بين الاستدامة والكلفة والأداء... أسباب التحوّل إلى قيادة سيارة كهربائية

بين استدامة البيئة والتطوّر التكنولوجي، لم يعُد الحديث عن السيارات الكهربائية مجرّد ترفٍ مستقبلي، بل أصبح واقعاً يتجسّد في الشوارع، والمواقف، والمنازل، مدفوعاً بأسباب جوهرية عدّة.

في هذا الإطار، تؤيد يارا محمد (معلّمة)، بشدة، السيارات الكهربائية، فإضافة إلى أنها صديقة للبيئة، وتقلّل من الانبعاثات الكربونية، فهي تقلّل تكاليف التشغيل والصيانة على المدى الطويل، كما ترى أن التخلي عن السيارات التقليدية ضرورة حتمية للحفاظ على كوكبنا للأجيال القادمة.

أما سالم أحمد (رائد أعمال)، فهو يفضّل السيارات التقليدية، ويقول: «يتمسك البعض بالسيارات التقليدية لأسباب تتعلق بالموثوقية، وسهولة التزوّد بالوقود، بخاصة في المناطق التي لا تتوفر فيها بنية تحتية كافية لشحن السيارات الكهربائية.، فأنا أجد في صوت المحرك والتجربة الكلاسيكية للقيادة متعة لا تعوّضها السيارات الكهربائية الصامتة».

ويرى أحمد الأنصاري (صحفي)، أن اختيار نوع السيارة يجب أن يعتمد على نمط حياة الشخص، واحتياجاته. فمثلاً، السيارات الكهربائية مثالية للتنقل داخل المدن، أو الرحلات القصيرة، بينما تبقى السيارات التقليدية خياراً أفضل للسفر الطويل، أو في الأماكن ذات البنية التحتية المحدودة. وبالنسبة إلى هؤلاء، لا ينبغي أن يكون الانتقال شاملاً، أو إلزامياً، بل تدريجياً ومدروساً.

من جهته، يسلط خبير السيارات الكهربائية، شياو فينج، المدير العام لشركة شانجان للسيارات في الشرق الأوسط وإفريقيا، الضوء على أبرز مميّزات المركبات الكهربائية، والتحدّيات والحلول المتعلقة بالاستخدام اليومي، بخاصة في المدن ذات الكثافة المرورية العالية.
كفاءة المركبات الكهربائية في المدن المزدحمة
تقدم المركبات الكهربائية حلاً مثالياً للتنقل اليومي في المدن المكتظة، والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وهي مثالية لحركة المرور المتقطعة، فتسهم تقنيات القيادة بدواسة واحدة في تسهيل تجربة القيادة من خلال السماح للسائق بإبطاء المركبة، أو توقيفها، باستخدام دواسة الوقود فقط، ما يقلل الحاجة المتكرّرة لاستخدام المكابح. كما تعزز تقنيات مساعدة السائق المتقدمة، مثل الكبح التلقائي في حالات الطوارئ، ونظامَي تمييز المشاة والتحكم الذكي بالسرعة، من السلامة والراحة في بيئات المرور الكثيفة. وهناك شركات، مثل ديبال، تعمل على تصميم مركباتها الكهربائية لتواكب أسلوب حياة سكان المدن العصرية، من خلال دمج الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مع أنظمة الترفيه والمعلومات، وخيارات الاتصال السلسة، لدعم المهام اليومية، والملاحة، وإدارة الطاقة، لتصبح أكثر ذكاء وسلاسة، وصديقة للبيئة.

مدة شحن المركبة الكهربائية بالكامل
تختلف مدة الشحن بشكل كبير حسب نوع الشاحن، وسِعة بطارية المركبة. فباستخدام شاحن منزلي يعمل بالتيار المتردّد (AC) بقدرة تتراوح بين 7 و11 كيلوواط، تستغرق عملية شحن البطارية بالكامل نحو 6 إلى 8 ساعات، ما يجعلها حلاً مثالياً للشحن الليلي في المنزل، حيث تكون السيارة مشحونة بالكامل، وجاهزة للانطلاق كل صباح بأقلّ جهد ممكن.
أما الشواحن السريعة التي تعمل بالتيار المستمر (DC)، والتي عادة ما تتوفر في الأماكن العامة مثل مراكز التسوق، أو استراحات الطرقات السريعة، فهي قادرة على شحن المركبة حتى 80% خلال نحو 30 إلى 45 دقيقة. ويُعد هذا الحل مثالياً للسائقين أثناء التنقل، أو خلال الرحلات الطويلة. أما الشواحن فائقة السرعة، والتي تبدأ قدرتها من 150 كيلوواط وأكثر، فيمكنها تقليص وقت الشحن بشكل كبير، وغالباً ما تتمكن من شحن المركبة من 10% إلى 80% خلال أقل من 20 دقيقة، حسب قدرة الشحن القصوى للمركبة.
توفر محطات شحن المركبات الكهربائية في المناطق السكنية
شهدت البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، بدعم من المبادرات الوطنية الرامية إلى تسريع التحوّل نحو التنقل الكهربائي. فعلى سبيل المثال، قامت دولة الإمارات بتركيب أكثر من 800 محطة شحن عامة، حتى عام 2024، مع خطط لتجاوز حاجز 1,000 محطة بحلول نهاية 2025. وتم توزيع هذه المحطات بشكل استراتيجي في المراكز التجارية، والمجمعات السكنية، والمباني الحكومية، ومحاور النقل الرئيسية. وقد أطلقت دبي وحدها أكثر من 350 نقطة شحن ضمن مبادرة «الشاحن الأخضر»، من هيئة كهرباء ومياه دبي، (ديوا).

