يشارك الخبراء أفضل نصائحهم حول سبب، وتوقيت، وكيفية التحدث مع الأطفال حول تشخيص مرض التوحّد لديهم.
لن تنسى الأمريكية، رايلين دوندون، أبداً، اليوم الذي أدركت فيه أن الوقت قد حان لتخبر ابنها في مرحلة ما قبل المدرسة، أنه مصاب بالتوحّد. عندما كانوا يزورون الفصل الدراسي لابنها الأكبر، لاحظ بعض الطلاب أن الصبي الأصغر بدا شبيهاً بزميلهم المصاب بالتوحّد، وأخبرهم دوندون الأكبر أن شقيقه مصاب بالتوحّد. فكّرت فجأة «لا أريد أن يعرف الآخرون أن صغيري لا يعرف. قلت لنفسي أنا بحاجة إلى القيام بشيء حيال ذلك». كانت تعلم أنها يجب أن تخبر طفلها أنه مصاب بالتوحّد.
وبعد الحصول على نصائح من الآخرين الذين مروا بهذه العملية، هذا ما فعلته رايلين: واصلت مشاركة ما تعلمته مع العائلات التي كانت تعمل معها، وفي النهاية حولت نصائحها إلى كتاب بعنوان «التحدث مع طفلك حول تشخيص مرض التوحّد: دليل للآباء».
لماذا يجب أن أخبر طفلي أنه مصاب بالتوحّد؟
إذا لم تخبر طفلك بأنه مصاب بالتوحّد، فهناك احتمال كبير أن يخبره شخص آخر بالأمر، أو أن طفلك سيكتشف الأمر بنفسه في النهاية، وهذا صحيح بشكل خاص إذا كان طفلك يشارك في البرامج التأهيلية، ويتلقى الخدمات المخصصة للأشخاص المصابين بالتوحّد، لأن الكلمة «ت» لا بد أن تظهر. أنت لا تريد أن يكشف شخص آخر عن الأمر قبل أن تتاح لك الفرصة لوصف الأمر بنفسك. يقول علماء النفس إن من الظلم للآباء أن يحجبوا معلومات عن أطفالهم عندما يصلون إلى سنّ معيّنة، و قد يشعر طفلهم بالخيانة إذا فعلوا ذلك.
الأطفال قد يشعرون بالخجل إذا اكتشفوا أنهم مصابون بالتوحّد من شخص آخر، غير والديهم، لأنه قد يبدو أن والديهم كانوا يحاولون إخفاء ذلك. لذلك من المهم أن يعرف الأطفال أنهم مصابون بالتوحّد، لأن ذلك يساعدهم على فهم من هم، خاصة في ما يتعلق بالمقارنة مع أقرانهم. إذ يشعر هؤلاء الأطفال بأنهم مختلفون، ومن غير المقبول عدم مساعدتهم على معرفة السبب. إنه يسبب لهم الضيق لأنهم لا يستطيعون التأقلم، ولا يعرفون سبب صعوبة الأمور بالنسبة إليهم، ويشعرون بأن هناك خطأ ما، فيهم. وعندما يكتشفون ذلك، يكون الأمر مثل «أوه، هذا يفسر سبب ذلك، لكنني بقيت كل هذه السنوات أعتقد أنني أقل من أقراني بطريقة أو بأخرى، وأن هناك شيئاً خاطئاً».
متى يجب أن أخبر طفلي أنه مصاب بالتوحّد؟
يقول الخبراء إن مسألة إخبار طفلك أنه مصاب بالتوحّد يعتمد على عمره، وقدرته المعرفية، ووعيه الاجتماعي، إضافة إلى استعدادك لإجراء المحادثة، فهي ليست محادثة لمرة واحدة، ولكنها عملية مستمرة.
وعلى الرغم من ذلك، يتفق الخبراء على أنه كلما بدأت الحوار مبكراً، كلما كان ذلك أفضل. فعندما يكبر الأطفال ويبدأون بالاندماج في المجتمع ككل، ينظرون إلى هذه الاختلافات على أنها أشياء سلبية. والبدء مبكراً يسمح لك بالمساعدة في كسر «وصمة العار»، والاستفادة من رسم نظرة أكثر إيجابية بأننا جميعاً مختلفون، وأننا جميعاً ذوو قيمة.
