هل سمعت عن رئة الفشار؟ المرض الخطر المرتبط بتدخين السجائر الإلكترونية

يحظى تدخين السجائر الإلكترونية بشعبية كبيرة بين المراهقين والشباب، إلا أن النكهات الفاكهية الشبيهة بالحلوى تأتي محملة بمخاطر جمة نتيجة المواد الكيميائية التي تحتويها.
شاع مؤخراً في وسائل الإعلام خبر إصابة مراهقة أمريكية بحالة طبية غريبة تُسمى «رئة الفشار» بعد تدخينها السجائر الإلكترونية سراً لمدة ثلاث سنوات.
تُعرف «رئة الفشار» رسمياً باسم التهاب القصيبات المسدودة، وهو مرض نادر ولكنه خطر ولا رجعة فيه، يُلحق الضرر بالمجاري الهوائية الدقيقة في الرئتين، ما يؤدي إلى سعال مستمر، وأزيز، وإرهاق، وضيق في التنفس.

أصل تسمية «رئة الفشار»
يعود مصطلح «رئة الفشار» إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما أصيب العديد من العمال في مصنع فشار يعمل بالميكروويف بمشكلات في الرئة بعد استنشاق مادة كيميائية تُسمى ثنائي الأسيتيل، وهي نفس المادة المستخدمة في إعطاء الفشار نكهته الغنية والزبدية.
ثنائي الأسيتيل، أو 2،3-بيوتانيديون، هو مُنكّه يُصبح ساماً عند استنشاقه على شكل رذاذ. يُسبب التهاباً وتندباً في القصيبات الهوائية (أصغر فروع الرئتين)، ما يُصعّب مرور الهواء عبرها. والنتيجة: تلف رئوي دائم، وغالباً ما يُسبب الإعاقة.
يُحظر استخدام ثنائي الأسيتيل رسمياً في السجائر الإلكترونية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ولكنه ليس محظوراً في الولايات المتحدة على سبيل المثال. كما أن السجائر الإلكترونية غير القانونية التي قد لا تتوافق مع اللوائح أصبحت اليوم شائعة بشكل مخيف.
يمكن أن يُسبب «رئة الفشار» أيضاً استنشاق مواد كيميائية سامة أخرى، بما في ذلك الكربونيلات المتطايرة مثل الفورمالديهايد والأسيتالديهيد، وكلاهما اكتُشف أيضاً في أبخرة السجائر الإلكترونية.
أما الجزء الأكثر إثارة للخوف.. لا يوجد علاج لـ«رئة الفشار»، فبمجرد تلف الرئتين، يقتصر العلاج على إدارة الأعراض. قد يشمل ذلك موسعات الشعب الهوائية، والستيرويدات، وفي الحالات القصوى زراعة الرئة. لهذا السبب، فإن الوقاية -وليس العلاج- هي أفضل وسيلة دفاعية.
ولكن بالنسبة للمدخنين الشباب، الوقاية ليست بهذه البساطة.
فخ السجائر الإلكترونية
بات من الواضح في عصرنا الحاضر أن تدخين السجائر الإلكترونية بات منتشراً بشكل خاص بين المراهقين والشباب، ربما بسبب آلاف منتجات التدخين الإلكتروني المُنكّهة المتوفرة في الأسواق، من علكة الفقاعات، إلى غزل البنات، إلى آيس كريم المانجو. لكن هذه النكهات الفاكهية الشبيهة بالحلوى تأتي بتكلفة خطرة تتمثل في المواد الكيميائية فيها.
فإضافة إلى أن سوائل السجائر الإلكترونية تحتوي على النيكوتين، فإنها تحتوي أيضاً على مزيج كيميائي مُصمم لجذب المستخدمين. العديد من هذه المُنكّهات مُعتمد للاستخدام في الطعام، ولكن هذا لا يعني أنها آمنة للاستنشاق.
عند تناول المواد الكيميائية، تمر عبر الجهاز الهضمي ويُعالجها الكبد قبل دخول مجرى الدم، هذه المرحلة تُقلل من ضررها المُحتمل. لكن عند استنشاق المواد الكيميائية، فإنها تتجاوز نظام الترشيح هذا تماماً، فتذهب مُباشرةً إلى الرئتين، ومن هناك مُباشرةً إلى مجرى الدم، لتصل إلى أعضاء حيوية مثل القلب والدماغ في غضون ثوانٍ.
هذا ما جعل حالات مصنع الفشار الأصلية مأساوية للغاية. تناول فشار بنكهة الزبدة؟ لا بأس بذلك. ولكن استنشاق المادة الكيميائية بنكهة الزبدة؟ مُدمر.

