حقق المعماريان عبدالله عباس وعمر درويش نجاحاً في مشروعهما المبتكر «متى تصبح العتبة فناء»، ليشكّلا علامة فارقة في النسخة الجديدة من جائزة الأشغال المدنية، ضمن أسبوع دبي للتصميم. فقد حملت المسابقة هذا العام عنوان «الفناء»، بوصفه نموذجاً مكانياً ارتبط عبر التاريخ بالتجمع، والتأمل، وتنظيم المناخ، ودعت المشاركين إلى إعادة صياغته كفضاء معاصر يستجيب لاحتياجات المجتمع في التفاعل، الحركة، الاستراحة، واستراتيجيات التكيّف مع البيئة.
وتُعد الجائزة أحد البرامج الرئيسية لأسبوع دبي للتصميم، الذي سيُقام بين 4 و9 نوفمبر 2025، برعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، (دبي للثقافة)، لتوفر منصة سنوية للمعماريين والمصممين يستعرضون من خلالها حلولاً مبتكرة، تثري الحياة اليومية، وتؤكد مكانة التصميم كأداة فاعلة للتغيير والتواصل المجتمعي.
إعادة تخيّل الفناء
وقد فاز استوديو التصميم والأبحاث الإماراتي «شكل من أشكال العمل» (Some Kind of Practice)، الذي أسسه عمر درويش وعبدالله عباس، بجائزة هذا العام عن مشروعه، وهو بعنوان «متى تصبح العتبة فناء؟»، ويقوم المشروع على إعادة قراءة «الحوش» الإماراتي كفضاء متحوّل، يتكون تدريجياً عبر الزمن. وخلال حوارهما مع «كل الأسرة»، تحدثا عن معنى العتبة، ومتى تتحوّل من مجرّد حدّ، إلى فضاء اجتماعي، حيث قال عبدالله عباس: «الحوش الإماراتي كان نقطة البداية. على عكس الأفنية في مصر، أو سوريا، أو السعودية، الحوش هنا لم يُخطط كفناء هندسي صارم، بل نشأ بدافع الضرورة، وكان يتشكّل عبر جدران متحركة، عتبات مفتوحة، و«ليوان» كمساحة انتقالية. هذا الطابع العملي والعفوي ألهمنا كثيراً».
العتبة ليست مجرد مدخل للبيت
أما عمر درويش، فقد تحدث عن سبب اختيار الحوش كمشروع للمسابقة، وأوضح: «العتبة بالنسبة إلينا ليست مجرّد مدخل، أو فاصل بين الداخل والخارج.. هي مساحة وسيطة يمكن أن تتحوّل إلى قلب الفضاء، إلى مكان للتجمع والشعور بالانتماء. مشروعنا يطرح سؤال: متى تتوقف العتبة عن كونها حاجزاً، وتصبح فناء يُستخدم اجتماعياً؟».
وأضاف: «خلال بحوثنا الميدانية في الإمارات، رصدنا كيف استخدم البنّاؤون المواد المتاحة: الحجر، الخرسانة، سعف النخيل، الصفائح المعدنية... كل بيئة — ساحلية، صحراوية، أو جبلية — تركت بصمتها على شكل الفناء. نحن أردنا أن نواصل هذا المنهج، ليس بفرض أشكال جاهزة، بل بتجميع عناصر تسمح للمكان بأن يتشكل عبر المناخ والحرفية والمجتمع».
خلق فناء يسمح بالمرونة والتكيف
وحول تخيّلهما للشكل الأخير للحوش، أكد عبدالله عباس: «نؤمن بأن التصميم ليس صياغة نهائية، بل عملية حوار. لذلك سعينا لخلق فضاء يسمح بالمرونة، والتجميع، والتكيف. العتبة تتحول تدريجياً إلى فناء عبر الاستخدام البشري، والتفاعل مع المناخ. وبالنسبة إلينا، التصميم هنا أداة للكشف، وإعادة الاعتبار للممارسات المحلية غير الموثقة.
من جهة أخرى، نحن لا نريد الفناء مكاناً ساكناً، أو للجلوس فقط. العتبة/الفناء فضاء متعدّد الوظائف: للحركة، للتوقف، للظل، للتجمع، وربما حتى للفعاليات. نراه بيئة حية، وليس مجرّد عنصر معماري جامد، لذلك اعتمدنا على إدخال عناصر مثل العريش والصفائح المعدنية بجانب الحجر، مع معالجة الظلال والفتحات، لخلق توازن بين الخصوصية والانفتاح. النتيجة فضاء انتقالي مفتوح للتأويل والاستخدامات المتعددة».
قراءة تحليلية
وأخيراً يطمح عبدالله عباس وعمر درويش، إلى إعادة تعريف جذرية للفناء، ليس كمجرد شكل معماري ثابت، بل كمنظومة متطورة من التفاعلات بين الداخل والخارج، الخاص والعام، الثابت والمتحوّل. العتبة هنا تتحول من حدّ إلى مركز، ومن فاصل إلى فضاء مشترك، ما يجعلها انعكاساً حياً لثقافة المكان، واحتياجات المجتمع المعاصر.
واختتم عبدالله عباس حديثه قائلا: «أطمح إلى أن يكون هناك بصمة وهوية للمنازل الإماراتية، بحيث نعيد تعريف الفضاءات السكنية بما يعكس روح المكان وثقافته. من الهام أن يكون هناك قاسم مشترك يعزز تعريف البيوت الإماراتية، ويعيد إليها هويتها المفقودة أحياناً، وسط العولمة، والأنماط المستوردة. مشروعنا محاولة لفتح هذا النقاش، وإبراز أن تصميم البيت يمكن أن يكون امتداداً للذاكرة المجتمعية، لا مجرّد بناء وظيفي».