تأثير درجات الحرارة الشديدة في أداء البطارية
قد تؤثر درجات الحرارة، المرتفعة أو المنخفضة، بشدّة، في كفاءة بطاريات المركبات الكهربائية، وتختلف بحسب تصميم البطارية وأنظمة الإدارة، وكمية التعرّض للعوامل البيئية. في المناخات الباردة، يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المنخفضة إلى تقليل سعة البطارية، مؤقتاً، وإبطاء سرعة الشحن بسبب انخفاض النشاط الكيميائي داخل خلايا البطارية. وعلى العكس، في المناخات الحارّة، مثل الخليج العربي، يكمن التحدّي في التحكم بحرارة البطارية، حيث قد تؤثر درجات الحرارة المرتفعة في الأداء العام للسيارة، وتؤدي إلى تسريع تهالك البطارية.
الفوائد البيئية للمركبات الكهربائية
تحسين جودة الهواء: لا تنتج المركبات الكهربائية أيّ انبعاثات من العادم أثناء التشغيل، ما يسهم مباشرة في تقليل التلوث الهوائي، بخاصة في المدن المكتظة التي تعاني الازدحام المروري.
كفاءة عالية في استهلاك الطاقة: تتميز المركبات الكهربائية بكفاءة طاقية تتراوح بين 85 و90% من الطاقة المستخدمة، مقارنة بـ20-30% فقط، في مركبات الوقود التقليدي.
تقليل البصمة الكربونية: حتى عند شحنها باستخدام كهرباء من مصادر غير متجدّدة، تظل المركبات الكهربائية أقل تلويثاً.
المركبات الكهربائية تقلّل الانبعاثات الكربونية داخل المدن
تُنتج المركبات الكهربائية انبعاثات صفرية من العادم. وهذا يعني أنه حتى عند التوقف في الزحام، أو الانتظار عند إشارات المرور الحمراء، فإن المركبات الكهربائية لا تُلوّث الهواء المحيط بها.
وكلما زاد عدد المركبات الكهربائية على الطرق مقابل سيارات محركات الاحتراق، أصبح التأثير الإيجابي في جودة الهواء بالمدن أكثر وضوحاً.
كفاءة القيادة النظيفة من حيث الكلفة على المدى الطويل
توفر المركبات الكهربائية بين 20% و50% من إجمالي تكاليف التشغيل طوال فترة استخدام المركبة. ومع تقديم الحكومات المحلية مجموعة متنوعة من الحوافز والدعم، تتضاءل الفجوة في الكلفة بين المركبات الكهربائية والتقليدية، بوتيرة أسرع مما كانت عليه في السابق.
حوافز لمشتري المركبات الكهربائية
أطلقت الحكومة الإماراتية مجموعة شاملة من الحوافز الهادفة إلى تسريع وتيرة اعتماد المركبات الكهربائية، ما يعكس التوجه الاستراتيجي للدولة نحو الاستدامة والطاقة النظيفة. وتتضمن هذه الحوافز تسجيل المركبات مجاناً، أو بتخفيضات ملحوظة، إضافة إلى التسجيل المجاني في نظام سالك. كما توفر الحكومة محطات شحن عامة مجانية، مع تخصيص مواقف المركبات الكهربائية.
التحدّيات التي تواجه مستخدمي المركبات الكهربائية في السوق
لا يزال العديد من السائقين يفتقرون إلى الإلمام الكافي بكيفية عمل هذه المركبات، مثل مدى القيادة في الواقع، وعمر البطارية، وصولاً إلى معرفة طريقة شحن مركباتهم، والتوفير الذي تقدمه على الصعيدين، اليومي وطويل الأمد. كما أن الفهم غير الدقيق لوقت الشحن وكُلف تبديل البطارية ومتطلبات الصيانة تسفر بدورها عن تردّد المشترين المحتملين.
استعداد ورش الصيانة المحلية لاستقبال المركبات الكهربائية
بدأت العديد من الورش في المنطقة تدرك ضرورة تطوير مهاراتها، ومواءمتها مع احتياجات صيانة المركبات الكهربائية. وفي دولة الإمارات على وجه التحديد، دفعت الزيادة الملحوظة في ملكية المركبات الكهربائية كلاً من الورش المستقلة ومراكز الخدمة المعتمدة، إلى تجهيز نفسها بالأدوات، وأنظمة التشخيص، والموظفين المعتمدين اللازمين لصيانة المركبات الكهربائية بأمانٍ وكفاءة.
وبينما قد يفتقر بعض مزودي الخدمة حالياً، إلى القدرات الكاملة، تُظهر السوق استجابة سريعة من حيث تقديم برامج تدريبية، وشهادات مدعومة من الحكومة، إلى جانب عقد شراكات مع أبرز علامات المركبات الكهربائية.