21 أكتوبر 2025

أكتوبر... شهر التوعية بالصحة النفسية وإعادة التوازن بين الجسد والعقل

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في أكتوبر، تتجه الأنظار، عالمياً، إلى الصحة النفسية، ليس بوصفها فرعاً طبياً فقط، بل كركيزة أساسية لحياة متوازنة وسليمة. فالعقل السليم لا ينفصل عن الجسد السليم، والاهتمام بالنفس لم يعُد رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على الاتزان الداخلي، في زمن تتسارع فيه الضغوطات، وتتعقّد فيه المشاعر.

مجلة كل الأسرة

في هذا السياق، يبرز الطب النفسي التواصلي بوصفه تخصصاً فريداً يجمع بين الطب الجسدي والنفسي، ويُعيد تعريف العلاقة بين المرض والمشاعر. وتحدثنا الدكتورة هيا النعيمي، المتخصصة في هذا المجال، قائلة «يُعد الطب النفسي، التواصلي أو الجسدي، فرعاً دقيقاً يهدف إلى سد الفجوة بين الرعاية الصحية النفسية والجسدية، ويُعنى بتقييم وعلاج المرضى الذين يعانون مشكلات طبية ونفسية، في آن واحد. فبدلاً من التعامل مع الجسد بمعزل عن النفس، يقوم هذا التخصص على نموذج رعاية تعاوني، يُسهم في تحسين نتائج العلاج، وتقليل مدة الإقامة في المستشفى، وعلى الرغم من أهمية التخصص إلا أن من أبرز التحدّيات التي تواجهه هو رفض المرضى الاعتراف بجذورهم النفسية، وربطها بالأعراض الجسدية التي يعانونها، فالكثير منهم يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، أو في تقبّل فكرة أن الألم قد يكون انعكاساً لمعاناة داخلية، هذا الإنكار يتطلب من الطبيب نهجاً متفهماً وتعاطفياً، يعتمد على الحوار الهادئ والمقابلات التحفيزية، مع إشراك فريق متعدّد التخصصات لتشجيع المريض على التقبّل التدريجي من دون ضغط أو مقاومة».

مجلة كل الأسرة

العائلة بين الدعم والضغط المجتمعي

تشير الدكتورة هيا النعيمي إلى أهمية الدور الذي تلعبه الأسرة في هذه الحالة «يمنح الدعم الأسري راحة وثقة للمريض تسهمان في التزامه بالعلاج، لكن في المقابل، قد تكون العائلة في بعض الأحيان عائقاً إذا ما فسّرت الحالة النفسية تفسيراً روحانياً، أو قللت من شأنها. فعندما لا تؤمن العائلة بأن المشكلة نفسية، فإنها تُضعف فرص الشفاء، وقد تدفع المريض نحو مزيد من المعاناة. فضلاً عن وصمة العار تجاه الطب النفسي التي لا تزال تشكّل حاجزاً في المجتمعات العربية، حيث إن هناك نحو 60% من البالغين الذين يعانون اضطرابات نفسية لا يتلقون العلاج بسبب الخوف من النظرة السلبية، أو تأثير التشخيص في مكانتهم، الاجتماعية والوظيفية، في حين يؤدي التفاعل الإيجابي والتعاطف مع المصابين إلى التخفيف من هذه الوصمة، فكل كلمة دعم تفتح باباً للشفاء، وكل نظرة تفهّم قد تنقذ حياة».

مجلة كل الأسرة

وبسؤالها عن مدى احتياج الطبيب النفسي هو نفسه في بعض الأوقات إلى علاج، أو جلسات دعم مستمرة للحفاظ على تواصله، تجيب د. هيا النعيمي، قائلة «من الهام لأيّ طبيب نفسي ومعالج أن يُعطي الأولوية لصحته النفسية، وأن يتأكد من اتّباعه أساليب صحية لإدارة ضغوطاته، وقد يشمل ذلك تمارين اليقظة الذهنية، ومراجعة الذات، مع مشرف أو مرشد. فالتحدث مع الزملاء، والتواصل مع المعالجين الآخرين، وإيجاد نظام دعم فعال، كلها أمور تُساعد على بناء علاقات داعمة توفر منفذاً للمحادثات الصعبة التي قد تصعب مناقشتها بطرق أخرى، وقبل كل شيء، ينبغي على المعالجين النفسيين تخصيص وقت منتظم، يومياً، للتأمل والاسترخاء، فأنا أوجد وقتاً لممارسة هواياتي المفضلة، منها ما هو مرتبط بالفنون الجميلة، والسفر، وشغف اكتشاف الثقافات المختلفة، فوضع حدود فاصلة بين العمل والحياة الشخصية، وعدم طغيان جانب على الآخر يساعدني على ممارسة حياتي على أكمل وجه، ما يسهم في تمكين الطبيب النفسي من تقديم رعاية شاملة، قدر الإمكان، للمرضى، مع الحرص على سلامته الشخصية في الوقت ذاته».

 شهر أكتوبر... تذكير بأن الكلمة دواء

في ختام حديثها، تلخص الدكتورة هيا النعيمي ما تعلمته من مرضاها «يذكّرنا شهر أكتوبر بأن الصحة النفسية ليست قضية فردية، بل مسؤولية مجتمعية، وأن دعم المرضى النفسيين لا يكون بالعلاج فقط، بل بالقبول، واللطف، والوعي، فحين نمنح النفس ما تستحقه من اهتمام، نُعيد للعقل توازنه، وحقه في أن يحيا بطريقة صحية. فالكلمة تملك قوة هائلة، قد تبني إنساناً، أو تهدمه، فلنكن لطفاء، لأن الكلمة القاسية قد تترك ندبتها مدى الحياة».