بعد عودة العالقين لأشهر.. هذا ما يفعله البقاء في الفضاء بجسم الإنسان

مع عودة رائدَي فضاء «ناسا»، سوني ويليامز، وبوتش ويلمور، إلى عائلتيهما، أخيراً، بعد قضاء تسعة أشهر غير متوقعة في الفضاء، بدأنا نتساءل: ما الذي يحدث بالضبط للجسم في الفضاء؟

عندما يغادر رواد الفضاء الغلاف الجوي للأرض، لا يواجهون تعقيدات السفر الفضائي فقط؛ بل يكونون عرضة لتغييرات كبيرة في أجسامهم أيضاً، بسبب الظروف الفريدة للفضاء. لهذا السبب، أثيرت ضجّة كبيرة، علمية وسياسية، بسبب رائدَي فضاء «ناسا»، بعد أن علِقا في الفضاء الخارجي لمدة لم يكن أحد يتوقعها.
من ضمور العضلات، إلى تغيّرات في الرؤية، نستعرض معكم بعض التأثيرات المدهشة لانعدام الجاذبية:
الطول
أكدت بيغي ويتسون، المعروفة بكونها أول امرأة تقود محطة الفضاء الدولية مرتين، وحاملة الرقم القياسي لأكبر عدد من الأيام التراكمية في الفضاء لرائد فضاء أمريكي، أن إحدى مزايا الذهاب إلى الفضاء هي طفرة النمو.
في حديثها مع «بي بي سي جلوبال»، العام الماضي، أوضحت رائدة الفضاء والكيمياء الحيوية: «من دون الجاذبية، يرتخي الحبل الشوكي عند دخولك الفضاء. لا توجد جاذبية تدفع جميع فقراتك معاً، ثم عندما تذهب إلى الفضاء يزداد طولك قليلاً، لقد زاد طولي نحو نصف بوصة- ثلاثة أرباع البوصة».
ومع ذلك، هذا التأثير مؤقت فقط، حيث أضافت ويتسون: «للأسف، لم أتمكن من الحفاظ على طولي، لأنه بمجرد العودة خلال 24 ساعة، يتقلص حجمك، وهذا ما تفعله الجاذبية».
العظام والعضلات
في بيئة الفضاء الخالية من الوزن، تضعف العظام والعضلات بسبب انخفاض الجاذبية، ما قد يؤدي إلى فقدان كثافة العظام، وضمور العضلات.
وقالت ويتسون: «في المدار، نفقد 1% من كتلة عظامنا، في شهر واحد، إذا لم نتخذ أي إجراء حيال ذلك. لذا، يتسارع طولنا بمقدار 10 أضعاف، أو أكثر بقليل، في الفضاء، وعضلاتنا كذلك».
لذلك، يتعيّن على رواد الفضاء مكافحة هذه الآثار بالتمارين الرياضية «لمواجهة بعض هذه الآثار السلبية، بخاصة فقدان كثافة العظام، ولدينا ما يُسمى بجهاز تمارين المقاومة. وعادة ما يُنصح برفع الأثقال، وبالطبع لا يوجد وزن في حالة انعدام الجاذبية، لذا عليك العمل ضد المقاومة».
وأضافت «إذا كنت تعلم أنك تفقد كتلة عظامك بنسبة 1% شهرياً، فستكون متحمساً جداً لممارسة التمارين، ما يستغرق نحو 45 دقيقة، إلى ساعة يومياً، من تمارين المقاومة».
الرؤية
يعاني بعض رواد الفضاء تغيّرات في أعينهم، وأبصارهم، أثناء رحلاتهم الفضائية، وهي ظاهرة تُعرف باسم «متلازمة العين العصبية» المرتبطة برحلات الفضاء، وفقاً لموقع «ناسا» الإلكتروني. وعلى الرغم من أن السبب الدقيق غير معروف، يشتبه بعض الباحثين في أن انتقال السائل نحو الرأس، بسبب انعدام الجاذبية في الفضاء، قد يكون سبباً كامناً لهذه المتلازمة.
ويقول رواد الفضاء إنه في الفضاء تحدث إعادة توزيع لسوائل الجسم باتجاه الرأس، ما قد يرفع الضغط داخل الجمجمة، أي الضغط حول الدماغ، ومقلة العين. وعادة ما تكون مقلة العين كروية الشكل، ولكن بالنسبة إلى البعض، يدفع الضغط المتزايد، على الطرف الخلفي للعين، العين إلى الداخل، ويمكن أن يغيّر البعد البؤري لمُقلة العين.
لذلك، يصاب بعض رواد الفضاء بطول البصر خلال فترة وجودهم في الفضاء. لكن لحسن الحظ، تعود هذه التغيرات في الرؤية إلى طبيعتها لدى عودتهم إلى الأرض، بعد عدة أسابيع، أو أشهر.
القلب
قد يؤثر قضاء الوقت في الفضاء سلباً في القلب، وجهاز الدورة الدموية، بسبب انعدام الجاذبية، ما يؤدي إلى تغيّرات في وظيفة عضلة القلب، وشكلها، وربما زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية.
وتوضح أنجيليك فان أومبيرجين، رئيسة قسم علوم الحياة في وكالة الفضاء الأوروبية، في فيديو قصير على يوتيوب «نظراً لتعرّض الجسم بأكمله لانعدام الجاذبية، لا يحتاج القلب إلى ضخ كمية الدم التي كان يضخّها على الأرض، ما يؤدي إلى تدهور الجهاز القلبي الوعائي». وتضيف «هناك أيضاً إشعاع يمكن أن يسبب تلفاً في الحمض النووي، ما قد يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، ويسبب تنكساً في القلب، والأوعية الدموية».
ويواجه رواد الفضاء هذه الآثار من خلال النشاط البدني اليومي أثناء العمل، و/ أو ممارسة الرياضة.
الجهاز المناعي
وفقاً لموقع «ناسا» الإلكتروني، يمكن للعديد من العوامل، مثل الإجهاد الفسيولوجي، واضطراب الساعة البيولوجية، والإشعاع، وانعدام الجاذبية، وعوامل أخرى متعلقة برحلات الفضاء، أن تؤثر في الاستجابة المناعية لرائد الفضاء، أثناء وجوده في الفضاء.
وتلعب الخلايا التائية، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، دوراً حيوياً في حماية الجسم من العدوى. ومن خلال بحث أجرته وكالة «ناسا» بعنوان «تأثير الخلايا التائية في الشيخوخة»، تمكّن العلماء للمرة الأولى من إثبات أن الجاذبية تُحدث فرقاً في تنشيط الخلايا التائية.
إذ كشفت نتائجهم عن انخفاض في تنظيم جينات مُحدّدة داخل الخلايا التائية، أي انخفاض في استجابة الخلايا، عند التعرّض للجاذبية الصغرى. ويؤدي هذا الانخفاض المُجتمع في جينات الخلايا التائية إلى انخفاض في دفاعات الجسم ضد العدوى أثناء رحلات الفضاء، بطرق مُختلفة.
كما يتعرض رواد الفضاء لتأثير إشعاعي أعلى في الفضاء، مُقارنة بالأرض، ما قد يُلحق الضرر بالخلايا المناعية، ويُعطّل وظائفها، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالعدوى، وغيرها من المشاكل الصحية.
اقرأ أيضاً: طبيبة رواد الفضاء د.حنان السويدي: انعدام الجاذبية أكبر تحدٍّ يواجه رائد الفضاء