تسوق الـ«سوشيال ميديا».. خوارزميات تخلق الحاجة و«ترندات» تحصد الجيوب

بلمسة زر واحدة على الشاشة أصبحنا نجد أنفسنا نقتني منتجات لم نخطط لشرائها وربما لا نحتاج لها أساساً. ففي عصر الـ«سوشيال ميديا» لم تعد الإعلانات مجرد محتوى ترويجي، بل تحولت إلى أدوات نفسية مدروسة تقدم بأساليب جذابة من خلال مؤثرين و«ترندات» تلهب الفضول وتعزز رغبة التجربة.
هكذا يتحول التصفح العفوي إلى قرار شراء واعٍ، ويُعاد تشكيل سلوك المستهلك دون أن يشعر...
في هذا الاستطلاع نغوص في كواليس هذا التأثير لنكشف كيف تزرع الحاجات وتصنع القناعات في زمن تحكمه الخوارزميات وصور الإغراء البصري:

في ظل طوفان المحتوى الرقمي الذي يملأ منصات التواصل الاجتماعي اليوم ترى العشرينية أثيل فرمان أن التسوق عبر هذه المنصات بات تجربة معقدة تتطلب وعياً كبيراً، وتؤكد «غالباً ما يتأثر الإنسان بما يشاهده دون أن يلاحظ، والإعلانات اليوم لم تعد بشكلها المعتاد في السابق، بل أصبحت تظهر على هيئة تجارب شخصية لأشخاص مؤثرين تبدو في ظاهرها عفوية، لكنها في الحقيقة حملات تسويقية مدروسة بعناية. هذا النوع من التسويق المتكرر يقود المتلقي إلى قناعة غير واعية، تشعره بحاجته لمنتج لم يكن يفكر فيه أساساً. وهنا تكمن الخطورة، فالتأثير لا يتوقف على الرغبة في الشراء فقط، بل ينسحب إلى طريقة التفكير وتحديد الأولويات، المنتجات والأشياء الجيدة والسيئة موجودة أمامنا طول الوقت، لكننا يجب أن نفلتر ونفكر، ثم نقرر بعقلانية قبل أي خطوة شراء نقدم عليها».
تكمل «بناء وعي استهلاكي يبدأ من تدريب النفس على التمييز بين الحاجة الحقيقية والرغبة المؤقتة، فالاختيار الصحيح لا يأتي فجأة، إنما بتراكم الوعي والتجارب المستمرة، ليصبح الشخص قادراً على قول «لا» والتعامل مع الإعلان كوسيلة لإيصال المعلومة فقط لا أكثر». وعلى الرغم من انتقادها الأساليب التسويقية، تعترف أثيل «لا يخلو الأمر من إيجابيات للتسوق الرقمي، خاصة عند استخدامه لاكتشاف منتجات جديدة أو التعرف إلى تقنيات وأجهزة غير معروفة سابقاً»، ثم تختم «يجب ألا تكون تجربة التسوق الإلكتروني للاستكشاف أو الشراء فقط، إنما لمعرفة لماذا نتسوق، وهل ما اخترناه يستحق، فنحن أصبحنا في زمن السرعة، وأصبح كل شيء قريباً، لذلك أصبح الوعي هو خط دفاعنا الأول والوحيد».

