26 أغسطس 2025

هل اللعب في التراب مفيد حقاً لمناعة الأطفال؟

محررة ومترجمة متعاونة

مجلة كل الأسرة

غالباً ما كنا نسمع في طفولتنا، ويتكرّر هذا القول كثيراً في وقتنا الحاضر، أن اللعب في التراب مفيد للصغار لأنه يقوّي جهازهم المناعي. ولكن هل هناك أيّ دليل يدعم هذا الادعاء؟

باختصار، نعم، إذ تشير العديد من الدراسات إلى أن التعرّض المبكر للتراب قد يقلل من خطر إصابة الأطفال بالحساسية، وأمراض المناعة الذاتية. بمعنى آخر، قد يحمي من الحالات التي يتفاعل فيها الجهاز المناعي بشكل غير مفيد مع مسببات الحساسية، أو مع أنسجة الجسم.

ويشرح الخبراء لماذا من الصحي السماح لأطفالكم باللعب في التراب من حين لآخر. وقد لا يكون ذلك للأسباب التي تفترضونها.

مجلة كل الأسرة

تدريب جيش الخلايا المناعية

فمع نمو الجهاز المناعي للطفل، في السنوات الأولى من حياته، يتعين على جيش الخلايا الواقية داخل الجسم أن يتعلم كيفية التمييز بين خلايا الجسم نفسها، والمواد الغريبة غير الضارّة، أو المسببة للأمراض، مثل البكتيريا والفيروسات. ويجب أن يتعلم كيفية اكتشاف مسببات الأمراض لمهاجمتها.

واتضح أن الإشارات الجزيئية التي تحفّز توسّع هذه الذراع التنظيمية للجهاز المناعي تأتي أساساً من ميكروبات الأمعاء، وفقاً لما يبيّنه العديد من الخبراء والأطباء. وتسمى هذه المجموعة من الميكروبات «ميكروبيوم الأمعاء»، وهي ضرورية لصحتنا. على سبيل المثال، تساعد بعض هذه الميكروبات على إنتاج الفيتامينات التي نحتاج إليها للحياة، كما تساعدنا على هضم طعامنا.

وتُعد السنة الأولى من حياة الطفل حاسمة لنمو الميكروبيوم. حيث يحصل الأطفال على البكتيريا أثناء مرورهم عبر قناة الولادة إذا ولدوا بعملية ولادة طبيعية، ومن الحليب إذا رضعوا رضاعة طبيعية. ومع نمو، يتعرّضون باستمرار للميكروبات من مصادر متنوعة.

مجلة كل الأسرة

نظرية «الأصدقاء القدامى»

تشير نظرية تعرف باسم «الأصدقاء القدامى» إلى أنه كلما ازداد نطاق الميكروبات التي نتعرض لها في مرحلة الطفولة المبكرة، ازداد تنوع الميكروبيوم الخاص بنا، وبالتالي، تتحسن قدرة أجهزتنا المناعية على التمييز بين الصديق والعدو. ويشير مصطلح «الأصدقاء القدامى» إلى الميكروبات المفيدة، أو «المتعايشة» معنا، أي التي تعيش على الجسم، وفيه، من دون الإضرار بصحة الإنسان.

هذه النظرية، التي اقترحها روك عام 2003، تشبه فرضية النظافة الأكثر شيوعاً، والتي تشير إلى أن قلة التعرض المبكر للجراثيم تجعل الناس أكثر عرضة لأمراض المناعة. على سبيل المثال، أظهرت دراسات متعدّدة وجود صلة بين النشأة في مزرعة، أو في منزل فيه حيوانات أليفة، وانخفاض احتمالية إصابة الأطفال بالحساسية، مقارنة بالأطفال في بيئات حضرية، أو خالية من الحيوانات الأليفة.

ومع ذلك، تشدّد فرضية «الأصدقاء القدامى» على أهمية التعرّض للميكروبات المتعايشة في مراحل الحياة المبكرة، مقارنة بمسببات الأمراض المعدية. وتدعم هذه الفكرة أبحاث عدّة: إذ تشير العديد من الدراسات في أوروبا إلى أن التعرّض المبكر للجراثيم لا يحمي من الإصابة بالحساسية. ومن الانتقادات الأخرى لفرضية النظافة أنها تقلل من أهمية النظافة الجيدة للوقاية من الأمراض، مروجة لفكرة أننا أصبحنا «نظيفين للغاية»، كما جادل باحثون في مراجعة عام 2016. من ناحية أخرى، قد تساعد فرضية «الأصدقاء القدامى» على تفسير سبب ارتباط الإفراط في استخدام المضادات الحيوية في المراحل المبكرة من الحياة، والذي قد يقضي على جزء كبير من ميكروبيوم الأمعاء، والولادات القيصرية التي لا تعرّض المواليد الجدد للبكتيريا المهبلية، بزيادة خطر الإصابة بالحساسية.

كما بحثت تجربة فنلندية في إمكانية تعزيز أجهزة المناعة لدى أطفال المدن باستخدام العشب، والتربة المأخوذة من أرض الغابة. ووجد الباحثون أنه في غضون شهر، امتلك الأطفال الذين لعبوا في التراب مجموعة أكثر تنوعاً من البكتيريا غير الضارة على جلدهم، وعدداً أكبر من الخلايا المنظمة للمناعة، وجزيئات الإشارة في دمائهم مقارنة بمن لعبوا في ملاعب الحصى. ويشير هذا إلى أن التعرّض للبكتيريا داخل التراب قد يساعد على نضوج جهاز المناعة، ما يقلل نظرياً، من فرص فرط نشاط هذا الجهاز.

وبالمثل، وجدت دراسة سويدية نشرت عام 2024 أن الأطفال الذين نشأوا في مزارع ألبان، أو امتلكوا حيوانات أليفة، كانت معدلات إصابتهم بالحساسية أقل من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. كما امتلكوا بكتيريا غير ضارة أكثر في أمعائهم، لذا خلص مؤلفو الدراسة إلى احتمال وجود رابط بين الظاهرتين.

محاذير يجب الانتباه لها

على الرغم من أهمية الميكروبيوم، إلا أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في خطر إصابة الشخص بالحساسية، بما في ذلك العوامل الوراثية، ولكن يقول الخبراء إنه ينبغي تشجيع الأطفال على الخروج واللعب في الهواء الطلق.

ومع ذلك، لا يمكن دائماً ترجمة فهم العلماء الحالي لعوامل خطر الإصابة بأمراض المناعة إلى نصائح عملية. على سبيل المثال، إذا كان لديك كلب، فقد تكون فرص إصابتك بالحساسية أقلّ نسبياً، مقارنة بشخص لا يمتلك حيواناً أليفاً، ولكن لا يمكنك حث شخص ما على اقتناء كلب كوسيلة مضمونة للوقاية من الحساسية.

كما أن الأوساخ في المناطق شديدة التلوث قد تكون مؤذية للأطفال، إذ قد تحتوي على ملوثات ضارة. ومن الواضح أن هذا ليس نوع الأوساخ الذي ترغبون في أن يتعرض له أطفالكم. ولأن الأوساخ قد تحتوي على مواد كيميائية ضارة، مثل الرصاص، إضافة إلى الطفيليات، يجب توخي الحذر لمنع الأطفال من استنشاقها، أو تناولها.

اقرأ أيضاً: 6 علامات تشير إلى ضعف جهاز المناعة لديك.. و9 نصائح لتقويته