رغم الآثار السلبية للتوتر، وانعكاساتها على حياتنا وصحتنا النفسية، إلا أن له الكثير من الأبعاد الإيجابية التي يجهلها الكثير منا، من حيث دوره في زيادة التحفيز، والتركيز، والقدرة على مواجهة الصعوبات، والتغلب على المصاعب.
في شهر التوعية بمخاطر الصحة النفسية، تكشف الدكتورة شاكيل أجنيو، أستاذ مشارك في علم النفس بجامعة هيريوت وات، الخطوط العريضة للتمييز بين التوتر، السلبي والإيجابي، واستراتيجياته، وأهم مهارات التعامل معه، والضغوط النفسية المصاحبة له، والتحكم فيها.
تشير د. أجنيو «عادة ما يُنظر إلى التوتر على انه ظاهرة سلبية، لها تأثير سلبي في حياتنا، وصحتنا النفسية، لكن الحقيقة التي يجهلها الكثير أنه ليس كل التوتر سيئاً بطبيعته، في حين يمكن أن يكون للإجهاد المفرط، أو المزمن، آثار ضارة في الصحة، والرفاهية النفسية، فإن المستويات المعتدلة من التوتر يمكن أن تكون مفيدة، بل وضرورة للنمو، والتحفيز، والمرونة».
تشرح د. أجنيو «إن مصطلح «الضغط النفسى الجيد»، المعروف باسم eustress»، يدفع الشخص إلى خارج منطقة الراحة الخاصة به، ويحفزه على اتخاذ الإجراءات اللازمة، فهو بمثابة دعوة للاستيقاظ، تدفعه إلى المزيد من الاهتمام، ومعالجة الصعوبات التي تواجهه، بالتالي نفهم أن الإجهاد غير الضار، والضغط الذي يمكن التحكم فيه، هو المفتاح لتسخير جوانب التوتر الإيجابية، والتغلب على تحديات الحياة بفعالية أكبر»، وتذكر د. أجنيو مثالاً على ذلك «نشاط أجسادنا وعقولنا في حياتنا اليومية يؤهلنا للعمل على مواجهة الضغوطات اليومية، وهي استجابة طبيعية مصممة لا إرادياً، لمساعدتنا على مواجهة التحديات والضغوطات، والتحكم فيها بشكل مباشر، فعند مواجهة عقبة غير متوقعة في مواعيد تسليم العمل النهائية، على سبيل المثال، تفرز أجسامنا هرمونات التوتر، ما يزيد من تركيزنا، ويعزز من مستويات الطاقة التي لا تساعدنا على التعامل مع الوضع بفعالية فقط، بل تساهم أيضاً على بناء القدرة على الصمود مع مرور الوقت».
وتوضح د. أجنيو تأثير القدرة على التعامل مع الضغوطات وأبعادها «يساعد التعامل مع الضغوطات المعتدلة بطريقة صحية على جعلنا أكثر مرونة، ومثلما يؤدي رفع الأثقال إلى تقوية العضلات، فإن التغلب على الضغوطات التي يمكن التحكم فيها يعزز قدرتنا على مواجهة التحديات المستقبلية، وفي كل مرة نتغلب فيها على موقف صعب ومرهق نفسياً، بنجاح، تنمو ثقتنا بأنفسنا، ونتمكن من تطوير مهارات واستراتيجيات جديدة للتعامل مع المواقف المماثلة في المستقبل. وتعد عملية التكيف والنمو هذه ضرورية لبناء القدرة على الصمود والازدهار في مواجهة الشدائد والتحديات».
وتكشف التداعيات السلبية للتوتر «عندما يصبح التوتر مزمناً يختلف الأمر، فالتعرض المستمر لمستويات عالية من التوتر يمكن أن يؤدي إلى إضعاف احتياطيات المرونة لدى أي شخص، ما يجعلنا نشعر بالاستنزاف والضعف، وبدلاً من التعافي من الضغوطات، نجد أنفسنا نكافح من أجل التأقلم، أو نعاني الإرهاق، أو حتى نواجه مشكلات صحية مرتبطة بالتوتر، لذلك يصبح من المهم أن ندرك متى يصبح التوتر مزمناً، ومتى يمكن أن نتخذ خطوات استباقية لمعالجته، قبل أن يؤثر سلباً في صحتنا، حيث تلعب عقليتنا وكيفية استجابتنا للضغوطات دوراً كبيراً في تحديد تأثيرها فينا».
تشير أستاذ علم النفس للعوامل المساعدة في خفض مستوى التوتر «في حين يعد النشاط البدني، وعادات الأكل الصحية، وسبل الاسترخاء واليقظة، كلها استراتيجيات معروفة لإدارة وتقليل التوتر في الحياة اليومية، إلا أن الأبحاث تظهر الأهمية الاستثنائية للتواصل مع الآخرين، والأنشطة الاجتماعية في ذلك.
يقول ستيفن كرين، الباحث في جامعة ستانفورد «تشكل علاقاتنا شبكة من الدعم، وتشكل أكبر عامل منفرد في الرفاهية العامة لمعظم الناس»، حيث تعد العلاقات الاجتماعية جانباً أساسياً من نمط حياة الفرد يمكن أن يؤدي إلى فوائد صحية كبيرة، ومهما تأخر الأمر لم يفت الأوان لمنحها الأولوية، وجميع الأبحاث التي سلطت الضوء على النتائج الصحية الإيجابية للعلاقات الاجتماعية، بغضّ النظر عن العمر، أو الجنس، أو الحالة الصحية الأولية، تشير إلى أن تنمية العلاقات القوية والآمنة لا تعزز السعادة فحسب، بل تسهم أيضاً في طول عمر الشخص».
توجز د. أجنيو «إن فهم مسببات التوتر وإيجاد آليات صحية للتكيّف، هو المفتاح للتغلب على تقلبات الحياة، من دون التعرض للضغوط.
لذا علينا أن نعي أن الضغط لا يتعلق بما يحدث لنا فقط، بل بكيفية تعاملنا مع ما يحدث معنا، في الداخل والخارج».
تضع أستاذ علم النفس ثلاث خطوات رئيسية للتغلب على التوتر: