26 يوليو 2025

بطولة الشطرنج الثانية في مكتبة محمد بن راشد.. متعة معرفية وتنمية للمهارات

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

الوصول إلى الإجابات والحلول بضغطة زر، معجزة حققها الذكاء الاصطناعي مع تطور العالم الرقمي، الأمر الذي بات يقلق الأهل على قدرة أبنائهم على البحث والتفكير، لتبرز الحاجة، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى تنمية مهارات التفكير العميق، والتأمل، والتحليل، لدى الأجيال الجديدة. وهنا تأتي رياضة الشطرنج كأداة فريدة تعيد إلى العقل حضوره، وتحثّ الطفل والشاب على التريّث، والتخطيط، واستكشاف الحلول من خلال المنطق، لا السرعة.

مجلة كل الأسرة

ومن هذا المنطلق، نظمت مكتبة محمد بن راشد فعاليات النسخة الثانية من بطولة الشطرنج الخاطف، بالتعاون مع اتحاد الإمارات للشطرنج، بمشاركة 78 متسابقاً من مختلف الأعمار، في أجواء جمعت بين التحدّي الذهني والمتعة التعليمية. تأتي هذه الفعاليات تعزيزاً لرؤية مكتبة محمد بن راشد في أن تكون أكثر من مجرّد مكتبة تقليدية، بل مركزاً ثقافياً حيوياً ينبض بالحياة والتجربة. وتسعى المكتبة من خلال هذه الأنشطة إلى توفير بيئة تعليمية تفاعلية، تمكّن الزوار من تطوير مهاراتهم الفكرية والاجتماعية، وتعزز لديهم التفكير النقدي، والتحليل، واتخاذ القرار، وإعادة تعريف مفهوم القراءة، بحيث لا تقتصر على تصفح الكتب، بل تمتد لتشمل التعلم النشط، والتفاعل المعرفي، وبناء أجيال قادرة على التفكير والتطور، في عالم سريع التغيّر.

مجلة كل الأسرة

من جهته، أثنى الدكتور محمد سالم المزروعي، عضو مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، على الزخم الكبير الذي شهدته النسخة الثانية من البطولة، مشيراً إلى أن تنظيمها للعام الثاني على التوالي يجسّد التزام المكتبة المتواصل بابتكار برامج تثري الفكر، وتنمّي المهارات الحياتية، وتُرسّخ مكانتها كمنصة نابضة بالتعلّم التفاعلي، وتجارب التحدّي الذهني.

وقال إن «البطولة تُجسّد رؤية المكتبة الاستراتيجية في خلق بيئة ثقافية حيوية تجمع بين المعرفة والتطبيق العملي»، مؤكداً أن الشراكة مع اتحاد الإمارات للشطرنج «تُعد خطوة محورية في تمكين الأفراد – صغاراً وكباراً – من صقل مهارات التفكير النقدي، واتخاذ القرار، والتركيز، ضمن أجواء تحفّز على التنافس الإيجابي وتعزز من مكانة الرياضات الذهنية كأداة محورية لبناء مجتمعات معرفية، ناضجة ومستنيرة».

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

دعم وتشجيع للاعبات الشطرنج في الإمارات

تعلمت علياء محمد ممارسة لعبة الشطرنج من شقيقتها الكبرى، التي لاحظتُ تطوراً كبيراً في قدرتها على التركيز والتفكير المسبق، وتقول: «الشطرنج جعلني أكثر هدوءاً، ومتأنية، وأكثر قدرة على التفكير المنطقي. لم أكن أتوقع أن لعبة بسيطة يمكن أن تغيّر طريقة تحليلي للأمور. أصبحت أكثر دقة، وذاكرتي أقوى حين يتعلق الأمر بتفاصيل صغيرة، سواء في اللعب، أو في حياتي اليومية، وقد أدهشني الدعم والاهتمام في المدرسة للاعبات الشطرنج، ودفعنا للمشاركة في تحدّيات بين المدارس، ووجودنا اليوم في بطولة مكتبة محمد بن راشد للشطرنج أتاح لنا المجال لتعزيز هواياتنا بالثقافة والمعرفة».

مجلة كل الأسرة

استخدام الذكاء الاصطناعي للتدرّب على الشطرنج وليس لإيجاد الحلول

أما ميرا أحمد، فقررت أن تتدرب أكثر من ساعتين يومياً، كي تتحكم في رغبتها اللاإرادية في البحث عن حل للخطوة القادمة في لعبة الشطرنج، من خلال «شات جي بي تي» وأوضحت: «بدأتُ استخدام أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتعلّم الشطرنج، وكان ذلك نقلة نوعية بالنسبة لي. ساعدني الذكاء الاصطناعي على التدرّب بشكل مستمر، وتحليل أخطائي، والتعرّف إلى استراتيجيات جديدة كنت أجهلها. إنه بمثابة مدرّب ذكي لا يملّ، وجعلني أتقدم بسرعة في فهم اللعبة، واتخاذ قرارات أفضل، ولكني اليوم أحرص على الاعتماد على نفسي، وتطبيق ما تعلمته من دون الرجوع إليه في كل خطوة، فلا أنكر دور التكنولوجيا في مساعدتنا على تعلّم اللعبة، ولكن المتعة تكمن في تنشيط الذهن، والتفكير العقلي البشري».