الشك قبل اليقين
من جانبه، يقول الثلاثيني أحمد النجار «التعامل مع التسوق الإلكتروني يتطلب حذراً شديداً وتدقيقاً قبل اتخاذ قرار الشراء، فهو ليس مجرد نقرة زر، بل يتطلب مقارنة دقيقة بالأسعار في الأسواق التقليدية والتأكد من جودة المنتج ومصداقيته. يدفعنا الانجراف وراء الـ«ترندات» أو توصيات المؤثرين أحياناً إلى شراء منتجات لا نحتاج إليها فعلياً، أو تكون دون التوقعات، وما يتبعها من متاعب في الاسترجاع أو استبدال السلعة». ولتجنب إشكاليات هذا النوع من التسوق، يشير النجار «علينا أن نحرص دائماً على التحقق من تقييمات المستخدمين ومواصفات المنتج، فمن جانبي أتجنب الدفع المباشر من البطاقة البنكية الشخصية، وأستخدم بطاقة مدفوعة مسبقاً مخصصة فقط للتسوق الإلكتروني، كإجراء احترازي لأي عمليات خصم غير متوقعة أو محاولات قرصنة أو اختراق. وعلى الرغم من جميع المخاطر المحتملة لهذا النوع من التسوق، لا أنكر أنه يبقى هناك جانب مشوق، لكني أتعامل معه بعين الشك قبل الثقة».
استشارة الموثوق بهم
عن تأثير توصيات المؤثرين في قرارات شرائها تشير ديما عياد إلى عدم تأثرها بجاذبية الإعلان أو شهرة المؤثر في عمليات الشراء، بل تعتمد على توصيات المقربين بالدرجة الأولى، فهي ترى أن الثقة عامل حاسم، إذ تميل للاستماع لتجارب أشخاص تشعر بأنهم أقرب لها فكرياً واجتماعياً، خاصةً إذا لم تكن لها تجربة مع المنتج «أحياناً أستشير أختي أو طبيب أثق به إن كان المنتج مرتبطاً بالصحة أكثر من إنفلونسر عنده مليون متابع»، تضيف «لا أنكر أن تكرار ظهور إعلان المنتج على منصات مختلفة أحياناً يلعب دوراً كبيراً في تعزيز قناعتي تدريجياً، فمشاهدة نفس القطعة على إنستغرام، وتيك توك، واستخدام الأصحاب والمقربين لها، يمنحني نوعاً من القناعة التي تدفعني لشرائها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة نتيجة لحاجة حقيقية، وغالباً ما تقتصر قرارات الشراء العشوائية هذه على منتجات بسيطة وغير مكلفة، لكني في الغالب أصبحت أستغني عن شراء المنتجات وأميل إلى البحث عن الخدمات التي تمنحني الشعور بالراحة النفسية والرضا، مثل خدمات تنظيف بشرة أو تصفيف الشعر في المنزل».

كونوا قدوة لأبنائكم
من جانبه، يتحدث الخمسيني عبد الرحمن السويدي عن أهمية الوعي التام بتغيرات العصر، ومسؤولية الأهل في زمن صار التسوق فيه أسهل، يقول «يمكن لأي شخص أن يطلب المنتج قبل النوم، ويجد الطلب عند باب البيت في اليوم الثاني.. وأحياناً في نفس اليوم! لم يعد هناك مشاوير طويلة ولا زحمة مواقف. التقنية اختصرت علينا الكثير من الوقت والجهد، لكنها فتحت أبواباً ثانية يجب أن نتنبه إليها».
يشير السويدي «الإعلانات لم تعد كما كانت في السابق، اليوم يمكن أن تصادفك وأنت تتصفح الهاتف، وأحياناً على شكل رأي من مشهور أو مؤثر، وهنا تكمن الخطورة. فبعض الأشخاص، خاصة الشباب والمراهقين، يقدمون على شراء أشياء ليس لحاجتهم لها، بل لأنهم فقط تأثروا بمن يتابعونهم، مثل ترند «بوظة، كنافة، سحلب، آيس كريم» الذي أصبح الطلب عليه كبيراً فجأة بسبب رقص أحد المشاهير على وقع نغمات الكلمات في القرية العالمية».
يرى السويدي أن دوره كأب لا يتوقف عند توفير احتياجات أبنائه فقط، بل بتوعيتهم وتزويدهم ببعض الحلول العملية «أترك لهم حرية الاختيار، لكن في نفس الوقت أقول لهم لا تتركوا الفرصة للإعلانات أن تخدعكم، قارنوا الأسعار، ابحثوا عن العروض، واسألوا عن أكواد الخصم، الكثير من المنتجات نجدها في إعلانات خاصة بأسعار أعلى بكثير مقارنةً ببعض التطبيقات الخاصة بالتسوق مثل أمازون ونون». ينصح السويدي الآباء «لا تمنعوا أبناءكم من الشراء أو متابعة المؤثرين، بل رافقوهم ووجهوهم نحو استخدام التقنية بوعي. كونوا قدوة في السلوك الاستهلاكي، واغرسوا فيهم قاعدة بسيطة، الشراء يجب أن يكون لحاجة حقيقية، لا لإغراء إعلان أو بريق ترند عابر».

