عندما سئل عن سبب عدم زواجه رغم تجاوزه الثلاثين كان رده أنه لا يملك منزلاً ولا سيارة ولا مشروعاً تجارياً يغري أية امرأة قد يرغب أن يتزوجها بالقبول، رغم أن والده تزوج بعد أن بلغ السابعة عشرة وظل مقيماً في منزل والده مدة طويلة.
وقال بأن الفرق بين الزواج في الماضي واليوم، أنه كان يبدأ بتكوين أسرة فور الارتباط بشريكة تساند زوجها في بناء مستقبله وعائلته، وكانت القدرة العقلية للزوج والعاطفية للزوجة هما الأهم في اتخاذ قرار العيش معاً والمشاركة.
ومع مرور الأزمنة وتطور المجتمع أصبح الزواج أشبه بمشروع توضع له الخطط والدراسات وأقرب إلى مفاضلة بين من يستطيع توفير محل إقامة أفضل شاملاً مستلزمات الحياة العصرية ليغري الزوجة وأهلها على اتخاذ قرار القبول بهذا الزواج ومن ثم سيأتي التفكير في تكوين أسرة.
ثم تطورت الحياة وتبدلت أثوابها مع تطور الزمن ومتغيراته، ولم يعد الكسب يعني ممارسة المهن والأعمال الحرة، وبات من الصعب على الشباب الحصول على عمل في زمن التعليم إن لم يكونوا متعلمين، فقد انتفض العالم على مسارات الحرف والمهن الحرة واليدوية بعد دخول المستقبل قبو التعليم والشهادات التخصصية في مجالات الأعمال الإدارية والعلمية، ولم يعد بمقدور صاحب الحرفة توفير ما يكسبه المحاسب أو المدير في شركة تجارية، فأضيف التعليم إلى الخطط التي تسبق التفكير بالزواج، وأصبحت شهادة التخرج جزءاً لا يتجزأ من التجهيزات التي تسبقه.
وانخرط الشباب في التعليم حتى تجاوزوا السن التي كانت تسهل على آبائهم إقناعهم بالزواج من أجل بناء أسرة، ولم تعد المرأة بالنسبة إليهم شريكاً داعماً بقدر ما هي عائق أمام حريتهم المكتسبة على مر عقود، وأصبح الزواج الذي كان يعني العصمة من كل خطأ، خطأ يرفضه الشباب ويجتنبونه ويشتكون من جبروته، وألقى الآباء اللوم على الجيل الجديد، لأنه تخلى عن كل القيم التي كانت تصنع معنى للزواج، واحتضن الوهم غير مدرك للهاوية التي يسارع نحوها بعيون معصوبة عن الحقيقة.
وآمن الآباء بأن اختفاء محاسن الحياة وقلة التمسك بالقيم سببه تصرفات الجيل الجديد المسرف في التفكير بالرفاهية والمتبسط في التبذير في الأخلاق وكأنه لا يمتلك العاطفة ولا يتألم من صعوبات تفرضها الحياة عليه ولا يحترق بنيرانها. ولام الأبناء آباءهم بسبب عدم قدرتهم على فهم ما يحدث لهم وكيف أصبحت الحياة التي يعيشونها أشد قسوة عليهم من حياة من سبقهم من الأجيال في الماضي. لقد كانت بكل ما فيها من شقاء وتعب، أقل تعقيداً وأكثر قدرة على احتواء البشر وتأمين مستقبلهم بأبسط الأشياء وعلى العكس منها اليوم، فالجيل الجديد يعاني صراعاً أشد قسوة وحرباً اجتماعية غامضة تزيد من آلام البشر، وتتمثل في التغييرات التي أدخلت على حياة الإنسان، وأجبرته على التخلي عن البساطة والتلقائية قسراً.
لم يعد جيل اليوم يمتلك زمام نفسه كما كان الآباء في الماضي، وبات الغموض ستارة كبرى تحجب عنه رؤية المستقبل، فمع كثرة الخطط والمشاريع والمزيد من النصح والتوجيه، لعبت الحيرة دور الشقاء وأخضعت الجيل الجديد لحياة لو كان بيده لما اختارها ولا حتى تمنى ذلك.