الشطرنج يخلق الشغف للمنافسة

تعلّم يوسف خالد الصبر واتخاذ القرارات بناء على تحليل لا على استعجال، فقد دفعته والدته لتحدّي نفسه في مباريات مع أشخاص أقدم منه في اللعبة، كي تحفز داخلة روح المنافسة التي تعتمد على المهارات الشخصية، ليصبح عقله أكثر مرونة مع الصعوبات، ومواجهتها بالتفكير العميق.

مجلة كل الأسرة

الأهل هم الأساس في تشجيع الأبناء على ممارسة لعبة الشطرنج

يؤمن والد اللاعب ميار محفوظ بأن لعبة الشطرنج أكثر من مجرّد رياضة ذهنية، بل هي أداة فعّالة لتطوير شخصيته، ومهاراته الحياتية «كنت أبحث عن نشاط يساعده على التركيز، ويعلّمه الصبر، والتفكير الاستراتيجي، ومن خلال لعبة الشطرنج تمكنّا أن نخلق في البيت حالة من التحدّي فيما بيننا، فقد حرصت والدته بدورها على التدريب معه، ومنافسته كي يستمر في ممارسة اللعبة، وتطوير ذاته خلال كل منافسة، فالمنزل هو أساس تعلّم واكتساب المهارات المعرفية، بشكل عام، واليوم ونحن في مكتبة محمد بن راشد اكتسبنا قيمة معرفية جديدة في لعبة الشطرنج».

مجلة كل الأسرة

لعبة الشطرنج تعزز الرغبة في التعمّق والبحث

أما المدرب وائل مجاهد، فيؤكد «في عصر الذكاء الاصطناعي وسرعة الوصول إلى المعلومات، أصبحت الحاجة ملحة إلى تنمية مهارات التفكير العميق لدى الأطفال، وهنا تبرز أهمية الشطرنج كأداة فعالة لتقويم السلوك وتعزيز الانضباط الذهني. فهذه اللعبة لا تعلّم الطفل كيف يفوز فقط، بل تُنمّي لديه الصبر، والمثابرة، والقدرة على تحليل المواقف، واتخاذ القرار من دون استعجال. وما يميّز الشطرنج أنه يخلق لدى الطفل شغفاً حقيقياً للبحث والتعلّم، إذ يدفعه إلى الغوص في استراتيجيات اللعب، واكتشاف طرق جديدة للتفكير، بعيداً عن الحلول السهلة والسريعة التي توفرها التكنولوجيا. وهذا الشغف ينعكس بشكل إيجابي على حياته الدراسية، ويُرسّخ لديه عادة البحث، والتمعّن، والربط المنطقي بين الأسباب والنتائج، وهي مهارات لا غنى عنها في بناء جيل واعٍ ومفكّر».

مجلة كل الأسرة

وفي ختام البطولة، تم تكريم الفائزين الأوائل بجوائز قيّمة، تقديراً لأدائهم المتميز، ومهاراتهم الاستراتيجية التي أظهروها خلال المنافسات. كما حرصت مكتبة محمد بن راشد على توزيع شهادات مشاركة لجميع اللاعبين، في خطوة تهدف إلى تحفيزهم على مواصلة تطوير مهاراتهم الذهنية، وتعزيز شغفهم بالرياضات الفكرية، بما ينسجم مع رؤية المكتبة في دعم جيل من القرّاء، والمفكرين، وصنّاع القرار المستقبليين.

فقد عبّر ناصر عبدالله بن عامر، الأمين العام المساعد لاتحاد الإمارات للشطرنج، عن اعتزازه بالشراكة المتواصلة مع مكتبة محمد بن راشد في تنظيم هذه البطولة، واصفاً إياها بأنها خطوة رائدة نحو إدماج الرياضات الذهنية في الفضاءات الثقافية، بما يعزز حضور لعبة الشطرنج في أوساط المجتمع. وأوضح أن الفعالية تحولت إلى منصة نابضة تجمع بين المتعة الفكرية والتنافس الشريف، حيث تفاعل الحضور بشكل لافت مع مجريات المباريات، وشاركوا لحظات التشويق والانتصار، في مشهد يعكس أهمية هذه الفعاليات في ترسيخ ثقافة التفكير المنهجي، وتحفيز فئات الشباب على ممارسة اللعبة، والانخراط في عالمها.