10 يونيو 2025

إنعام كجه جي تكتب: الراحة قبل كل شيء

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

هل تذكرون أغنية فهد بلان التي يقول فيها: «أهل الهوى دائماً وأبداً مكتوب عليهم قلّة الراحة»؟ إنه كلام لم يعُد ينطبق على عصرنا، ولا على أحوال ناس هذا الزمان. وحتى الهوى، أيّ الحب والعشق والغرام، صارت له مفاتيح جديدة. لم يعُد السهر، والدموع، واللوعة، والحرمان، هي ما يتحكم في المحب الولهان، أو العاشقة الغارقة، بل رنّات الهاتف الذكي، والرسائل النصية واللقاءات في مقاهي المراكز التجارية، واختبارات التنمية الذاتية.

الفرد العصري يبحث عمّا يريحه. إن شعاره هو «راحتي قبل كل شيء، ومن بعدي الطوفان». جاءت كورونا، وراحت كورونا، وتركت بصماتها على مظهر الرجال والنساء. جلس الموظفون يشتغلون من بيوتهم، ولم يعُد يهمّهم نوع البدلة، ولا شكل الحذاء. وبما أن باريس هي عاصمة الموضة في العالم، فقد لاحظ خبراء التسويق أن الشبان والشابات صاروا يفضلون الملابس الواسعة، والأقمشة الصديقة للجسم. وداعاً للنايلون، وأهلاً بالقطن.

من كان يصدّق أن يرى عارضة تقدم زيّ العروس على المنصة، وهي تنتعل حذاء رياضياً أبيض؟ طرحة، ودانتيلا، وكشاكش، وذيل حريري طويل، مع حذاء مسطّح عريض الوجه. والعريس يرقص معها بكامل أناقته، وهو يرتدي حذاء من علامة رياضية شهيرة بين الشباب. تنتهي السهرة ولا تعود العروس متورّمة القدمين، كسيرة الظهر من الكعب العالي. الراحة قبل كل شيء.

ارتفعت مبيعات الأحذية الرياضية، في السنوات الأخيرة، وتضاعفت بمعدلات غير مسبوقة، وصارت لها شركاتها التي تراهن على راحة القدمين، والظهر. وإلى جانبها، ظهرت القباقيب المطاطية المغلقة من الأمام، والمفتوحة من الخلف. كانت في السابق مخصصة للأطباء، وللممرضات، ولمن يشتغلون في مِهن تتطلب ساعات طويلة من الوقوف. واليوم صرنا نراها في كل الواجهات. وإذا كان أهل الخليج قد سبقوا الجميع إلى اعتماد النعل الجلدي في كل الأوقات، داخل البيت وخارجه، فإن الظاهرة تبدو مثيرة في الغرب.

تشتغل المختبرات في أمريكا، وسويسرا، واليابان، للتوصل إلى نعل يمتص خطوات صاحبه. تسير بسهولة وكأن قدمك تغوص في وسادة إسفنجية ناعمة. ولم يقتصر الأمر على الأحذية، بل انتقل إلى انتشار بدلات الرياضة خارج صالات التمرين، والملاعب. «الجوكينج»، و«التيشرت»، هي الثياب المفضلة. الراحة قبل كل شيء.

كنا نسميها ثياب المنزل، ثم نمنا واستيقظنا ووجدنا أنها صارت ثياب الخروج. وراهن بعضهم أنها ظاهرة طارئة، وستنطفئ مثل فقاعة، لكنهم خسروا الرهان. واليوم، لم يعُد الرياضيون هم وحدهم من يرتدي «التراكسوت»، بل الرجال من كل الأعمار، وربّات البيوت، الأمّهات وحتى الجدّات. والسّر يكمن في القماش المطاط الذي يسمح بالحركة، ولا يضغط على الوسط، والأكتاف، ويخنق الأنفاس. تتفنّن مصانع النسيج في إنتاج خامات رفيقة بالجلد. تمتص العرق، ولا تسبب الحكة. والشعار دائماً هو: الراحة قبل كل شيء.