 
                
            
    
         
    في قلب كسروان حيث تتلاقى زرقة البحر بخضرة الجبل، تقف جونيه مدينة لا تعرف السكون، وتجمع بين التاريخ والحداثة، وبين الترفيه والروحانية، وبين النشاط والحياة الهادئة، والفكر والثقافة.
 
                
            
    
         
    إنها لوحة طبيعية نادرة، بحاراتها التراثية، وعمرانها الذي يعكس التنوع الجميل في لبنان، من الحجر الصخري، والقناطر، وأسطح القرميد، إلى البناء الفخم والعصري.
 
                
            
    
         
    وتمتد ربوع جونيه وأرجاؤها من نهر الكلب مدخل كسروان، ومغارة جعيتا، أعجوبة الطبيعة اللبنانية، إلى حريصا، مروراً بخليجها الخلاب، والمواقع التي تجعل منها قلب السياحة النابض في لبنان، وانتهاء بالساحل الفريد، حتى مدخل جبيل الذي يتربع عليه كازينو لبنان.
 
                
            
    
         
    تبدأ أيّ رحلة في ربوع جونيه من نهر الكلب، متحف الهواء الطلق، فعلى ضفافه عشرات اللوحات والنقوش الأثرية التي تؤرّخ لحضارات تعاقبت على لبنان، من الفراعنة، والآشوريين، والرومان، إلى العثمانيين والفرنسيين. ويشكل النهر المدخل الجغرافي والثقافي، وصولاً إلى جونيه، مثلما يقول عضو المجلس البلدي، ومسؤول اللجنة السياحية والإدارية في بلدية جونيه، فادي فياض، الذي يعتبر هذا النهر «بوابة لهوية لبنان».
ما إن تتابع الرحلة حتى تبدأ جونيه تتكشف لوحة فنية، ولعل أجمل ما فيها يراه المرء بأم عينيه إذا ما أطل عليها من جبل حريصا، مكان تمثال سيدة لبنان، الذي يشرف على جونيه وخليجها من علو 550 متراً، حيث تظهر لوحة عمرانية قرميدية حمراء إلى جانب الشاطئ، وتعلوها سجادة خضراء بالطول والعرض، وبكل المقاييس، الخلّابة والنادرة.
 
                
            
    
         
     
                
            
    
         
    وقد تتكرر المشاعر نفسها من خلال الرحلة بالتلفريك من الشاطئ صعوداً إلى حريصا، وبالعكس من هناك نزولاً إلى نقطة الانطلاق، حيث يقول فياض لـ«كل الأسرة» إن «هذه الرحلة تجربة بحد ذاتها، فالمرء سيمرّ خلالها فوق الغابات، والمنازل، والساحل، صعوداً ونزولاً، وذهاباً وإياباً، حيث يمتد الخليج حزاماً أزرق يعانق الجبل، في مشهد يأسر الأنفاس، ويترك أثراً لا يُنسى في الذاكرة.
 
                
            
    
         
    خليج جونيه
ويُعد خليج جونيه من أجمل الخلجان ليس في لبنان فقط، بل في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهو يمتد على طول خمسة كيلومترات، من نادي ATCL جنوباً حتى كازينو لبنان شمالًا، عند مدخل طبرجا. وعلى طول هذا الشريط تنتشر المؤسسات السياحية بشكل كثيف، حيث تضم المنطقة من نهر الكلب إلى حالات أكثر من 200 مؤسسة سياحية، يقع نصفها تقريباً في جونيه.
 
                
            
    
         
    وحسب فياض فإن «المياه هنا صافية، والشواطئ نظيفة، وتُمارس فيها رياضات بحرية متنوّعة: السباحة، والجت سكي، والطيران الشراعي البحري، وتأجير اليخوت للرحلات الخاصة»، مضيفاً: «خليج جونيه هو القلب النابض للسياحة البحرية في لبنان، والمحرّك الأساسي للاقتصاد في كسروان».
 
                
            
    
         
    وعلى ساحل منطقة الكسليك في جونيه، يبرز نادي ATCL العريق الذي تأسس على يد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، والذي يُعد أول نادٍ لليخوت في لبنان، ويضم مرسى يتسع لأكثر من 500 يخت، إلى جانب ملاعب تنس، ومسابح، ومطاعم، ونشاطات رياضية وثقافية، على مدار السنة. والجدير بالذكر أن هذا النادي ليس مجرّد موقع رياضي، بل إنه رمز للحياة السياحية والبحرية المتكاملة، ويُعد مقراً لتنظيم رالي لبنان الشهير، أحد أبرز النشاطات الرياضية في منطقة الشرق الأوسط.
 
