05 نوفمبر 2025

دراسة فحصت مئات آلاف الأطفال يعانون اضطرابات النمو... ماذا وجدت؟

محررة ومترجمة متعاونة

مجلة كل الأسرة

دراسة حديثة قام العلماء فيها بتقييم 267,000 طفل يعانون اضطرابات في النمو، سلطت الضوء على الحاجة إلى التدخل المبكر والدعم، للأطفال الذين يعانون اضطرابات عصبية نمائية متعدّدة.

تُسلّط الدراسة الجديدة الضوء على جانب بالغ الأهمية من جوانب صحة الطفل، وإن كان خفياً في كثير من الأحيان، ألا وهو تأثير التعايش مع حالتين، أو أكثر، من اضطرابات النمو العصبي في الصحة النفسية.

وجد العلماء أن الأطفال الذين يعانون اضطرابات عصبية نمائية متعدّدة ـ مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، والتوحد، وصعوبات التعلم، وتأخر النمو، واضطرابات النطق، والشلل الدماغي، والصرع، ومتلازمة توريت، والمشكلات السلوكية - أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، والقلق.

ويشير الخبراء إلى أن لهذه الدراسة آثاراً هامّة في الخدمات الصحية والتخطيط، فهي تُشدّد على أهمية الرعاية المبكرة والمتكاملة، حيث تعمل خدمات النمو العصبي والتعليم والصحة النفسية معاً، بدلاً من العمل بشكل منفصل.

ويقول هؤلاء الخبراء إن العالم يشهد ازدياداً في عدد الأطفال الذين يعانون اضطرابات متعدّدة. ويتم تشخيص المزيد من الأطفال بحالتين، أو أكثر، من اضطرابات النمو العصبي. وفي الوقت نفسه، تزداد مشكلات الصحة النفسية، كالاكتئاب والقلق، شيوعاً بين الأطفال والشباب حول العالم. إذ يعاني نحو 9% منهم اضطراباً في الصحة النفسية. ومع ذلك، لم تكن هناك معلومات كافية عن مدى تكرار حدوث هذه الصعوبات العاطفية لدى الأطفال الذين يعانون حالات نمو عصبي متعدّدة، وما إذا كان الخطر يزداد مع تزايد عدد هذه الحالات.

لذا، يمكن أن يساعد فهم هذه الأنماط المتخصصين في مجال الصحة والمدارس وصانعي السياسات، على تحديد الأطفال الأكثر عرضة للخطر، وتقديم الدعم المبكر والمتكامل.

مجلة كل الأسرة

ماذا فعل العلماء في هذه الدراسة؟

حلل العلماء بيانات من المسح الوطني لصحة الأطفال، وهو مسح واسع النطاق على المستوى الوطني في الولايات المتحدة. جمع هذا المسح معلومات من الآباء، أو مقدمي الرعاية، حول الصحة البدنية والنفسية لأطفالهم، ونموهم، وظروفهم الأسرية.

جمعوا البيانات من عام 2016 إلى عام 2023، والتي شملت أكثر من 267,000 طفل، تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات، و17 عاماً. وسُئل الآباء عما إذا كان أطفالهم قد شُخِّصوا سابقاً بأيّ من الحالات العشر المتعلقة بالنمو العصبي.

صنف العلماء الأطفال وفقاً لعدد حالات النمو العصبي، إلى خمس مجموعات: عدم وجود حالات نمو عصبي متعدّدة (لا يوجد سوى حالة واحدة)، وحالتان، وثلاث، وأربع، وخمس حالات نمو عصبي، أو أكثر.

أبلغ الآباء أيضاً عما إذا كان أطفالهم قد شُخِّصوا سابقاً بالاكتئاب، أو القلق، وإذا كان الأمر كذلك فما مدى شدتها (خفيفة، متوسطة، أو شديدة)، ثم بحث العلماء في كيفية ارتباط عدد حالات النمو العصبي باحتمالية الإصابة بالاكتئاب أو القلق.

وكانت نتائجهم واضحة ومتسقة. كلما زادت حالات النمو العصبي لدى الطفل، زاد خطر إصابته بالاكتئاب والقلق.

وبالمقارنة مع الأطفال الذين لا يعانون حالات نمو عصبي متعدّدة، كان الأطفال المصابون بحالتين من هذه الحالات أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنحو 4.7 مرة، وأكثر عرضة للإصابة بالقلق بنحو 5.8 مرة.

وكان الأطفال المصابون بخمس حالات نمو عصبي، أو أكثر، أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنحو 5.3 مرة، وأكثر عرضة للإصابة بالقلق بنحو 12.9 مرة.

كما زادت حدة مشكلات الصحة النفسية بشكل كبير. وكان الأطفال الذين يعانون حالات نمو عصبي متعدّدة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الشديد، أو القلق، مقارنة بالحالات الخفيفة.

