناعة في الحياة الزوجية على خبراء العلاقات الزوجية وحل المشكلات والعلاج الزواجي وسألتهم عن أسباب قلة الرضا بين الأزواج والزوجات الجدد، وكيف يحدث الرضا؟
إظهار مشاعر عدم الرضا والتقليل من الآخر أمام الأولاد والأهل
تؤكد الدكتورة داليا عزام، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية والزوجية بجامعة عين شمس بالقاهرة، أن أسعد البيوت هي بالفعل التي تقوم على القناعة والرضا، فالبيت الذي يملؤه الرضا يخلو من المشكلات بشكل كبير. وتقول «أغلب الدراسات الاجتماعية والنفسية أثبتت أن السبب الأول والأساسي في فساد البيوت وفشل الزيجات هو عدم الرضا وعدم القناعة وكفران العشير. فلا بد أن يظلل بيوتنا الرضا والواقعية فكثير من الأسر انفرط عقدها بسبب عدم الرضا والتطلع لما يتمتع به الغير، ويكفي أن نعلم أن أكثر من 20 % من حالات الطلاق التي وقعت في العالم العربي خلال السنوات الثلاثة الماضية بسبب عدم رضا أطراف الأسرة بحالتهم الواقعية وضيق ذات اليد رغم أن هذا الأمر يتنافى مع الشرائع السماوية والأخلاق التي تربينا عليها».
وتلفت الدكتورة داليا عزام أن مشاعر عدم الرضا عندما تنتاب أحد الطرفين تشعر الطرف الآخر بتدني مكانته عند شريكه ويخلق جواً أسرياً غير صحي يسود فيه الشجار المستمر خاصة إذا استشعر الطرف الذي يشعر بعدم رضا الطرف الآخر عنه أن ذلك معلوم للآخرين من الأهل والأبناء والأصدقاء مما يترتب عليه حالة من الصراع الدائم بين الطرفين. مؤكدة أن غياب الرضا يجعل المودة والرحمة بينهما تذهب دون رجعة وتختفي مشاعر الوفاء والعشرة الطيبة بينهما ويصبح عش الزوجية مهدداً بالانهيار.
وتنصح استشارية العلاقات الزوجية بالسيطرة على مشاعر النقمة وعدم الرضا عن الطرف الآخر مبكراً وعدم إظهار هذه المشاعر مطلقاً للطرف الآخر خاصة في وقت الغضب، وتؤكد أنه يجب على الزوجين أن يتفقا في البداية على عدم المقارنة بالآخرين لأنها هي التي تفتح باب السخط وعدم الرضا «أسوأ ما يرتكبه زوج أو زوجة في حق الطرف الآخر هو إظهار مشاعر عدم الرضا والتقليل من الآخر أمام الأولاد والأهل والتسفيه من آرائهم واتهامهم بالتقصير».
المثالية في التوقعات
يتفق معها الدكتور أشرف ثابت، أستاذ الأمراض النفسية والخبير في تعديل سلوك الأزواج والزوجات، في أن الأهل يقع على عاتقهم دور كبير في تعليم أبنائهم الرضا بشريك الحياة بتفاصيل الحياة الزوجية، فقد تكون نظرة الشاب أو الفتاة لزوج المستقبل مثالية عن زوج المستقبل أو شريكة الحياة ويفاجأ بعد الزواج بأنه شخص عادي به مميزات وعيوب أيضا فيبدأ في فقدان الرضا بالشريك، ويوضح «المثالية في التوقعات تجعلنا نصاب بصدمة عن حدوث أول خلاف وتتكون لديهم حالة من عدم الرضا».
ويؤكد الدكتور أشرف ثابت أن من أكثر الأمور التي تسبب حدوث مشكلات زوجية هو افتقار العلاقة بين الزوجين للرضا والقناعة المطلوبة، «يجب أن يتبادل الطرفان الاحترام والتفاهم والرضا ويتعاهدا على ذلك ويجاهدا أنفسهما على ضبط النفس عند الخلاف. ولابد أن يدرك الطرفان أن السخط على الحياة الزوجية له أثر سلبي في الحياة الزوجية واستمرارها وعلى الزوجين عدم التعالي على الطرف الآخر سواء بالنسب أو المال أو الجمال أو الثقافة لأن التعالي يسبب الكثير من المشاكل الزوجية ويزيد من تفاقمها».
مواقع التواصل الاجتماعي التي تحرض الفتيات والشباب على التمرد وعدم الرضا عن حياتهم
ويحذر استشاري الطب النفسي من الصفحات والمواقع المشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة «فيسبوك» التي تحرض الفتيات والشباب على التمرد وعدم الرضا عن حياتهم، والأمر لم يعد يقف عند المتزوجين الجدد بل طال أيضا الأزواج والزوجات القدامى الذين قضوا سنوات طويلة من حياتهم في رضا تام قبل دعوات التمرد ونصائح التخريب.
ويوجه الدكتور أشرف ثابت اللوم الشديد للأسر التي تنشر فيه صوراً توثق أحداثها السعيدة وهدايا الأزواج لبعضهم البعض على الملأ لأن ذكر هذه الأمور على المشاع يفسد حياتنا وحياة أسر أخرى بسبب الغيرة وعدم الرضا والمقارنات التي لا تنتهي خاصة بين الزوجات.
بعض الأزواج يقارنون زوجاتهم بنساء أخريات من حيث العلم والوظيفة والجمال
من جانبه يرى الدكتور محمد إدريس، استشاري الطب النفسي والسلوكي بالقاهرة، أن مشكلة عدم وجود رضا في الحياة الزوجية تحدث بسبب المقارنات، فبعض الأزواج يقارنون زوجاتهم بنساء أخريات من حيث العلم والوظيفة والجمال والقوام وغيره فيبدأ تدريجياً في انخفاض رضاه عن شريكته ويقل قبوله لها، ونفس الوضع بالنسبة للمرأة التي تقارن زوجها بغيره فتصبح غير راضية وساخطة على زوجها وعلاقتها به، وهنا يبدأ الزوج أوالزوجة يتغافلان عن المميزات التي اختار شريكه بناء عليها ولا يفكر سوى في العيوب والمنغصات وبالتالي لا يفوت أحدهما للآخر أي هفوة أو خطأ يرتكبه بل إنه يركز على السلبيات حتى وإن كانت قليلة وغير مؤثرة.
ويقول «إن مجرد وجود علاقة حب ورغبة في العيش المشترك بين الزوجين لا يضمن لهما السعادة والتفاهم واستمرارية الحياة الزوجية ولكن الأمر يحتاج إلى رضا مشترك بينهما لكي تكتمل السعادة وهذا الرضا لن يحدث بدون وجود تعاون ومشاركة بينهما لكي يشعرا بالعدل وأنهما ينصهران في كيان واحد مشترك».
ويضيف «فعندما تحدث مشكلة بين الزوجين يجب أن يراعى كل منهما التسامح والتعاطف والصبر على إيذاء الطرف الآخر، ولكن يظل كل هذا مرهوناً بمقدار الرضا الموجود بينهما سواء على مستوى تعاملاتهما الشخصية أو أمام الأبناء والمقربين منهما».