أحدها الاكتئاب... أسباب كثيرة وراء آلام الظهر المزمنة

شخص من أصل ثلاثة في العالم، يشكون آلام أسفل الظهر المزمنة، وقد غدت هذه الآلام بالنسبة إلى البعض اعتيادية لدرجة أنهم يشعرون بأنها عارض، طبيعي وبسيط، يجب التأقلم معه، ومزاولة الأعمال اليومية كأنه لم يكن. وقد يلجأ البعض الآخر إلى المسكّنات والأدوية العادية التي تصبح أيضاً عادة يومية.
لكنَّ دراسة برازيلية حديثة أجريت، أخيراً، قد تغيّر مفاهيم كثيرة عن آلام أسفل الظهر، كما قد تغير وجه العلاج كلياً، فالدراسة تفيد بأن آلام الظهر قد تخفي مشكلات صحية، جادة ومزمنة، لا علاقة لها بالظهر، ولا بالعظام والفقرات، أو أي شيء من هذا القبيل.

شكوى منتشرة في العالم
قد تكون أنت من يستيقظ صباحاً سانداً ظهره بيده خوفاً من تلك الموجة من الألم التي تجتاح بدنه، وقد تعزو الأمر إلى وضعية نوم غير سليمة، أو إلى إرهاق أصابك في اليوم السابق.
أنت، وغيرك، وملايين الناس حول العالم، يفكرون بهذه الطريقة، ويعتمدون على العلاجات البسيطة، أو التفسيرات غير الواضحة، فهذا الألم الذي أصبح شائعاً ومعتاداً، قد يحدث في أي مرحلة من مراحل العمر لدى البالغين، وقد يمتد لفترات طويلة، فيخضع المريض للعلاج لدى الأطباء، وقد يحدث أن يلجأ مع شدة الألم إلى العمليات الجراحية. لكن بعض آلام أسفل الظهر قد تصبح مزمنة لتصحب المريض مدى العمر، وقد تزداد يوماً وتخف يوماً، لكنها تبقى مستعصية على كل أنواع العلاج الدوائية والطبيعية. لماذا؟ هذا ما تفسّره الدراسة.
مشكلات صحية مترابطة
قد نظن أن التقدم في العمر هو المسؤول، أو قد نظن أن العمل على الأجهزة الذكية والجلوس لفترات طويلة هو الذي يسبب هذه الأوجاع، وقد نوجّه أصابع الاتهام إلى قلة الحركة، أو إلى الرياضات العنيفة. لكن الدراسة الحديثة التي نُشرت في المجلة البرازيلية للعلاج الطبيعي، كشفت عن حقيقة مثيرة للقلق، ألا وهي أن ما يقرب من ثلثي الذين يعانون آلام الظهر المزمنة لديهم حالة مرضية مزمنة، أو أكثر، لا علاقة لها بالعمود الفقري، ولا بالعضلات القطنية. فقد أظهر تحليل أُجري على ما يقرب من 88,000 شخص بالغ، أن آلام الظهر المزمنة نادراً ما تكون منفردة. وقد تبين أن 62% من بين 21.6% ممن يشكون آلام الظهر المزمنة، لديهم حالة مرضية مزمنة أخرى واحدة، على الأقل. فما هي الأمراض المزمنة التي تصاحب آلام الظهر؟
أكثر الأسباب شيوعاً
1- أمراض القلب: فقد تبين أن أكثر من 40% ممن يعانون آلام الظهر لديهم مشكلات تتعلق بالقلب والشرايين.
2- التهاب المفاصل أو الروماتيزم: واحد من أصل خمسة ممن يعانون آلام الظهر مصابون أيضا بالتهاب المفاصل، أو الروماتيزم.
3- الاكتئاب: تزداد الشكوى من آلام الظهر لدى المصابين بالاكتئاب بمعدل ثلاثة أضعاف تقريباً، عن أولئك الذين ليس لديهم أعراض الاكتئاب.
بعبارة أخرى، يمكن أن يكون ألم الظهر المستمر علامة على خلل في الصحة العامة، يتجاوز بكثير مجرّد وجود مشكلة في الهيكل العظمي أو العضلات.
النساء وكبار السن يدفعون الثمن
سلطت الدراسة أيضاً الضوء على العلاقة بين آلام أسفل الظهر وأسباب أخرى منها:
الجنس: فالنساء أكثر عرضة لآلم الظهر من الرجال، وهن يشكلن الأغلبية العظمى من الحالات التي يترافق فيها ألم الظهر مع الاكتئاب، والتهاب المفاصل.
السّن: كبار السّن أكثر تأثراً بآلام الظهر المرتبطة بحالات صحية أخرى، وقد تبين أنهم من الناحية البيولوجية أكبر بعشر سنوات من أولئك الذين يكون لديهم ألم الظهر مستقلاً عن الأمراض الأخرى.
كتلة الجسم: يبدو أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (BMI)، وانخفاض مستوى التعليم، يزيدان من خطر الإصابة بأمراض متعدّدة، في آنٍ واحد. وتُظهر هذه العوامل أن آلام الظهر المزمنة تُمثل أيضاً مشكلة اجتماعية، تؤثر في شرائح معيّنة من السكان بشكل أشدّ من سواهم.
عندما يسلب الألم الناس استقلاليتهم اليومية
بعيداً عن الأرقام والإحصاءات، قد تؤدي الأمراض المزمنة والمصاحبة لآلام أسفل الظهر إلى عواقب وخيمة تؤثر في حياة المرضى، بحيث تقيّدهم، وتجعل ممارستهم لأعمالهم اليومية صعبة، ومحدودة. وتتفاوت نسبة العجز حسب العارض الصحي المرافق لآلام الظهر، فمع التهاب المفاصل، يتضاعف خطر الإعاقة، ومع الاكتئاب، تبلغ النسبة ما يقارب 60%، ومع أمراض القلب، تحد الأنشطة اليومية لدى 50% من المصابين. والعلاقة بين مرضين مزمنين ليست مجرّد شعور بالألم، بل هي فقدان للاستقلالية، قد يتفاقم مع الوقت، ويؤثر بشكل كبير في جودة الحياة.

لماذا نحتاج إلى إعادة النظر في الرعاية الطبية؟
يركّز معظم الأطباء اليوم على علاج آلام أسفل الظهر كمشكلة معزولة. لكن، وكما بيّنت الدراسة، فإن هذا النهج لا يقدم النتيجة المرجوة التي يتمناها المريض والطبيب، معاً. ولأن معظم آلام الظهر المزمنة ترتبط بأمراض أخرى، لذا ينجح العلاج مع البعض، ويخفق مع البعض الآخر.
وعلى الرغم من أن الدراسة أُجريت في البرازيل، فقد قارن الباحثون بين نتائجها وتلك التي أجريت في ألمانيا، وأستراليا، والولايات المتحدة. ففي كل مكان، تتشابه الاستنتاجات؛ ألم الظهر المزمن جزء من مجموعة من المشكلات الصحية، المزمنة والمترابطة. وقد يكون هذا الألم من أولى علامات التحذير من مشكلات صحية أكثر خطراً، تتطلب إشرافاً صحياً شاملاً، وعلاجاً مدروساً.