الخلطة الكيميائية في السجائر الإلكترونية
مع تدخين السجائر الإلكترونية، يصبح الوضع أكثر غموضاً. لا يوجد ثنائي الأسيتيل في جميع السجائر الإلكترونية، ولكن مع بدائله -الأسيتوين وبنتانيديون- قد تكون بنفس الضرر.
يقدر الخبراء وجود أكثر من 180 مُنكّهاً مختلفاً تُستخدم في منتجات السجائر الإلكترونية اليوم. عند تسخينها، تتحلل العديد من هذه المواد الكيميائية إلى مركبات جديدة، بعضها لم يُختبر أبداً للتأكد من سلامته عند الاستنشاق.. وهذا مصدر قلق كبير.
على الرغم من أن المخاطر الدقيقة غير معروفة، فقد وُثّقت طبياً حالات مرتبطة بـ«رئة الفشار» الناجمة عن تدخين السجائر الإلكترونية. نظراً لتعرض رئات مُستخدمي السجائر الإلكترونية للعديد من المواد الكيميائية، فمن غير الممكن إثبات أن ثنائي الأسيتيل هو سبب المرض في أي حالة محددة. لكن هذا لا ينفي المخاطر المُثبتة لاستنشاقه.
حتى لو لم يكن ثنائي الأسيتيل هو السبب الوحيد، فإن التعرض التراكمي للعديد من المواد الكيميائية ومنتجاتها الثانوية قد يزيد خطر الإصابة بـ«رئة الفشار» وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى.
تردد صدى هذا الأمر بشكل مأساوي في قصة المراهقة الأمريكية التي أصيبت بالمرض. تُذكرنا حالتها بأزمة إيفالي في عام 2019 (إصابة الرئة المرتبطة باستخدام السجائر الإلكترونية أو منتجات التبخير)، والتي شهدت 68 حالة وفاة وأكثر من 2800 حالة دخول إلى المستشفى في الولايات المتحدة. رُبط هذا التفشي في النهاية بأسيتات فيتامين هـ، وهو عامل مُكثِّف في بعض منتجات تبخير القنب، عند تسخينه، يُنتج غازاً شديد السمية يُسمى الكيتين.
وهذا يعني مع الأسف أن التاريخ يُعيد نفسه. لذلك، كما أُعيد النظر في قواعد السلامة في مكان العمل لحماية عمال مصانع الفشار، نحتاج الآن إلى تدابير تنظيمية مماثلة لصناعة التدخين الإلكتروني، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بحماية الجيل القادم.
مراجعة سريعة
قد يبدو الفشار وتدخين السجائر الإلكترونية عالمين مختلفين تماماً، لكنهما يرتبطان بخيط مشترك: التعرض لمواد كيميائية مستنشقة لم تكن مخصصة للرئتين. لا يكمن الخطر في ماهية هذه المواد الكيميائية عند تناولها، بل فيما تصبح عليه عند تسخينها واستنشاقها.
إذا طبقنا دروس السلامة الصناعية على عادات التدخين الإلكتروني اليوم، وخاصةً بين الشباب، يمكننا تجنب تكرار نفس الأخطاء. يمكن للأنظمة، ووضع الملصقات الواضحة، والاختبارات الأكثر صرامة للمكونات، والحملات التثقيفية، أن تساعد على تقليل المخاطر.
إلى ذلك الحين، تُذكرنا بعض القصص، مثل قصة المراهقة الأمريكية، بأن تدخين السجائر الإلكترونية، على الرغم من نكهاته الفاكهية وتصميمه الأنيق، له عواقب فادحة. فما يبدو غير ضار قد يُخلف أحياناً ضرراً يدوم مدى الحياة.
اقرأ أيضاً: ماذا يوجد في السجائر الإلكترونية؟.. سموم ومعادن ثقيلة وربما «بولونيوم مشع»