22 سبتمبر 2025

المعدن الذي قد يحمي من مرض الزهايمر

محررة ومترجمة متعاونة

مجلة كل الأسرة

على مدار ما يقرب من عقد من الزمان، كشف علماء من جامعة هارفارد أهمية الليثيوم غير المتوقعة في الدماغ.

يُسبب مرض الزهايمر فقدان الذاكرة وتدمير الحياة. ومع ذلك، وعلى الرغم من كثرة الأبحاث، لا تزال التغيرات الدماغية المبكرة التي تُسبب هذا المرض غير واضحة، ما يُصعّب إيجاد علاجات فعالة.

ولكن هل يُمكن لليثيوم - وهو معدن معروف لدى معظمنا لاستخدامه في البطاريات أو كعلاج لاضطرابات المزاج - أن يلعب دوراً في الصحة الإدراكية؟ تُظهر أبحاث جديدة أن هذا المعدن قد يلعب دوراً رئيسياً في الحماية من مرض الزهايمر.

يرتبط مرض الزهايمر بتراكم بروتينين ضارّين: أميلويد بيتا وتاو. ويتراكم أميلويد بيتا خارج خلايا الدماغ (العصبونات)، مُشكّلاً لويحات لزجة تعيق التواصل. أما تاو، فيتشابك داخل الخلايا، مُعطلاً بنيتها ووظيفتها. ومعاً، يُلحقان الضرر بالشبكة الدقيقة من العصبونات التي تدعم الذاكرة والتفكير. لكن، منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كشف علماء من جامعة هارفارد أهمية الليثيوم غير المتوقعة في الدماغ.

يوجد الليثيوم بشكل طبيعي بكميات صغيرة في الدماغ، ويأتي هذا الليثيوم من نظامنا الغذائي، حيث ينتقل عبر مجرى الدم إلى خلايا الدماغ. لكن وجد الباحثون أنه مع انتقال الأشخاص من ضعف الإدراك الخفيف، وهي مرحلة غالباً ما تُعد علامة تحذيرية لمرض الزهايمر، إلى مرض الزهايمر الكامل، تنخفض مستويات الليثيوم لديهم.

مجلة كل الأسرة

سبب ارتباط الليثيوم بالزهايمر

يبدو أن فقدان الليثيوم هذا يُطلق سلسلة من التغييرات التي تؤدي إلى فقدان الذاكرة والارتباك.

وتساعد هذه الدراسة الحديثة الآن على تفسير سبب ارتباط فقدان الليثيوم بمرض الزهايمر. وأظهرت الدراسة أن الليثيوم يعمل كعامل دفاع طبيعي، ما يساعد على إبقاء بروتيني الأميلويد والتاو تحت السيطرة. وعندما تنخفض مستويات الليثيوم، يصبح الدماغ أكثر عرضة لهذه البروتينات السامة.

اكتشف الباحثون هذه الصلة من خلال إجراء فحوصات ما بعد الوفاة لأنسجة دماغية مأخوذة من أشخاص كانوا في مراحل مختلفة من الصحة الإدراكية. كان لدى المصابين بضعف إدراكي خفيف كمية أقل من الليثيوم في أدمغتهم مقارنة بمن يتمتعون بصحة إدراكية جيدة، وكانت المستويات أقلّ لدى مرضى الزهايمر.

ومن المثير للاهتمام، أنهم وجدوا أن الليثيوم لا يختفي فجأة، بل يُحاصر جزء كبير منه داخل لويحات الأميلويد، ما يحجبه عن خلايا الدماغ التي تحتاج إليه بشدة. هذا يعني أنه حتى لو لم تنخفض مستويات الليثيوم الإجمالية بشكل كبير، فقد تظل خلايا الدماغ محرومة من آثاره الوقائية.

ولاستكشاف ما يحدث عند غياب الليثيوم تماماً، درس العلماء الفئران، سواء كانت سليمة، أو معدّلة وراثياً، لتطوير أعراض الزهايمر. وخفضوا كمية الليثيوم الغذائية للفئران بنسبة 50% ولاحظوا النتائج.

كانت التأثيرات مذهلة. أظهرت الفئران التي قلّ فيها الليثيوم تراكماً أسرع للأميلويد والتاو، والتهاباً دماغياً أكبر، وفقداناً في الروابط بين الخلايا العصبية، وهي عوامل أساسية للتعلم والذاكرة. كما كان أداء الفئران المعدلة وراثياً أسوأ في اختبارات الذاكرة.

ويتمثل جوهر هذه العملية في إنزيم يُسمى GSK3β، وعادة ما يُبقي الليثيوم هذا الإنزيم تحت السيطرة. ولكن عندما ينخفض مستوى الليثيوم، يُصبح الإنزيم مفرط النشاط، ما يُشجع تاو على التصرف بشكل غير طبيعي، وتكوين تشابكات تُلحق الضرر بالخلايا العصبية. لذلك، يعمل هذا الإنزيم كمفتاح، يُعرّض خلايا الدماغ للمرض إذا لم يُكبح جماحه.

