
ما الذي يصنع تجربة جامعية لا تُنسى؟ هل هو تفوّق في مادة، أم صديق يُشاركك القهوة والحنين، أم لحظة تقف فيها أمام جمهور لتعريفهم بثقافتك لأول مرة؟
في جامعات تحتضن تنوعًا إنسانيًا هائلًا، يبدو أن الجواب يتجاوز حدود الصفوف والمحاضرات. فهُناك، في الأندية الطلابية، تُنسج قصص الانتماء، ويُعاد اكتشاف الذات في مرآة الآخر.
وسط عالم أكاديمي متعدد الجنسيات، تلعب الأندية الطلابية في الجامعة الأمريكية في الشارقة دوراً أعمق مما يبدو على السطح. إنها ليست مجرد جداول أنشطة أو لافتات زاهية، بل فضاءات نابضة بالحياة تُعبّر عن الهويّة والانتماء، وتتيح للطلبة تشكيل صداقاتهم، وتوسيع آفاقهم، وإعادة اكتشاف أنفسهم من خلال عيون الآخرين.

ففي مثل هذه البيئة المتنوعة، لا تُقاس التحديات فقط بمستوى التحصيل الأكاديمي، بل بمدى قدرة الطالب على التفاعل مع من حوله، والانخراط في مجتمع يُشبهه في تطلعاته، حتى وإن اختلفت أصوله. وهنا، تبرز الأندية الطلابية كجسر حيوي، لا يربط الطلبة بثقافاتهم فقط، بل يربطهم ببعضهم بعضاً، من خلال أنشطة ومبادرات تصنع من التعدد نسيجاً متكاملاً وهوية جامعة.
وفي هذا التحقيق، نرافق عددًا من الطلبة الذين جعلوا من الأندية الطلابية مساحة للتعبير والانتماء، ومن النشاطات مساحة للتعلّم، ومن التنوّع فرصة للتقارب الحقيقي.

الاحتواء هو البداية
تقول صبا الأنصاري، طالبة من البحرين، «منذ وصولي إلى الجامعة، شعرت أن علينا كطلبة بحرينيين أن نبقى على تواصل دائم، رغم أننا قلة. أسّسنا النادي البحريني لنكون مساحة نتحدث فيها بلهجتنا، ونحيي تقاليدنا، ونشارك في المناسبات، ونقف معاً في الأوقات الصعبة. النادي لم يكن للترفيه فقط، بل للحفاظ على الهوية، وكسر شعور الغربة. كنّا نحتفل، نصوم، نضحك، وندعم بعضنا كأننا عائلة واحدة. كما حرصنا على تعريف الآخرين بثقافتنا. في النهاية، لم يعد الوطن بعيدًا، بل أصبح أقرب مما نظن، بفضل هذا النادي».

نحن سفراء لوطننا
أما أنس خليفان، طالب سعودي، فيؤكد «النادي الثقافي السعودي هو منصتنا لتمثيل المملكة بصورة حديثة. نُعرّف الآخرين على مناطق المملكة، فنونها، أطباقها، وحتى موسيقاها. نكسر الصور النمطية، ونبرز روح الانفتاح والتطور التي تعيشها السعودية اليوم. أما بيننا كطلبة سعوديين، فالنادي يعزز التقارب، ويخلق بيئة حوار وتعاون. نشعر بالفخر، لأننا لا نحكي عن وطننا فقط، بل نشارك ثقافته، ونجعلها حاضرة ومتفاعلة داخل الحرم الجامعي».

نحمل تراثنا ونقدّمه تجربة حيّة
ويشدد مروان القاضي، طالب إماراتي، على أهمية هذا الملتقى في عكس هوية الوطن «في كل فعالية طلابية، نحاول تقديم جوانب من الثقافة الإماراتية، لا عبر الكلمات، بل من خلال التجربة المباشرة. خلال ملتقى الأندية، قدّمنا نموذجًاً لعرس إماراتي، بكافة طقوسه من القهوة واللباس والموسيقى. الهدف لم يكن العرض فقط، بل خلق حوار ثقافي وتقدير متبادل. ونحرص على دعم الطلبة الجدد، ومدّ يد العون للجميع. النادي بالنسبة لنا مسؤولية ثقافية واجتماعية، وليس مجرد نشاط طلابي».

