يقوم الطب الصيني التقليدي على مبدأ أساسي: أجسامنا ترتبط ارتباطاً مباشراً بعقولنا ومشاعرنا. والتوازن ضروري بينها كي نحافظ على صحتنا العامة.
وفقاً للطب الصيني، لا تؤدي أعضاء الجسم وظائفها الفيزيولوجية المعروفة فحسب، فهي ترتبط ارتباطاً مباشراً ووثيقاً بمشاعرنا. وكل واحد من المشاعر الأساسية الخمسة يرتبط بعضو واحد، أو أكثر؛ فعلى سبيل المثال، هناك علاقة بين الكبد ومشاعر الغضب، وعلاقة بين الشعور بالفرح وصحة القلب، وتتأثر الرئتان بالحزن، أما الكليتان فالخوف عدوّهما، والتوتر والقلق يقفان للمعدة والطحال بالمرصاد.
قد نشعر بالحزن، أو الغضب، أو الخوف، ونحن لا نعلم أن هذه المشاعر ليست مجرد أحاسيس تمرّ، وتنتهي بزوال المسبب، فالأمر أكثر تعقيداً ممّا نظن. إذ قبل الغضب قد يعترينا إحساس بالإحباط والاستياء، وقد تكون نشوة الفرح كبيرة إلى درجة يحدث معها خلل في القلب!
وما يثير الدهشة أن الأعضاء والمشاعر تعمل وفق سيمفونية تتناغم فيها الوظائف بشكل عجيب، فكما لكل شعور عضو يتأثر فيه مباشرة، يؤدي أيّ اضطراب في هذا العضو إلى تغير واضح في المزاج، ضمن معادلة عكسية.
وعلى الرغم من قوة هذه العلاقة، فإن كثيراً من الناس لا يلاحظونها، إلا في حالات نادرة، كما يحدث عند الشعور بالخوف الشديد، أو الهلع مثلاً، فيحدث تبوّل لا إرادي .
عندما نتحدث عن إدارة العواطف ، فإننا ندرك حتماً أن الخوف، والغضب، والحزن، مثلاً، مشاعر مفيدة لحمايتنا وحماية وجودنا، أو حتى للتأقلم مع فترات الحزن التي قد نمرّ بها.
وفي جميع الأحوال، كل ردّ فعل لعواطفنا يكون في مصلحتنا، ما دام عابراً، ويحقق غايته. أما عندما يطول رد الفعل، أو عندما يكون مفرطاً، أو حتى عندما لا يظهر أبداً، ونصاب بالبرود، فإنه يجب أن نعلم أن هناك مشكلة ما.
عندما نصبح سجناء عواطفنا، ولا نستطيع إيجاد حل لمشكلاتنا، وعندما نصاب بالعجز ونشعر بأننا مقيدون في دائرة المشاعر السلبية، مثل عدم قدرتنا على نسيان الحزن الذي يسببه الفقد، أو عند الاستمرار في الخوف من الفقر بسبب خسارة وظيفة، نتحدث حينها عن عواطف مرضية قد تؤثر في الصحة لسنوات طويلة.
لكبت المشاعر وعدم الإفصاح عنها تأثير كبير في الصحة. فالإحباط الداخلي، وما ينتج عنه من حاجة لا تُلبّى في وقتها يؤدي في الواقع إلى ركود المشاعر. وعندما تصبح مكبوتة ولا يستطيع الشخص التعبير عنها ، تتربّص بالجسم فتهاجمه في النهاية، وتستوطن في أعضائه، فنُصاب حينئذ باضطراب فيزيولوجي حقيقي، خطرٍ أحياناً. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قد يسبب الاكتئاب أمراضاً مناعية ذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي.
يشكل تأثير الأعضاء المريضة في الحالة النفسية الجانب الأكثر أهمية في العلاقة بين الجسم والعقل. فالأعضاء المريضة يمكن أن تُسبب اضطرابات نفسية أيضاً. فاختلال التوازن في الكبد مثلاً، قد يظهر على شكل انفعال، ونوبات غضب.
ما الأسباب التي قد تؤدي إلى هذه النتيجة؟
1- خلل في النظام الغذائي:
في كثير من الأحيان، يكون النظام الغذائي غير المتوازن سبباً جذرياً في اضطراب الأعضاء في الجسم. لذا، ولأجل التمتع بصحة جيدة، من الضروري تناول أطعمة تُلبّي احتياجاتنا الخاصة، بما يتوافق مع طبيعتنا ومزاجنا، إذ يمكن أن يُساعد تغيير النظام الغذائي على الحفاظ على توازن العقل والجسم، أو على استعادة هذا التوازن.
2- التغيرات الموسمية:
الارتباط بين الأعضاء والمشاعر ليس الشيء الوحيد الهام في حدوث التوازن في الصحة، فأجسامنا تتفاعل أيضاً مع البيئة الخارجية، وهي حساسة بشكل خاص لتغيّرات الفصول، ففي الفترة الانتقالية مثلا بين الصيف والخريف، تُظهر أجسامنا ردود فعل صحية كثيرة. فتغير الفصول غالباً ما يرتبط بعمل الطحال والمعدة، والتغيّرات في درجة الحرارة الفصلية قد تؤثر في حالتنا النفسية، وفي التعقل في ردود الأفعال.
3- القلق والتوتر:
من ناحية أخرى، يؤدي القلق والتوتر الناتجان عن العودة إلى العمل، أو إلى المدرسة بعد الإجازة، مثلاً، إلى ظهور بعض الأعراض المرتبطة بالمعدة والطحال، فهل ننتبه لذلك؟ نعم، فالقلق، قد يُسبب مشكلات هضمية من بينها الانتفاخ.
نصائح قيّمة:
لتحضير الجسم للتغيرات الفصلية والتكيف معها من دون مشكلات، كما يحدث عند الانتقال من الصيف إلى الخريف، يمكن التقليل تدريجياً من المأكولات الباردة كالمثلجات التي نكثر منها عادة في فصل الصيف. كما يمكن اختيار الأطعمة الدافئة وتناول المكملات الغذائية.
وكما لاحظنا، يُركز الطب الصيني على جوانب غالبا ما نغفلها، كتغير المواسم، وتقلب المزاج، وحتى إنه يركز أحياناً على نكهات الطعام (حارة أو باردة). ولا يركز على الأعراض الجسدية فقط، كما يفعل الطب التقليدي. لذا قد يكون وراء اضطراباتنا العاطفية أحياناً أسباب كامنة في أجسامنا، أو في أطباقنا المفضلة بكل بساطة!