13 أغسطس 2025

بين الخرافة والعلم... ما حقيقة لقاحات mRNA وعلاقتها بالصحة الإنجابية؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

منذ أن طُرحت لقاحات mRNA ضد فيروس كوفيد 19، انتشرت عبر بعض منصات التواصل الاجتماعي موجة من الادعاءات المقلقة، مثل اللقاح «يسبب العقم»، «يؤثر في الدورة الشهرية»، «يهدّد الحمل»، وغيرها من التصوّرات التي أثارت مخاوف كثيرين، بخاصة النساء.. لكن الواقع العلمي كان، ولا يزال مختلفاً تماماً.

مجلة كل الأسرة

تحدثنا الدكتورة نهلة عبدالرزاق كاظم، استشارية طب الإنجاب والعقم - مؤسس والرئيس التنفيذي لـ «برزة الخصوبة»، قائلة «لم تثبت أيّ دراسة وجود آثار دائمة للقاحات mRNA في الخصوبة، أو الحمل، بل على العكس أثبتت هذه التقنية الحيوية نفسها كإحدى أبرز ثمار التقدم العلمي في الطب الحديث، ليس في الوقاية من الأمراض فقط، بل كأداة واعدة لعلاج عدد من اضطرابات الصحة الإنجابية. إذ تدخل تقنية mRNA إلى الخلية لتوجّهها نحو إنتاج بروتين مستهدف (كما في حالة بروتين كورونا)، وبعد أداء المهمة، يتحلل هذا الحمض من دون أن يتداخل مع الحمض النووي للجسم. وما يميز هذه التقنية هو المرونة وسرعة التطوير، ما يجعلها مثالية لمواجهة أمراض معقدة ومتغيّرة».

مجلة كل الأسرة

بين الخرافة والحقيقة العلمية المرتبطة بالصحة الإنجابية

وتواصل د. نهلة «كثر الحديث عن أن لقاحات mRNA تؤدي إلى العقم عند النساء والرجال، إلا أن العلم أثبت من خلال الأبحاث السريرية والمراجعات العلمية، بما فيها ما نشره مركز السيطرة على الأمراض CDC، عدم وجود أي تأثير سلبي لتلك اللقاحات، مثل (فايزر وموديرنا) في الخصوبة، كذلك لم تسجل أي زيادة في معدلات العقم بين الملقحين. كما أوصت الجمعية الأمريكية للطب التناسلي ASRM بعدم تأجيل الحمل، أو علاجات الخصوبة، بسبب تلقي اللقاح.. وللتوضيح فإن جزيء mRNA المستخدم في اللقاح لا يدخل في نواة الخلية، ولا يغيّر الحمض النووي، بل هو مجرّد تعليمات مؤقتة لتحفيز الجهاز المناعي على التعرّف إلى الفيروس ثم يتحلّل بسرعة».

«أما عن حقيقة تأثير اللقاح في الدورة الشهرية، فجاءت الشائعة لتؤكد أنها سبب في اضطرابات طويلة الأمد في الدورة الشهرية، وجاء ذلك بعد أن أفادت بعض النساء بتغيّرات مؤقتة، كزيادة بسيطة في النزيف، أو تأخر الدورة، لكن الأبحاث، ومنها دراسة نشرت في المجلة الطبية البريطانية BMJ، أوضحت أن هذه التغيرات غالباً ما تعود إلى طبيعتها خلال دورة، أو دورتين، ولا تشير إلى تأثيرات مزمنة، أو مقلقة. وبخصوص إشاعة أن اللقاح يسبب الإجهاض أو تشوّهات خلقية، فإن العلم أثبت أن آلاف الحالات الخاضعة للدراسة لا توجد فيها زيادة في معدلات الإجهاض، أو التشوهات الخلقية بين النساء الحوامل الملقّحات، مقارنة بغير الملقّحات، كما توصي منظمة الصحة العالمية وهيئات طبية دولية بتطعيم الحوامل لتقليل خطر الإصابة الشديدة بكوفيد-19، والذي قد يشكل تهديداً أكبر بكثير من اللقاح نفسه».

تطبيقات مستقبلية في الطب الإنجابي

وفي ما يتعلق بأبرز التطبيقات المستقبلية في الطب الإنجابي، توضح د. نهلة كاظم:

علاج السرطانات النسائية

يتم تطوير تلك اللقاحات لاستهداف طفرات محدّدة في أورام المريضة، بخاصة في حالات سرطان (الثدي، وعنق المبيض، وعنق الرحم).

الأمراض الوراثية النادرة

يمكن استخدام تلك اللقاحات كأداة لتعويض، أو تصحيح البروتينات المفقودة نتيجة طفرات وراثية، وتوجد تجارب قائمة حالياً تشمل أمراضاً مثل داء الفابري، البورفيريا، واضطرابات التمثيل الغذائي، مع إمكانية تطبيق هذه التقنية مستقبلاً في حالات تؤثر في الصحة الإنجابية.

أمراض المناعة الذاتية والعقم المناعي

يتم إجراء تطوير استخدام تلك اللقاحات لإعادة برمجة الجهاز المناعي في أمراض الجسم ضد أنسجته الإنجابية، بما في ذلك المبايض أو بطانة الرحم.

الوقاية من أمراض معدية مرتبطة بالعقم

يتم العمل على تلك اللقاحات ضد فيروسات HPV، المسببة لسرطان عنق الرحم والهربس، كما تُجرى دراسة استخدام اللقاح لعلاج أمراض مزمنة تؤثر في الخصوبة، مثل بطانة الرحم المهاجرة، أو الأورام الليفية، عبر تنظيم نمو الخلايا، أو كبح الالتهابات المزمنة.

وتؤكد د. نهلة كاظم «من الهام ضمان استفادة الجميع من هذه التقنية، بخاصة في الدول منخفضة الدخل، لتفادي أن تبقى حكراً على الأغنياء، أو المراكز الطبية المتقدمة، الأمر الذي يستلزم التصدي للمعلومات المضللة. ففي زمن تزداد فيه الإشاعات انتشاراً، تبرز أهمية التثقيف الصحي المبني على الأدلة، فانتشار الخرافات قد يؤدي إلى قرارات صحية خاطئة، ويهدد السلامة العامة، فقد كانت لقاحات mRNA بطلاً علمياً في التصدي لكوفيد- 19، مثبتة فعاليتها وسلامتها، على الرغم من العاصفة الإعلامية، واليوم، تقف هذه التقنية على أعتاب ثورة جديدة في الطب الإنجابي، من علاج العقم والأمراض الوراثية، إلى تصميم لقاحات ضد الأمراض النسائية المعقدة، لكن لتحقيق هذا المستقبل الواعد، لا بد من مواصلة البحث العلمي، وتعزيز الشفافية، والتأكيد على العدالة الصحية، والأخلاقيات الطبية».