                
            
    
         
    ويلفت فياض إلى أن «من أبرز المشاريع الحديثة التي تعيد رسم الخريطة السياحية للبنان إعادة تشغيل مرفأ جونيه السياحي، وإعادة افتتاحه رسمياً في 9 سبتمبر 2025، بعد سنوات طويلة من التوقف، في خطوة نوعية تهدف إلى تعزيز الربط البحري بين لبنان وقبرص». ويؤكد أن «أول رحلة سياحية بحرية ستنطلق إلى لارنكا في إبريل 2026، وستستغرق ذهاباً وإياباً، نحو أربع ساعات ونصف الساعة»، موضحاً أن «هذا المرفأ سيكون قادراً على استقبال رحلات بحرية تتسع لـ 400 راكب، ما سيشكّل نقلة نوعية في السياحة الإقليمية، حيث من المتوقع أن يُعيد للبنان دوره محطة بحرية محورية في حوض المتوسط».
 
                
            
    
         
     
                
            
    
         
    أما محلة المعاملتين في جونيه، فتتميز بكونها مركزاً نابضاً بالحياة الليلية، من المطاعم، والفنادق، إلى النوادي الليلية، وتشهد حركة سياحية متنوعة وكثيفة على مدار الساعة، وطيلة ساعات النهار والليل. أما كازينو لبنان، الذي يحد جونيه من شمالها، والمشيّد على تلة مطلّة على البحر، فإنه منذ افتتاحه عام 1959 بقي معلماً فريداً يرمز للترف والحياة الراقية، حيث يقدّم عروضاً فنية عالمية، وفيه مطاعم راقية، وهو ليس مكاناً للعب فقط، بل وجهة للباحثين عن ترفيه راقٍ، وثقافة فنية متجدّدة.
 
                
            
    
         
     
                
            
    
         
    جونيه القديمة
يمتد الطابع المعماري لجونيه من الحداثة إلى التراث في السوق القديم، حيث تتوزع البيوت التراثية ذات الأسطح القرميدية، والشبابيك المزخرفة، والقناطر، والمندلون، لتشكل مشهداً ساحراً من الأصالة اللبنانية. وأجمل المناظر لها من فوق، من حريصا، وغوسطا، وبكركي وشننعير. وينقسم السوق إلى أقسام عدّة، أبرزها: من بن أبي نصر إلى الساحة، وهو مخصص للمشاة فقط، ويحتضن المطاعم، والمقاهي، ومختلف أنواع المؤسسات السياحية. أما من الساحة حتى الشير فيبقى السوق مفتوحاً أمام السيارات، مع الحفاظ على الطابع التجاري.
 
                
            
    
         
    وأما شارع ATCL فهو مخصص للمشاة والمطاعم، ليُشكل متنفساً عائلياً آمناً ونشيطاً. وفيما يستمر سوق الكسليك السوق التجاري الأساسي، فإن الجهود تتركز على إحداث نقلة نوعية في سوق المعاملتين، ليغدو نموذجاً للواحة السياحية الرائدة للفنادق، والمطاعم، والسهر، والملاهي، ولقدوم السياح والزوار من مختلف الدول.
 
                
            
    
         
    ولا تكتمل فصول الحركة السياحية في جونيه وحاراتها، من صربا إلى غدير وحارة صخر وساحل علما، إلا بالطيف الواسع من الفنادق والمطاعم في هذه المدينة، والتنوع في أنماط السياحة المتوافرة، وفي طليعتها مطاعم السمك الطازج المنتشرة على الساحل، والتي تقدم تجربة لبنانية أصيلة، بنكهات متوسطيّة مميّزة.
 
                
            
    
         
    وفي الصيف تتحوّل جونيه إلى مسرح مفتوح عبر مهرجانها الدولي الذي افتُتح مراراً بإضاءة الخليج بالمفرقعات، واستضاف نجوماً عالميين. وتُقام المهرجانات والنشاطات الثقافية والمباريات الرياضية في مجمع فؤاد شهاب، ما يشكل جزءاً من الحركة السنوية في هذه المدينة التي تزخر بالمؤسسات العريقة ثقافياً، وإعلامياً، وتربوياً، وجامعياً.
 
                
            
    
         
    ويشير فياض إلى أن «مسك ختام الحركة السياحية يتركز في السياحة البيئية وسط الطبيعة الخلّابة ورحلات المشي، من الساحل إلى حريصا وجوارها، خصوصاً في دروب ساحل علما وأدراجها»، ويشير إلى أن «بلدية جونيه حسمت القرار لجهة تطوير السياحة المستدامة، والحفاظ على البيئة، وإعادة إحياء الهوية التراثية، وتقديم تجربة متكاملة للزوار: من إعادة افتتاح الخط البحري، إلى تحسين الأسواق، وإعادة تنشيط المهرجانات، وإعادة افتتاح الشواطئ العامة، وتطوير المرافق الرياضية، وإطلاق الحركة الاقتصادية... وكلها خطوات ستؤسس لنهضة سياحية جديدة».
اقرأ أيضاً:
- بلدات جبل لبنان... مهرب الباحثين عن البرودة والجمال في عز الصيف
- رحلة في قلب الشوف اللبناني... بين الأزر والصنوبر والقصور والينابيع
إعداد: شانتال فخري
 
                                