مخاطر ضغط الإعلانات
لا تخفي ياسمين خضر، طالبة جامعية، أنها تقضي ما بين 6 إلى 8 ساعات من الوقت يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي، تتنقل بين الإعلانات، خاصةً تلك التي تحتوي على صور أو فيديوهات لافتة، أو ألوان جذابة. تكشف «لا أنكر أنني أشتري الكثير من الأشياء التي تعرضها الإعلانات، مثل سيرومات البشرة التي أشاهدها في إعلانات على الإنستغرام، إضافة إلى بعض المنتجات الأخرى الخاصة بمستحضرات التجميل بناءً على توصيات مؤثرة أتابعها كونها تتحدث بصراحة تامة عن مزايا المنتجات وعيوبها». تكشف سلبيات التسويق الإلكتروني التي يمكن إيجازها بتكرار ظهور الإعلان وضغطه اللحظي «هذه الطريقة تجعلني في حالة نفور، وبالنسبة لي مصداقية الإعلان ترتبط بشفافية العرض، أعترف بأنني في الكثير من الأوقات تأثرت بضغط الإعلانات وشراء أشياء لست بحاجة لها، منها على سبيل المثال تجربتي السيئة مع جهاز خاص بتنظيف المسام سبب تحسساً لبشرتي كان قد ظهر لي أكثر من مرة على منصة التيك توك، حتى بت في الآونة الأخيرة أفكر في الأمر وأسأل نفسي: هل فعلاً كنت أحتاج له؟»
الشراء بسبب الغيرة والفضول
من جانبها، تشير الأربعينية، بشائر جمال يتيم، رائدة أعمال، إلى أن تأثير المؤثرين في المتسوقين أصبح كبيراً، إلا أنه لا يمكن أن ينعكس بشكل إيجابي وفعال إذا لم يوظف بالشكل الصحيح، توضح «الكثير من الشركات تقع في خطأ اختيار المؤثر الخطأ للترويج عن منتجاتها، لذلك على صاحب العمل أن يكون واعياً بالسوق والجمهور المستهدف قبل أن يتعامل مع أي مؤثر، فمن غير الصحيح التعامل مع شخص يقدم محتوى عن البناء أو التكنولوجيا ليسوق مستحضرات تجميل، لذلك يحتاج هذا الموضوع إلى دراسة لفهم جمهور المؤثر، لنقدم الرسالة الصحيحة مع الشخص الصحيح».
كمستهلكة، تتحدث بشائر عن تأثير الإعلانات المتكررة في وسائل التواصل الاجتماعي «لا يمنعني الوعي من الوقوع تحت سحر التجربة، أحياناً أشاهد إعلاناً أكثر من مرة، وأكون متيقنة من عدم حاجتي له، لكن الفضول يغلبني فأطلب المنتج لأجربه»، توضح «الإعلانات الذكية تعرف كيف تزرع الشعور بالحاجة، وإن لم يكن موجوداً من الأساس، خاصة إذا كانت مصممة بأسلوب يلامس العاطفة أو يظهر تجربة حقيقية. فالكثير من الأشخاص يشترون منتجات دون قناعة تامة، ليكونوا جزءاً من الموجة فقط، فمشاعر الغيرة أو الرغبة في الانتماء إلى الآخرين هي التي تتحكم في قرار الشراء في الكثير من الأحيان، فالتكرار والرسائل العاطفية أصبحت من أقوى أسلحة الإقناع في عالم التسويق الرقمي اليوم».