04 أغسطس 2025

د. حسن مدن يكتب: موسيقى في الشارع

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

مجلة كل الأسرة

يُصادفنا في الكثير من شوارع المدن التي نزورها، أو في مداخل محطّات القطار أو المترو فيها، عازفون موسيقيون، وأحياناً مؤدّون لأغانٍ، يقدّمون ألحاناً معروفة، تستوقف المارّة، أو الكثيرين منهم، وفي النتيجة يتبرّعون بمبالغ قليلة يلقونها في وعاء، أو على منديل يضعه العازفون أمامهم عادة، كمكافأة على المتعة التي وفّرها العازفون لهم، علّ تلك المبالغ البسيطة تساعدهم على تدبّر أمور حياتهم.

هناك علاقة أخرى تجمع الشارع بسماع الموسيقى، هي راديو السيارة التي نقودها منفردين، أو بصحبّة أحبّة وأصدقاء، بخاصة في الرحلات الطويلة، حيث يطيب لنا سماع ما تبثّه الإذاعات المختصة بالموسيقى من أغانٍ وألحانٍ نحبّها، وبتوفّر الوسائل والمنصّات الجديدة، لم يعد الراديو وحده وسيلة الاستماع للغناء والموسيقى ونحن في السيارة، فمنصّة مثل «يوتيوب» تتيح لنا اختيار ما يطيب لنا سماعه من أغانٍ، أو موسيقى تبعث المتعة في نفوسنا ونحن نقطع المسافات بالسيارة.

ولم يعد وصول الموسيقى إلينا مقتصراً على العازفين على أرصفة الشوارع، أو في مداخل المترو، أو من محطّات الإذاعة في سياراتنا، وإنما باتت تأتينا من إسفلت الشارع نفسه الذي فوقه تسير السيّارات. ها هي أكاديمية الفنون الجميلة في إمارة الفجيرة بدولة الإمارات، تطلق مشروع «الشارع الموسيقي»، لأول مرة، لا في الإمارات وحدها، وإنمّا في كلّ الدول العربية، ويمتدّ الشارع على مسافة 750 متراً، عند مدخل مدينة الفجيرة، يمنح السائقين والركّاب تجربة موسيقية فريدة، حيث تعزف عجلات السيارات عندما تمرّ على الطريق نغمات من المقطوعة الشهيرة للسيمفونية التاسعة للموسيقار العالمي بيتهوفن.

يأتي هذا المشروع النوعي ضمن مبادرات الأكاديمية «لتعزيز الفنون في الفضاء العام، ودمج الموسيقى في تفاصيل الحياة اليومية، بأسلوب مبتكر لجعل الفنون جزءاً من الحياة اليومية، وتقديم تجربة فريدة تلامس حواس الناس في أماكن غير تقليدية».

أتت فكرة الشارع الموسيقي أولّ مرة، على المستوى العالمي، في ذهن أحدهم. سبب ما، أو ملاحظة أخذت به إلى جعل الموضوع أمراً واقعاً. حدث ذلك في اليابان عام 2007، ولم يكن لفكرة جاذبة مثل هذه أن تظلّ في اليابان وحدها. على الخطى نفسها سارت كوريا الجنوبية، الدنمارك، الولايات المتحدة، وهولندا، وها هي الفجيرة بالإمارات تنضمّ إلى القائمة.

تقوم فكرة الشارع الموسيقي على حفر أخاديد، أو شقوق دقيقة على سطح الطريق بمسافات مدروسة بعناية، وعندما تمرّ إطارات السيارة فوق هذه الأخاديد بسرعة معينة (عادة بين 40 و60 كم/س)، تهتز السيارة، وتصدر أصواتاً متناغمة تشكل لحناً موسيقياً يمكن سماعه بوضوح داخل السيارة، وكلّما تغيرت المسافة بين الأخاديد، تغيّرت النغمة، وبهذه الطريقة يمكن «عزف» لحن معيّن أثناء القيادة.

بمقدار ما تُسهم فكرة الشارع الموسيقي في تعزيز الثقافة الموسيقية بين سائقي السيارات وتطوير ذائقتهم، كجزء من سياق أشمل في المجتمع، فإنها تضفي متعة على القيادة، وتثير فضول السائقين والسياح، وتشجع السائقين على الالتزام بالسرعة المحدّدة لسماع اللحن بشكل صحيح. يؤدي ذلك إلى الحدّ من الحوادث أيضاً، وندرك أهميّة ذلك حين نقرأ أنّ 68% من الحوادث المرورية في كوريا الجنوبية، مثلاً، تعود إلى عدم الانتباه، والإسراع في القيادة.

مع الوقت، سرعان ما أصبحت شوارع الموسيقى معالم سياحية يقصدها الزوّار للاستمتاع بالتجربة.