والخبر السّار، هو أن الدراسة لم تتوقف عند تحديد المشكلة. فقد عالج الباحثون الفئران بأوروتات الليثيوم، وهو نوع من المعدن أقلّ عرضة للالتصاق بلويحات الأميلويد. ومنع هذا العلاج التراكم الضار لأميلويد بيتا وتاو، وخفّض الالتهاب، وحافظ على الوصلات العصبية، وحسّن الذاكرة.

مجلة كل الأسرة

أهمية الليثيوم للدماغ

يُعيد هذا البحث صياغة الليثيوم على أنه أكثر من مجرّد معدن نادر منسي. يبدو أنه حارس حيوي لصحة الدماغ، إذ يحمي الخلايا العصبية، ويحافظ على الوظيفة الإدراكية طوال الحياة. وقد يكون اختلال توازن الليثيوم من أوائل الخطوات نحو الإصابة بمرض الزهايمر، حتى قبل ظهور الأعراض.

والدور الوقائي لليثيوم ليس جديداً تماماً. يُستخدم الليثيوم في الطب النفسي منذ عقود، بخاصة لعلاج الاضطراب ثنائي القطب، حيث يُحسّن المزاج. إلا أن الجرعات الطبية منه أعلى بكثير من الكميات الضئيلة الموجودة طبيعياً في الدماغ. وتُعد هذه الدراسة الأولى التي تكشف أنه حتى هذه الكميات، الضئيلة والطبيعية، تؤدي وظيفة وقائية بالغة الأهمية.

إلى جانب مرض الزهايمر، يدعم الليثيوم نمو الدماغ، ويحمي الخلايا العصبية، ويُهدّئ الالتهابات، وكلها عوامل هامة لشيخوخة صحية. ويمكن أن يكون للحفاظ على استقرار مستويات الليثيوم فوائد أوسع في الوقاية من الخرف ودعم مرونة الدماغ.

وأحد أسباب عدم ظهور الليثيوم بشكل بارز في أبحاث الزهايمر سابقاً هو بساطته. فهو لا يستهدف جزيئاً واحداً، بل يعمل كموصل كهربائي، محققاً التوازن بين عمليات دماغية متعدّدة.

اكتشاف أن نقص الليثيوم يُفاقم تلف الزهايمر يفتح آفاقاً جديدة. فعلى عكس العلاجات الحالية التي تُركز على إزالة لويحات الأميلويد، أو تشابكات تاو، يُمكن لاستبدال الليثيوم أن يُعزز دفاعات الدماغ.

ويُعد أوروتات الليثيوم واعداً بشكل خاص لأنه لا يُحاصر بالأميلويد، ويُوصل الليثيوم إلى الخلايا العصبية التي تحتاج إليه بشدّة. ولطالما استُخدمت أملاح الليثيوم بأمان في الطب، لذا قد يكون هذا النهج سهلاً ومتاحاّ لكبار السن.

ومع ذلك، لا يزال سبب انخفاض مستويات الليثيوم لدى بعض الأشخاص غير واضح. هل يعود ذلك إلى النظام الغذائي، أم إلى العوامل الوراثية، أم إلى سبب آخر؟ هل يُمكن أن تؤثر الاختلافات في المستويات الطبيعية لليثيوم في مياه الشرب حول العالم على خطر الإصابة بالزهايمر؟ هذه الألغاز تُثير تساؤلات، وتتطلب إجراء أبحاث مستقبلية.

من الهام أيضاً، ملاحظة أن جزءاً كبيراً من هذا العمل أُجري على الفئران. ولكن، في حين أن النماذج الحيوانية تُقدم رؤى قيّمة، إلا أن أدمغة البشر أكثر تعقيداً. ستكون هناك حاجة لتجارب سريرية لمعرفة ما إذا كان أوروتات الليثيوم قادراً على الوقاية من مرض الزهايمر أو إبطاء تطوره بأمان لدى البشر.

كما أننا لا نعرف، حتى الآن، كيف يُمكن للمكملات الغذائية أو النظام الغذائي، أن يؤثر في مستويات الليثيوم في الدماغ، مع مرور الوقت، أو ما إذا كان هذا العلاج عملياً.

ومع ذلك، فإن فكرة أن معدناً بسيطاً يُمكن أن يُؤخر، أو يمنع أحد أكثر الأمراض فتكا في العالم، تُعتبر مثيرة، ومُبشرة في آنٍ واحد.

اقرأ أيضاً: الزهايمر واحد منها... تعرّف إلى أنواع الخرف وأسبابها وأعراضها