من أرض الوطن إلى المريخ... الرياضة تجسد روح الاتحاد الإماراتي
تتجذّر الرياضة في نسيج المجتمع الإماراتي كقيمة، حضارية وإنسانية، تعكس روح الاتحاد التي قامت عليها الدولة منذ أكثر من نصف قرن، فكما وحّد الآباء المؤسسون القلوب والأهداف لبناء وطن واحد، توحّد الرياضة اليوم أبناء الإمارات تحت راية العزيمة، والطموح، والمنافسة الشريفة. فالرياضة ليست مجرّد نشاط بدني، بل أسلوب حياة يجسّد التعاون، والتسامح، والعمل الجماعي، وهي مرآة لقيم الاتحاد الملهم الذي جعل من الإنسان محور التنمية، وصانع الإنجاز.
وكتجسيد لعمق هذا الترابط بين الرياضة والهوية الوطنية، جاءت مبادرة «من أرض الوطن: خطوات إلى المريخ»، والتي انطلقت بمشاركة سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأُسر الشهداء، رئيس اللجنة العليا المنظمة لألعاب الماسترز أبوظبي 2026، وعدد من المسؤولين، لتشجيع المجتمع على قطع مسافة 54 مليون كيلومتر بشكل جماعي – تعبيراً عن المسافة بين الأرض والمريخ – احتفالاً بالذكرى الـ54 لقيام الاتحاد، وتعزيزاً لثقافة الحياة النشطة والصحية لدى جميع فئات المجتمع، وإبراز الرياضة كجزء أصيل من أسلوب الحياة في الإمارات، حيث تُترجم كل خطوة إلى رمز للطموح، والإصرار على التقدّم وبناء مستقبل أكثر حيوية وازدهاراً، وتحوّل الحركة اليومية إلى إنجاز جماعي يعبّر عن روح الاتحاد المستمرة في التقدّم نحو المستقبل. فكل خطوة يخطوها أبناء الإمارات في هذه المبادرة هي امتداد لخطوات الأجداد الذين مارسوا الرياضة بفطرتهم، وجعلوا منها طريقاً للقوة، والصبر، والاتحاد.
فكيف يرى الشباب مساهمة الرياضة في ترسيخ قيم الاتحاد وروح الفريق الواحد في المجتمع الإماراتي عبر الأجيال؟ وإلى أيّ مدى يمكن اعتبار الرياضة في الإمارات امتداداً للقيم الأصيلة التي عاشها الأجداد؟
حياة الأجداد رياضية بطبعها
يعتبر محمود الحوسني أن الإلهام هو إحدى الركائز التي قام عليها الاتحاد، ومن خلالها أصبح شعب الإمارات بطبيعته شعباً مُلهماً وفاعلاً، وأوضح: «نحن نعزّز قيم الاتحاد والتعاون في كل ما نقوم به، وهذه الروح تمتد بطبيعتها إلى الرياضة. ولو عدنا إلى حياة الآباء، لوجدنا أنها كانت حياة رياضية بطبيعتها؛ فالفروسية، والرماية، وسباقات الهجن والبحر، كانت جزءاً من يومهم، ووسيلة قوة وصبر. واليوم، تجد هذه الجذور حاضرة في كل الفعاليات التراثية، لتذكّرنا بأن الرياضة لم تكن هواية فحسب، بل أسلوب حياة، ورسالة ترسّخت في جينات المجتمع الإماراتي».
ورثنا قيمة الفريق الواحد
من جهته، يرى راشد الحوسني أن قصة الاتحاد الإماراتي هي في جوهرها قصة قدرة على تجاوز التحدّيات بروح واحدة، وهذه الروح هي نفسها التي تحتاج إليها الرياضة كي تزدهر «نحن نستمد من الآباء المؤسّسين قيمة «الفريق الواحد»، وهي قيمة لا غنى عنها في كل لعبة رياضية. فقد كان الأجداد يمارسون العديد من النشاطات الرياضية التراثية بوصفها جزءاً من أسلوب حياتهم اليومية، ووسيلة لكسب الرزق والتعايش مع الطبيعة. ومع مرور الزمن، تحوّلت هذه الممارسات إلى موروث شعبي حي، يربط بين الأجداد، والآباء، والأبناء، ويحافظ على هوية المجتمع الإماراتي، ويمنحه أسلوباً صحياً مستداماً».
