30 أبريل 2025

إنعام كجه جي تكتب: خطأ طبي سعيد

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

قالت لها طبيبتها: «مبروك مدام... صدرك سليم ولست مصابة بأيّ ورم خبيث». لكن السيدة الفرنسية مارتين، تقدمت بشكوى إلى القضاء ضد المستشفى، وضد مختبر التحليلات، وطالبت بتعويض كبير. ما الحكاية؟ لماذا لم تفرح بشفائها؟

تبلغ مارتين الثانية والثلاثين من العمر. ونظراً لأن والدتها وخالتها أصيبتا بسرطان الثدي، فإنها كانت، من باب الاحتياط، تعمل أشعة للصدر كل عام. إن اكتشاف أيّ ورم في بداياته يجعل العلاج أسهل من انتشار السرطان، واستفحاله.

 ذات يوم فوجئت بهاتف من المستشفى يطلبون حضورها، وأن يكون معها شخص مرافق. فهمت مارتين على الفور، أن هناك خبراً سيئاً في انتظارها، وهم يريدون ألّا تكون وحيدة خشية انهيارها، وحاجتها إلى من تستند إليه. وحين ذهبت برفقة زوجها كانت الطبيبة بالغة الحنوّ واللطف معها. أخبرتها أن صورة الأشعة الأخيرة أظهرت وجود ورم في الثدي، ولابد من تحليلات إضافية قبل الخضوع لعملية الاستئصال.

عاشت مارتين أربعة أسابيع على أعصابها. واحتاجت إلى تناول حبوب مهدّئة ومنوّمة. كانت ترى نفسها مريضة أسيرة المرض الخبيث الذي يطاردها. وهي ستلحق بوالدتها، وخالتها. تموت في عزّ شبابها.

خضعت مارتين لعملية استئصال الثدي، وبدأت تستعد لبدء العلاج الكيماوي. اشترت باروكة، لأنها تعرف أن شعرها سيتساقط، وراحت تهيئ ابنها الوحيد لما سيكون عليه حالها أثناء العلاج. وكان زوجها أشدّ منها قلقاً، خاف أن يفقدها، ويصبح ابنهما يتيم الأم.

في المستشفى، كانت الطبيبة حائرة. إن الفحص الأخير لا يكشف وجود أي خلل في أنسجة الصدر. وتمت إعادة الفحص، وكل أنواع الأشعة، الضوئية والصوتية، من دون أن يظهر أيّ أثر للسرطان. كانت مارتين ترى الحيرة في عيني طبيبتها، ولا تفهم ما يدور حولها. وفي النهاية، قرّرت إدارة المستشفى مراجعة الملف الصحي للمريضة منذ البداية حتى النهاية. وكانت المفاجأة حين اكتشفوا أن المختبر أخطأ في الخزعة المأخوذة من صدرها، واستبدل بها خزعة لمريضة أخرى لديها ورم خبيث. إن صدر مارتين سليم لم يكن يحتاج إلى جراحة.

كانت الطبيبة تضحك وهي تبلّغها الخبر. «مبروك». لكن مارتين كانت تبكي وهي تستعيد أشهر القلق والحزن، وكوابيس الموت التي عاشتها، وعاشها معها زوجها المسكين. لقد سلبوها سعادتها العائلية بسبب خطأ في المختبر. وكان أول ما فعلته أنها طلبت إبلاغ المريضة الثانية بحقيقة حالتها، لكيلا يتأخر علاجها.

منذ ثلاث سنوات، تنتظر مارتين قرار المحكمة. وقد طلب القاضي رأي لجنة طبية، لكن حبل العدالة طويل. وهي تنتظر أيضاً حصولها على التعويض لكي تقوم برحلة ترفيهية، مع زوجها وابنها، تنسيها أكوام القلق التي ترسبت فوق قلبها، وعقلها. إنها سليمة لكنها فقدت جزءاً مهماً من أنوثتها. لذلك تأمل أن يصدر القاضي حكماً إضافياً يلزم المستشفى بإجراء عملية ترميم للثدي المستأصَل.