27 أكتوبر 2025

ماتشو بيتشو... مدينة الإنكا التي ما زالت تحتفظ بأسرارها

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في صباح يوم 24 من يوليو 1911، سار حيرام بينغهام، أستاذ التاريخ بجامعة يال وعالم الآثار، عبر الغطاء النباتي الكثيف في سلسلة جبال الأنديز، يرافقه اثنان من سكان الكيتشو الأصليين. كان المستكشف الشاب مقتنعاً تمام الاقتناع بأنه يسير على درب مدينة فيلكابامبا المفقودة، الملاذ الأخير لشعوب الإنكا. لذا، قرر صعود سلسلة من التلال للوصول إلى قمة رهيبة، بدت كأنها سهم مغروس في أعماق وادي أوروبامبا.

 كانت رحلة التسلق طويلة ومحفوفة بالمخاطر. فجأة، ظهرت أمام بينغهام مدينة أخرى غير التي كان يخطط لاكتشافها، وهي مدينة ماتشو بيتشو المتمرّدة. ضل بينغهام طريقه، وغاب بين النبات الكثيف ليكتشف، عن غير قصد، إمبراطورية الإنكا التي أصبحت فيما بعد جزءاً من التراث الثقافي العالمي.

في ذلك الوقت، لم يدرك بينغهام أهمية اكتشافه الذي قدّم  للعالم أحد أعظم ألغاز التاريخ قبل اكتشاف كولومبوس، والتي جعلت الناس يعلمون بوجود مدينة منسية، أدهشت بحضارتها العالم كله.

مجلة كل الأسرة

ماتشو بيتشو... مدينة الإنكا المقدسة

بنيت مدينة ماتشو بيتشو Machu Picchu ، أو القلعة الضائعة، أوقمة الجبل القديمة بلغة الإنكا، في القرن الخامس عشر، وهي تقع بين جبلين من سلسلة جبال الأنديز، على ارتفاع 2340 متراً فوق سطح البحر، وتطل من الجانبين على واد سحيق يرتفع قرابة 600 متر عن سطح البحر، وفي أسفلها يجري نهر أولو بانبا.

وكانت المدينة، التي صنفتها «اليونيسكو» عام 1983ضمن قائمة التراث العالمي كإحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة، مركزاً روحانياً، وموقعاً للرصد الفلكي وتفسير العلامات السماوية.

منازل المدينة منسقة بعناية، وجدرانها مغطاة بأوراق الشجر، لذا كانت بحضارتها وتنظيمها وبنائها البديع متوارية عن أنظار العالم وسط السحب.

وما يميّز ماتشو بيتشو، إلى جانب روعة المكان، أنها مبنية بأسلوب عصري لا يتفق مع تلك الحضارة القديمة التي لم يعرف الناس فيها كيف يخطّون بالقلم!

شوارع المدينة صغيرة وأنيقة، وفيها أبنية، وقصور، ومعابد، وحدائق، وقنوات ري، وأحواض استحمام، وما يثير الدهشة أن المدينة بأكملها مبنية بأحجار كبيرة، رصّت فوق بعضها بعضاً، من دون مادة تثبتها.

ولا يعرف العلماء أو الباحثون تاريخ بناء مدينة ماتشو بيتشو بالتحديد، وأغلب الظن أنها لم تكن مخصصة للعيش بقدر ما كانت  مكاناً لتقديم القرابين للشمس! ولا أحد يعرف لمَ ظلت المدينة مخفية، ولم يتكلم عنها أحد حتى اكتشاف بينغهام لها بالمصادفة، على قمة جبل محاط بالغابات والأسرار.

مجلة كل الأسرة

مقصد سياحي بامتياز

منذ فتحها للعامة، أصبحت ماتشو بيتشو من أبرز الوجهات السياحية في العالم، إذ تستقطب سنوياً، أكثر من نصف مليون زائر.

و في يونيو 2024، أعلنت وزارة الثقافة في البيرو اعتماد عشرة مسارات جديدة داخل المدينة، بهدف تخفيف الازدحام، وتسهيل وسائل زيارتها وسط الإقبال السياحي الكبير، مع الحفاظ على سلامة معالمها الأثرية.

وخلال العام الجاري، تم تحديد عدد الزوار بـ 5,600 زائر في أوقات الذروة، و4,500 زائر في الأوقات العادية، ضمن إجراءات الحفاظ على هذا الموقع الأثري، والحد من التأثيرات السلبية لكثافة الحركة السياحية.