ولكن تشخيص حالة الطفل قد يكون أمراً صعباً بالنسبة إلى الآباء، فيحتاجون إلى معالجة مشاعرهم قبل التحدث إلى أطفالهم. من المهم حقاً أن يكونوا في المساحة المناسبة للتحدث مع أطفالهم، بحيث تكون الطريقة إيجابية ومؤكدة. فإذا شعروا بأنهم سينفجرون بالبكاء وهم يخبرون أطفالهم بأنهم مصابون بالتوحّد، فليس ذلك، بالتأكيد، هو الوقت المناسب لإخبارهم. والعديد من العائلات تجد أن من المفيد إجراء محادثة مع أخصائي، مثل الطبيب النفسي الذي أجرى التقييم، لمساعدتهم على معرفة كيفية طرح الموضوع مع أطفالهم.
كما يشجع الخبراء الآباء على إجراء أبحاثهم حول مرض التوحّد وكيفية مناقشته مع أطفالهم قبل الحديث معهم. وقد يشمل ذلك:
إذا قررت تأجيل إخبار طفلك أنه مصاب بالتوحّد، من المهم أن تظل يقظاً في البحث عن علامات تشير إلى أن الوقت قد حان لاتخاذ هذا القرار، وتشمل هذه العلامات تغيّرات سلوكية لدى الطفل، مثل الاعتكاف، أو التصرف بشكل غير لائق، والحديث الذاتي السلبي، ومقارنة الطفل نفسه بالآخرين، وطرح أسئلة مثل «ما خطبي؟ لماذا أنا مختلف؟ لماذا هذا صعب جداً بالنسبة إلي؟».
كيف أخبر طفلي أنه مصاب بالتوحّد؟
1- دمج مرض التوحّد في المحادثة اليومية
إذا تم تشخيص طفلك في سنّ مبكرة، مثلاً وهو طفل صغير، أو في مرحلة ما قبل المدرسة، يوصي الخبراء بدمج مرض التوحد في المحادثة اليومية منذ البداية. بإمكان الآباء القيام بذلك عندما يتلقى الطفل علاجاً معيّناً للتوحد، أو حضور المناسبات الاجتماعية للأطفال المصابين بالتوحّد، أو مشاهدة التلفزيون، أو قراءة الكتب التي تحتوي على شخصيات مصابة بالتوحد. الأمر بسيط، مثل قول «سنذهب إلى الطبيب اليوم لأنك مصاب بالتوحد»، أو «جوليا من شارع سمسم مصابة بالتوحد مثلك».
وتفضل بعض العائلات الحديث عن الاختلافات في كيفية تفكير أطفالهم وإدراكهم للأشياء قبل تقديم كلمة «التوحّد»، وهذا أمر جيّد تماماً. ويتم ذلك بذكر الاختلافات أو التوحّد في سياق قوة الطفل والتحديات التي يواجهها، أو من خلال تسليط الضوء على أوجه التشابه، والاختلاف مع الآخرين. على سبيل المثال «إن دماغك المصاب بالتوحد حساس حقاً لتلك الضوضاء»، أو «يعمل دماغك بشكل مختلف قليلاً عن دماغ أخيك لأنك مصاب بالتوحّد». وكذلك استخدام التوحّد لوصف بعض سلوكات طفلك، على سبيل المثال «عندما يكون من الصعب عليك التوقف عن ممارسة هذه اللعبة، فهذا بسبب مرض التوحّد لديك. في بعض الأحيان يكون لدى الأشخاص المصابين بالتوحّد اهتمامات قوية حقاً».
2- اختر الوقت المناسب لمحادثة إيجابية
يوصي الخبراء بإجراء المحادثة عندما يكون طفلك هادئاً، وسعيداً، والأمور تسير على ما يرام. ولا تستخدم مصطلح التوحّد عندما تكون لديه نوبة غضب. فأنت لا تريد أن يكون له دلالة سلبية. كما ينبغي أن تكون محادثة بسيطة وغير رسمية، فأنت لا تريد أن يتذكر الطفل ذلك اليوم الذي جالسته فيه وأخبرته أنه مصاب بالتوحّد، لأن ذلك يجعل الأمر أصعب من اللازم، سيبدو كأنه خبر سيئ بالنسبة إليه.
