
تتميز مزرعة «العراد» في إمارة أبوظبي بكونها مزرعة إماراتية مبتكرة تدعم الأمن الغذائي وتحقق الاستدامة بتقنيات ذكية، حيث إنها تعتمد على نظام الزراعة من دون تربة مع تقنيات متقدمة، وتساهم في زيادة كفاءة الإنتاج الزراعي، وهي بذلك تسطّر قصة نجاح ملهمة في مجال الزراعة المائية المستدامة.
أسّسها الوالد خميس سعيد عبدالله البلوشي، وبعد رحيله انتقلت المزرعة من الزراعة التقليدية للنخيل إلى نموذج رائد في الزراعة الحديثة من دون تربة (Hydroponics)، مدعومة بأحدث التقنيات مثل أنظمة الري الذكية (نسبة ترشيد استهلاك المياه تفوق 80%) والزراعة العمودية.
وتعتبر زراعة الهايدروبونيك من الطرق المبتكرة في المجال الزراعي الحديث بحيث يتم تنمية النباتات مباشرة في المحلول المغذي (مكوّن من الماء والأسمدة) أو استخدام بدائل للتربة لنمو الجذور التي تسقى بالمحلول.


«كل الأسرة» جالت في المزرعة مع ناصر وخليفة خميس سعيد عبدالله البلوشي، واطلعت على الحلول المستدامة المعتمدة في المزرعة لجهة تعزيز بيئة زراعية صحية خالية من المبيدات:
هذا المشروع بدعم من صندوق خليفة لدعم المشاريع، وتتكون المزرعة من بيوت زراعية بلاستيكية من دون تربة، وغرفة المضخات، ونظام التحلية، وخزان المياه، وغرفة الكهرباء، مع اعتماد نظام التسميد وجهاز التحكم في المناخ عبر وحدة لتوزيع الأسمدة في الزراعة، والتي تنتج مزيجاً مثالياً من مياه الإمداد مع الأسمدة المذابة في الماء.


يروي يونس البلوشي: «تركز اهتمام الوالد، منذ حصوله على المزرعة عام 2002، على زراعة النخيل فقط، وبعد وفاته رحمه الله، ومن خلال عملي السابق في هيئة أبوظبي للزراعة وخدمات المزارعين، حصلنا على تمويل من صندوق خليفة لتمويل المشاريع للانخراط في الخطط المستقبلية في مجال الزراعة المبتكرة، لتتبلور البداية التي دعمت فكرة تطوير المزرعة واستحداث أنظمة مبتكرة تدعم الإنتاج وتساعدنا لكي نكون شركاء في دعم رؤية الحكومة في مجال الأمن الغذائي».
يوضح: «نعتمد بشكل أساسي على نظام الزراعة من دون تربة، ما يتيح لنا إنتاج محاصيل ذات جودة عالية باستخدام كميات أقل من الموارد الطبيعية، وتحقيق استدامة إنتاجية على مدار العام».


أما أبرز التقنيات المستخدمة، فهي:
1. أنظمة الري الذكية بالتنقيط المغلق: يتم توصيل المياه والمحاليل المغذية مباشرة إلى جذور النباتات، ما يقلل من الهدر ويضمن امتصاصاً فعالاً للعناصر الغذائية.
2. محاليل تغذية دقيقة: يتم إعداد محاليل غذائية متوازنة تحتوي على كافة العناصر الكبرى والصغرى التي يحتاجها النبات، بناءً على التحاليل الدورية لمياه الري وتطورات دورة النمو.
3. حساسات متقدمة (pH – EC – رطوبة): تتيح مراقبة دائمة لحالة الوسط الزراعي وضبط مستويات الحموضة والتوصيل الكهربائي والرطوبة بما يتوافق مع الاحتياجات المثلى لكل نوع نبات.
4. نظام التحكم البيئي الأوتوماتيكي: يشمل التحكم في درجات الحرارة، والرطوبة، والإضاءة الصناعية، وتدوير الهواء لضمان نمو مثالي ومستقر على مدار العام.
5.الزراعة العمودية: تم تصميم البيوت الزراعية لتدعم الزراعة على عدة مستويات رأسية، ما يزيد إنتاجية وحدة المساحة.
6.التحكم والمراقبة عن بُعد: تم ربط الأنظمة الزراعية بتطبيقات ذكية تمكّن فريق العمل من متابعة أداء المحاصيل واتخاذ قرارات فورية بناءً على البيانات.


تساهم مزرعة «العراد» في ترشيد استهلاك المياه بحيث «يتم تدوير المياه من خلال أنظمة التحكم والخزانات المستخدمة وتدويرها أكثر من مرة عبر نظام تحكم مركزي متكامل، بما يضمن عدم هدر المياه الفائضة وتدويرها، إذ يتم استخدام الماء المرتجع من محطات التحلية في زراعة نبات الأزولا، إذ يتحمل النسبة العالية من الملوحة».
كما تتسم المزرعة بتقليل معدل الإصابات الحشرية والأمراض النباتية بفضل بيئة النمو المحمية إلى زيادة سرعة النمو وتقليص دورة الإنتاج واستمرارية التوريد للسوق من دون تأثر بالمواسم.


وتلعب الحلول البيولوجية، مثل النحل الطنان والأعداء الطبيعية (الكائنات الحية التي تتغذى على الآفات)، دوراً في حماية المحاصيل وتحقيق زراعة آمنة بيئياً وصحياً، بعيداً عن المبيدات. يشرح يونس البلوشي: «يعمل النحل الطنان على تلقيح النباتات في البيئة المغلقة وبصورة لافتة وناجحة، ويتم الاستعانة به في كل موسم، إلا أن «الجزء المزعج» أن دورة حياة النحل في هذه البيئة لا تتعدّى أسبوعين، لكنها تؤدي دوراً فعالاً ومؤثراً. وفيما يتعلق بالأعداء الطبيعية، فإنها من الحلول المستدامة والبديلة للمنتجات الكيميائية ذات التأثير السلبي».
أما طموحات عائلة البلوشي فهي لا تتوقف عند حدود؛ إذ يجري العمل على التوسع وإدخال محاصيل جديدة مستقبلاً: «نقوم حالياً بالتنسيق مع مصرف الإمارات للتنمية للحصول على دعم مالي للتوسع في بناء بيوت مائية أكثر لنتمكن من إدخال منتجات أكثر في الزراعة المائية ومن التنوع في المحاصيل».
أما رسالتهم للشباب فيختصرها يونس وناصر وخليفة البلوشي في إرشاد الجيل الشاب إلى قطاع الزراعة: «فهذا قطاع ملهم، وحكومتنا الرشيدة أطلقت قبل فترة البرنامج الوطني «ازرع الإمارات» لنكون شريكاً رئيسياً واستراتيجياً في التنمية المستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبسواعدنا وسواعد الأجيال القادمة يمكن تحقيق هذا الهدف الجوهري».
* تصوير: السيد رمضان