وظل هذا النمط قائماً، بعد مراعاة العمر، والجنس، والعِرق، وبلد الميلاد، واستخدام الخدمات الصحية، وأمراض القلب، والسكّري، والحساسية، والربو، والتهاب المفاصل، ومؤشر كتلة الجسم، والتمارين البدنية، وتجارب الطفولة السيئة، ودخل الأسرة، وهيكلها، وتغطية التأمين الصحي، ومستوى تعليم الوالدين.

مجلة كل الأسرة

كيف تنطبق هذه الدراسة على الأطفال في العالم؟

تواجه الأنظمة الصحية حول العالم أعداداً متزايدة من الأطفال الذين يعانون حالات نمو عصبي متعدّدة. لذلك، من الضروري إدراك أن هؤلاء الأطفال ليسوا أقلية صغيرة، بل يمثلون مجموعة كبيرة ومتنامية، تحتاج إلى رعاية مدروسة، ومنسّقة.

وعلى الرغم من أن هذه الدراسة استخدمت بيانات أمريكية، إلا أن نتائجها تحمل دروساً هامة لدول العالم، وهذا يشمل الدول المتقدمة.

تُعد حالات النمو العصبي شائعة عالمياً. ومع ذلك، ركزت معظم الدراسات على الأطفال الذين يعانون حالة نمو عصبي واحدة، بدلاً من أولئك الذين يعانون حالات متعددة. ولم تتناول سوى دراسات قليلة ما يحدث عندما يُصاب طفل بحالتين، أو أكثر، من حالات النمو العصبي، في آنٍ واحد. وفي حال حدوث ذلك، غالباً ما كانت أحجام العيّنات صغيرة.

مجلة كل الأسرة

ما هي الآثار المترتبة على إصابة الطفل بحالتين أو أكثر من حالات النمو العصبي؟

من خلال إظهار أن خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق يرتفع بشكل حاد مع ازدياد عدد حالات النمو العصبي، تُسلط نتائج الدراسة الجديدة الضوء على مجال يمكن للبحوث والسياسات استكشافها بشكل أعمق. فمع تزايد عدد الأطفال الذين يُشخصون بحالات النمو العصبي، يُعد فهم كيفية تفاعل هذه الحالات وتفاقم مخاطر الصحة النفسية أمراً بالغ الأهمية.

ويشير عمل الباحثين إلى أن الدراسات المستقبلية وبرامج صحة الطفل ينبغي أن تتجاوز الحالات الفردية، وأن تأخذ في الاعتبار التأثير الجماعي لحالات النمو العصبي المتعدّدة في الصحة النفسية للأطفال، إلى جانب الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والقدرة على الوصول إلى الخدمات. إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين الفحص، والتدخل المبكر، وتنسيق أفضل لرعاية الأطفال والأسر، عبر كل من النظامين، الصحي والتعليمي.

توصيات هامة

بناء على نتائج الدراسة، هناك حاجة إلى إجراءات عدّة على مستويات مختلفة:

  • ينبغي على مختصي الرعاية الصحية فحص الأطفال الذين يعانون حالات نمو عصبي متعدّدة، بشكل دوري، للكشف عن القلق والاكتئاب. وحتى لو كان التشخيص الرئيسي للطفل هو النمو العصبي، فلا ينبغي إغفال احتياجات الصحة النفسية. وعادة، يحتاج الآباء أيضاً إلى الدعم.
  • المدارس والمعلمون بحاجة إلى التدريب والموارد اللازمة للتعرّف إلى المشكلات العاطفية لدى الطلاب الذين يعانون تحدّيات النمو العصبي، وربط الأسر بخدمات الدعم.
  • ينبغي تشجيع الآباء ومقدمي الرعاية على مناقشة الصحة النفسية مع مقدمي الرعاية الصحية، وطلب المساعدة مبكراً إذا أظهر طفلهم علامات القلق، أو الحزن، أو الانطواء.
  • ينبغي على الباحثين إجراء دراسات طويلة الأمد لاستكشاف أسباب حدوث هذه الحالات معاً، في كثير من الأحيان، وتحديد التدخلات المبكرة الأنسب للوقاية من مشكلات الصحة النفسية لاحقاً.
  • ينبغي على البرامج الرسمية تمويل وتعزيز برامج متكاملة للنمو العصبي والصحة النفسية للأطفال. على سبيل المثال، يمكن أن تشمل هذه البرامج الاستشارات المدرسية؛ وعيادات رعاية متعدّدة التخصصات، تقدم تقييمات مشتركة من قِبل أطباء الأطفال، وعلماء النفس، وأخصائيي النطق، أو العلاج المهني؛ وشبكات دعم أسري تقدم تدريباً للآباء، ومجموعات دعم الأقران.

ومن دون الكشف المبكر والتدخل والدعم، قد يواجه هؤلاء الأطفال صعوبات مستمرة في المدرسة، وعزلة اجتماعية، ومشكلات صحية نفسية طويلة الأمد، حتى مرحلة البلوغ.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين التوحّد واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة؟