من العزلة إلى التفاعل
حولت ميليسا، طالبة جزائرية، الشعور بالعزلة بسبب قلة عدد الطلبة الجزائريين، إلى ساحة من التفاعل والاندماج، وتوضح «النادي الجزائري وحّدنا، وفتح أبوابه لطلبة من ثقافات أخرى. من خلال مشاركاتنا، أصبحنا جزءاً من الحياة الجامعية النشطة، نُعرّف الآخرين بثقافتنا المتنوعة، ولهجاتنا، وموسيقانا. النادي جعلنا أكثر انفتاحاً، وساعدنا في بناء علاقات تسهم في صقل شخصياتنا، وتعزز من قدرتنا على التفاعل في مجتمع متعدّد الثقافات كالإمارات».
نشر البهجة والانفتاح
لفت تيّام العمري، طالب لبناني، للحالة التي يقدمها النادي الثقافي اللبناني، وتعكس روح شعب يحب الحياة، قائلاً «نقدم فعاليات زاخرة بالطاقة، من الطعام اللبناني، إلى الموسيقى والدبكة. نحرص على نقل طابعنا اليومي، ونُظهر أن التواصل الثقافي يمكن أن يكون احتفالاً. النادي ليس فقط وسيلة للتعريف بلبنان، بل لنشر الإيجابية والانفتاح. هو مساحة لقاء واكتشاف، تجعل من لبنان وجهاً مألوفاً للطلبة من كل مكان».

لسنا غرباء بل أبناء حضارة
من جانبه، يوضح عبدالقادر التكريتي، طالب عراقي، «الثقافة العراقية ليست ماضياً يُحكى عنه، بل حاضر نحمله بفخر. النادي الثقافي الذي أنتمي إليه يُعرّف الطلبة بإرث العراق الحضاري، من الأدب والموسيقى إلى العلوم والفنون. نذكّر أنفسنا وزملاءنا بتاريخ العراق المشرق، لا ذاك الذي تشوّهه الظروف. مشاركتنا في الفعاليات تجعلنا نشعر أننا لا نعيش في غربة، بل نمثل حضارة حيّة، أسهمت في بناء الذاكرة العربية والإنسانية».

أنشطة الأندية الطلابية امتداد للتعلم
من جهتها، تشير شيماء بن طليعة، نائب مدير الجامعة للتجربة الطلابية في الجامعة الأميركية في الشارقة، أن معرض الأندية الطلابية من أبرز الفعاليات التي تُجسد حيوية الحرم الجامعي وروح المبادرة لدى الطلبة، وتبين أن «معرض الأندية ليس مجرد حدث ترويجي، بل منصة تفاعلية تمكّن الأندية من عرض أنشطتها، واستقطاب أعضاء جدد، وتعزيز حضورها ضمن مجتمع الجامعة. ما يسعدنا هذا العام هو الزيادة الملحوظة في عدد الطلبة المشاركين، حيث ارتفعت بنسبة 11% مقارنة بالعام الماضي، ما يعكس شغفاً متزايداً بالمشاركة والتفاعل. نحن نؤمن بأن التعلم لا يقتصر على قاعات المحاضرات، بل يشمل أيضاً بناء مهارات الحياة، والعمل الجماعي، والانخراط في بيئة متعددة الثقافات. الأندية الطلابية تلعب دوراً أساسياً في خلق هذه التجربة المتكاملة، وتُسهم في صقل شخصية الطالب الجامعية، وتفتح له أبواباً للتعبير والنمو خارج الإطار الأكاديمي التقليدي».