10 أغسطس 2025

هل تعلم ما هي متلازمة باريس؟.. وما علاقتها بالسياحة؟

محررة ومترجمة متعاونة

مجلة كل الأسرة

تخيّل أنك تمشي في باريس لأول مرّة، مستمتعاً بمدينة الأضواء، تفكر في الكرواسون، والكريم بروليه، وتتخيّل خطوات جين كيلي وهو يطرق على الشوارع، لتجد أن أرصفة مونمارتر مغطاة بروث الكلاب.

قد يُغمى على الزائر من خيبة الأمل، وربما بعض السياح يحدث لهم ذلك فعلاً، حيث تُعرف هذه الظاهرة باسم متلازمة باريس، ويعانيها بشكل شبه حصري المسافرون اليابانيون الذين يجدون أنفسهم في حالة صدمة ثقافية شديدة عند مواجهة الواقع الأكثر قسوة في العاصمة الفرنسية.

يُطلق على هذا المرض اسم «باري شوكوغون» باليابانية، ويقدّر أنه يصيب عشرات السيّاح غير المنتبهين، سنوياً. فلماذا يحوّل هذا الصراع الثقافي مدينة الأضواء إلى مدينة مرعبة؟

يبدو أن إضفاء طابع مثالي على أيّ مدينة هو طريق محفوف بالمخاطر. لذا، انضم إلينا في هذه الجولة لمعرفة السبب.

مجلة كل الأسرة

السياحة في باريس بالأرقام

44 مليوناً: هو عدد السياح الذين زاروا باريس عام 2022 وفقاً للجنة السياحة الإقليمية، ما يجعلها المدينة الأكثر زيارة في العالم، للعام الثاني على التوالي. وجاءت دبي في المرتبة الثانية بـ 12 مليون زيارة.

64.2 مليار دولار: إيرادات فرنسا من السياحة في عام 2022.

1.3 مليون: هو عدد السياح اليابانيين الذين زاروا فرنسا في عام 2023، وفقاً لشركة تحليل البيانات «جلوبال داتا».

20: عدد حالات متلازمة باريس التي تحدث سنوياً، بين السياح اليابانيين، وفقاً لميوبي كوساما، الموظفة في السفارة اليابانية في باريس، كما ورد في مقال نُشر في صحيفة الغارديان عام 2006، ولا نعرف العدد الدقيق حالياً.

1: هو موقع تصنيف باريس كأكثر مدينة غير ودودة في العالم، وفقاً لمسح أجرته «راف جايدز»، وهي دار نشر بريطانية لأدلّة السفر.

علامات متلازمة باريس

لم يتم الاعتراف رسمياً بمتلازمة باريس في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، ولكن تم الاعتراف بها من قبل الأطباء كاضطراب حقيقي. وتشمل أعراضها: الدوخة، والقلق، والقيء، والهلوسة، وحالات الهذيان، وحتى تسرّع القلب.

صاغ هذا المصطلح لأول مرة هيرواكي أوتا، وهو طبيب نفسي ياباني عمل في مستشفى سانت آن بباريس، في ثمانينيات القرن الماضي. ونشر هو، وعدد من المؤلفين المشاركين، مقالاً حول هذا الموضوع في مجلة «نيرفور» لعلم النفس، عام 2004.

يصف هذا المقال متلازمة باريس بأنها حالة من الصدمة الثقافية الكاملة. وقد افترض أن السياح القادمين من اليابان أكثر عرضة لتجربة مخيّبة للآمال في باريس، بسبب الصورة المثالية التي تُصوَّر بها المدينة في الثقافة الشعبية، ووسائل الإعلام اليابانية.

كما يُشار إلى أن حاجز اللغة، إضافة إلى الاختلافات في المعايير والتوقعات الثقافية، عوامل مسرِّعة وراء هذا الاضطراب. ويوضح أوتا وآخرون في البحث، أن «الصورة النمطية لباريس، مدينة استهلاك السلع الفاخرة، التي تروج لها وسائل الإعلام على نطاق واسع، لا تقارن بالحياة اليومية».

مجلة كل الأسرة

علاقة اليابان الودية بفرنسا

لطالما افتتن اليابانيون بفرنسا. ففي مخيّلة العامة هناك، غالباً، ما تعتبر فرنسا قمة الفن، والثقافة، والمأكولات الفاخرة، والجمال، والذوق الرفيع. انظروا إلى عاصمة اليابان فقط، حيث تجدون برج طوكيو، المحاكي لبرج إيفل، وتمثال الحرية في أودايبا، وهو تحية لهذا النصب التذكاري الفرنسي.

حتى أن طوكيو تضم حياً فرنسياً خاصاً، كاجورازاكا، يزخر بالمتاجر، والمقاهي، والمخابز ذات الطابع الباريسي. وإذا زرتم إحدى مكتبات المنطقة، فقد تتمكنون من شراء بعض كتب بروست أو فولتير، مترجمة إلى اليابانية، أو ربما نسخة من سلسلة كتب «الفرنسيون لديهم 10 ملابس فقط»، وهي سلسلة كتب شهيرة في اليابان تتناول الأناقة والرقي على الطريقة الفرنسية.

ويرى اليابانيون باريس مدينة النور، أجمل مدينة في العالم، عاصمة الرقي والرومانسية، ومزيجاً من إعلانات شانيل رقم 5، وأميلي بولان، وصور روبرت دوانو بالأبيض والأسود.. هكذا قالت إريكو ناكامورا، الصحفية اليابانية المقيمة في باريس، ومؤلفة كتاب Les tribulations d’une Japonaise à Paris (محن امرأة يابانية في باريس).

متلازمات سفر أخرى

باريس ليست المدينة الوحيدة التي تسبب آثاراً نفسية سلبية. فقد لوحظت اضطرابات مماثلة، وإن كانت نادرة، في مدينتين شهيرتين أُخريين.

أهمها، متلازمة ستندال، وهي حالة نفسية وُثِّقت لأول مرة في مدينة فلورنسا الإيطالية. تشير إلى الشعور بالإغماء، وخفقان القلب، أو حتى الهلوسة التي قد يشعر بها المرء عند رؤية الأعمال الفنية، والعمارة الرائعة. سميت هذه الظاهرة تيمناً بماري هنري بيل، المعروف باسمه المستعار ستندال، الذي وثق ردّ فعله النفسي الجسدي تجاه الكنوز الفنية للعاصمة التوسكانية عام 1817.

كتب في كتابه «روما، نابولي، وفلورنسا» (1818): «شعرتُ بنوع من النشوة، من فكرة وجودي في فلورنسا، بالقرب من العظماء الذين رأيت قبورهم. غارقاً في تأمل الجمال السامي... شعرت بخفقان في القلب، وهو ما يسمى في برلين «أعصابا». استنزفت مني الحياة. مشيت خائفاً من السقوط».