في رحلة سياحية، صعد السيّاح إلى جسر معلق في الهواء مستمتعين بالمناظر الخلابة حولهم، وأسفل منهم، إلا سائحة واحدة، بدأت ركبتاها تصطكّان لمجرد التفكير في الصعود فوق الجسر الذي لا يقل طوله عن كيلومترين. وفشلت محاولات الأصدقاء والمرشد السياحي في ثني دينا عن التشبث بالأرض، ودفعها لمحاولة تسلّق الصخرة المؤدية إلى بداية الجسر، فكلما ألحّوا عليها، زاد توترها وقلقها حتى كادت أن تقع مغشياً عليها، فتدارك الأصحاب الأمر وأسعفوها، وعرفوا أنها تعاني رهابَ المرتفعات، أو «أكروفوبيا»، وهو الخوف الشديد من الأماكن العالية..
الفرق بين الفوبيا والخوف
الخوف هو نوع من الانفعالات الطبيعية، وردّ فعل تلقائي لحماية النفس من خطر يداهمها، وهو ذو فوائد كثيرة، أهمها دفعنا إلى الفرار، وتجنّب المخاطر. والخوف أمر يعرفه جميع البشر، سواء كان على شكل توجّس، أو إدراك فعلي لما قد يحيق بنا، مثل الخوف من المصاعد، وتفضيل السلالم عليها، أو تحويل خط السير عند رؤية كلب، أو التردّد في ركوب الطائرة. ونحن في أغلب الأحيان، نتعايش مع هذه المخاوف البسيطة، ونحسن التعامل معها، وهي لا تسبب لنا اضطرابات نفسية وجسدية كبيرة، ونستمر في حياتنا معها بشكل طبيعي، فالطفل الذي يخاف من إجابة المدرّس في الفصل، يصبح بالغاً خجولاً، وربما لن يكون متحدثاً رائعاً أبداً، ولكن هذا لا يمنعه من إيجاد مكانه في المجتمع.
أما الفوبيا، أو الرّهاب، فهي مرض نفسي يتميز بالشعور بالخوف الشديد والمتواصل، من مكان، أو موقف، أو حالة، ولا يتوقف هذا الشعور إلا عند زوال السبب. ولا يقال عن الفوبيا إنها مرض بالفعل، إلا إذا كانت عوارضها شديدة جداً، مثل زيادة ضربات القلب، التعرّق الشديد، وضيق التنفس، فقدان الوعي، وإذا كانت تشكل عائقاً أمام المصاب بها عن القيام بأعماله اليومية المرتبطة بمصدر الخوف، سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد المهني والعلاقات الاجتماعية.
وتختلف الفوبيا عن غيرها من الاضطرابات المرتبطة بالخوف، بأن لها مصدراً محدّداً، وسبباً واضحاً، وليست كالخوف، أو الذعر الذي يصيب الشخص في موقف ما، ثم يزول سريعاً، ولا يترك أثراً. إذا، فالفوبيا مرض نفسي قد يؤدي استمراره من دون معرفة سببه وعلاجه، خصوصاً إذا كانت عوارضه شديدة، إلى اضطراب عقلي، وأمراض بدنية.
أسباب الرهاب أو الفوبيا
ثمة أشخاص يتعايشون مع الرهاب ويعرفون سببه، خصوصاً أولئك الذي يقصدون عيادات الأطباء النفسيين لمعرفة مصدر خوفهم وهلعهم.
ويرى الخبراء، أن معظم أسباب الفوبيا تتوارى خلف صدمات يتعرض لها الشخص في مرحلة الطفولة، فتبقى كامنة في النفس، وتظهر على شكل خوف ورعب غامضين. ومن الأمثلة على ذلك، ما تقوله ليلى البالغة من العمر خمسين عاماً، والتي كانت، وما زالت، تعاني رهابَ المرتفعات بسبب محاولة دفع والدتها لها وهي في السادسة من عمرها من الشرفة في الطابق الثاني، بعد شجار مع والدها، ولولا تشبثها بالحياة، وانتباه والدتها لما تفعله من جنون في اللحظة الأخيرة، لكانت ليلى في عداد الموتى، أو المعطوبين.
وهناك قصة أخرى، يتبيّن من خلالها تأثير صدمات الطفولة في النفس البشرية وتركها تتخبط في دوامة الخوف الشديد طيلة العمر. ويقول أحد الأشخاص، ممن يخافون البحر والعوم فيه، أو حتى الاقتراب منه، إنه اكتشف بعد عمر سبب هذا الخوف الذي يعود إلى سقوطه في بركة ماء وهو في الثالثة من عمره.
من ناحية أخرى، يرى الخبراء في علم النفس، أن الفوبيا تصيب من لديهم استعداد وراثي للخوف والقلق، كما أنها قد ترتبط بالعمر وبالقوة البدنية والحالة الاجتماعية والاقتصادية والجنس؛ فعلى سبيل المثال، النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة برهاب الحيوانات والحشرات، أما الأشخاص الذين تعرضوا للفقر الشديد والعيش، بمستوى اجتماعي متدنٍّ، أو ما زالوا يعانون ذلك، فهم معرضون للإصابة بالرهاب الاجتماعي.
أنواع الفوبيا:
أنواع الفوبيا وأشكالها كثيرة لا تحصى، ولا تُعد، البسيط منها قد يبلغ 6000 نوع، والمحدد قد يفوق 250 نوعاً، وأحدث أنواع الرهاب، النوموفوبيا، وهو الرهاب الذي يصيب الناس، خصوصاً المراهقين، من فقدان الهاتف الجوال الذي تقوم عليه حياتهم، والذي يعني فقدانه تعرضهم للزوال!
ونذكر تالياً بعضاً من أنواع الفوبيا الشائعة:
علاج الرهاب:
هناك طريقتان لعلاج الرهاب؛ الأولى تعالج السلوك الإدراكي، وتجرى في عيادة الطبيب النفسي الذي يمكن أن يكشف السبب، ويحاول علاج المريض من خلال جلسات يستمع فيها إليه، ويُخرج الخوف الكامن في أعماقه.
والثانية تعتمد على الأدوية العلاجية، ومعظمها ينتمي إلى فئة الأدوية المسيطرة على القلق والتوتر، والتي تعالج الاكتئاب، وتساعد على النوم. ويجب على أي مصاب بالفوبيا، مهما كان نوعها، ألا يتناول أي دواء من دون استشارة الطبيب.