3- التركيز على نقاط القوة والتحدّيات والاختلافات
الطريقة البسيطة للبدء بالمحادثة هي من خلال ذكر عملية التقييم، يمكنك البدء بشيء مثل «هل تعرف كيف قمت بكل تلك الأنشطة الخاصة؟ لقد اكتشفنا أن دماغك يعمل بشكل مختلف قليلاً، وهذا ما يسمى بالتوحّد». فكّر في شرح كيفية عمل أدمغة المصابين بالتوحّد ،والأدمغة العصبية، بشكل مختلف، باستخدام تشبيه مثل أجهزة الكمبيوتر المكتبية، وأجهزة الكمبيوتر الشخصية «إنهم يفعلون الأشياء بشكل مختلف قليلاً، ولكن هذا لا يعني أن أحدهما أقل من الآخر».
هناك خيار آخر، وهو البدء بالحديث عن نقاط القوة، والتحدّيات، والاختلافات، بشكل عام، مثل مناقشة الأشياء التي يجيدها طفلك، والأشياء التي يواجه صعوبة فيها، ثم القيام بالشيء نفسه مع أشخاص آخرين، مثل الأشقاء وزملاء الدراسة، فأنت تريد مساعدة الطفل على فهم أن كل شخص لديه مستويات عالية، ومنخفضة من حيث القدرات، والاهتمامات.
4- دعه يعرف أن هناك مساعدة له ومجتمعاً مثله
بمجرد إخبار طفلك أنه مصاب بالتوحّد، يقول الخبراء إنه يجب عليك إخباره أن هناك مساعدة في بعض التحديات التي يواجهها. على سبيل المثال، إذا كان يعاني صعوبات في التواصل، يمكنك إخباره عن علاج النطق. وإذا كان حساساً للبيئات الصاخبة، فيمكنك أن تقدم له سماعات الرأس.
يمكنك أيضاً مساعدته على تعلم المزيد عن مرض التوحّد، من خلال تزويده بكتب الأطفال حول هذا الموضوع، بخاصة تلك التي كتبها أشخاص مصابون بالتوحّد. كما أنها تشجع الآباء على السماح للطفل بمعرفة أن هناك مجتمعاً من الأطفال المصابين بالتوحّد، والكثير من الفرص للتواصل معهم، مثل مجموعات الشباب المصابين بالتوحّد والأنشطة الاجتماعية المخصصة لهم.
5- كن مستعداً لرد فعل طفلك وأسئلته
من الارتياح واللامبالاة، إلى الصدمة والارتباك، إلى الحزن والغضب، يمكن أن يكون لدى طفلك مجموعة من المشاعر، المتباينة والمختلطة، عندما يسمع أنه مصاب بالتوحّد. الحديث الذاتي السلبي مثل «هذا هو السبب وراء عدم إعجاب أحد بي» قد يظهر أيضاً أثناء المحادثة. يمكن للوالدين محاولة إعادة المحادثة إلى كيفية اختلاف كل شخص، وتمتعه بنقاط قوة وتحديات فريدة، وحتى ذكر كيف أن هناك العديد من الأشخاص المشهورين والناجحين المصابين بالتوحد.
كن مستعداً لأسئلة أطفالك. بعض الأسئلة الشائعة التي سمعها الخبراء هي «كيف أصبتُ به؟»، «هل هو معدٍّ؟» و«هل سيختفي؟».. أسئلة مثل هذه هي فرصة لتوضيح أنهم ولدوا مصابين بالتوحّد، وأن أدمغة جميع الأطفال تتطوّر بشكل مختلف، وعلى الرغم من أن ذلك لن يختفي، إلا أنه يمكنهم الحصول على المساعدة في مواجهة التحدّيات التي يواجهونها.
اقرأ أيضاً:
- علماء يصمّمون تطبيقاً يكتشف مرض التوحّد في دقائق وبدقة كبيرة
- هل يمكن تشخيص التوحّد قبل ولادة الطفل؟ وما التقنية المستخدمة؟