اكتسبنا من الأجداد عادات يومية صحية
ترى نورة المنصوري أن جملة «ليش لأ» هي الأكثر إلهاماً في قصة الاتحاد، وهي التي صنعت المستحيل في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن هذا المنطلق تقول نورة: «الإصرار على التجربة وتحدّي النفس هما العاملان الملهمان في تقدم واستمرار دولة الإمارات، منذ الاتحاد وحتى اليوم، وهذا الأمر ورثناه من الأجداد، كما ورثنا العادات والتقاليد، الصحية والمستدامة، التي كانت تمارَس في شتى مجالات الحياة، بداية من الغوص، وحتى تسلق الجبال والنخيل، وغيرها من الممارسات التي كانت تعزز الترابط والتلاحم بين أفراد الشعب الإماراتي».
قيمة التسامح تحترم المنافسة
وتوضح موضي وليد: «القيادة الحكيمة، والرؤية الواضحة، وروح التسامح التي قامت عليها دولة الإمارات ليست مجرد مبادئ وطنية، بل هي قيم شكّلت جوهر الاتحاد، ووحّدت أبناءه حول هدف واحد. وهذه القيم نفسها تمتد إلى الرياضة، فهي لا تزدهر إلا بقيادة تُحفّز، وبرؤية تستشرف المستقبل، وبروح تسامح تحترم المنافس، وتقدّر الجهد الإنساني. فالرياضة ليست انتصاراً على الآخر، بقدر ما هي انتصار على الذات، وهي مرآة تعكس وحدة المجتمع، وقدرته على العمل كفريق واحد».
التأمل والتنفس يعززان ثقافة الاتحاد والتجمع
أما مدربة اليوغا شما القمزي، فتبيّن: «منذ قيام الاتحاد، والإمارات تسعى إلى كل ما يوحّد الناس، ويصنع بينهم انسجاماً حقيقياً، مثلما كانوا في الماضي، حيث كانت ممارسات العافية، وتمارين الاستشفاء، التنفس والتأمل، تمارس بشكل عفوي، لأنها تعتمد في الأساس على تجمّع الناس وتقاربهم. فمساحات «الويلنس» ليست مجرّد أماكن لممارسة الرياضة، بل بيئات يولد فيها السلام الداخلي، وتُبنى فيها صداقات حقيقية، ويلتقي فيها أبناء الوطن، بمختلف فئاتهم وأعمارهم، بحثاً عن التوازن والراحة الذهنية. ما نستمده من روح الاتحاد هو أن الرياضة ليست للترفيه فقط، بل لبناء مجتمع قوي متماسك، يحترم التنوّع، ويحتفل بالسلام النفسي والصحة».
مبادرة تجسد قيم الوحدة والاعتزاز الوطني
بدوره، علّق عارف حمد العواني، الأمين العام لمجلس أبوظبي الرياضي، على هذه المبادرة الوطنية، قائلاً: «تعكس المبادرة روح الطموح الجماعي التي تميّز دولة الإمارات، وشعبها، والهدف منها هو إلهام أفراد المجتمع لاعتماد أسلوب حياة نشط، والمشاركة في تحدٍّ جماعي يتجاوز مفهوم اللياقة البدنية، ليصبح تجسيداً حقيقياً لقيم الوحدة، والتقدّم، والاعتزاز الوطني». وأضاف العواني «هذا الحراك يعكس جوهر الرؤية الإماراتية القائمة على الإصرار، وتحويل الحلم إلى إنجاز»، مؤكداً: «معاً نستطيع أن نُظهر للعالم كيف تتحقق الطموحات، حين تتوحد الإرادة، وتُصاغ بخطوات واثقة نحو المستقبل».
