06 مايو 2025

«سوق القطارة» التراثي.. عطر الماضي وذاكرة لا تشيخ

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تحاكي الأسواق الشعبية المسار الثقافي والتراثي للدول، ويطلّ سوق القطارة على التراث الإماراتي الأصيل في قلب مدينة العين، بإمارة أبوظبي.

في أزقة هذا المكان الملهم، تستشعر قوّة الماضي، وتاريخاً عبِقاً يعود إلى القرن العشرين، حيث كان يشكّل مركزاً تجارياً حيوياً، ومحطة التقاء بين التجار من مختلف أنحاء الإمارات، بخاصة القادمين من البادية، والمناطق الجبلية، ما جعله نقطة محورية في الحياة، الاقتصادية والاجتماعية في العين، وكان يستخدم في بيع المنتجات المحلية مثل التمور، والعسل، والتوابل، والحِرف اليدوية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

بالقرب من قلعة القطارة التي أعيد تطويرها، وتم إدراجها ضمن قائمة «اليونيسكو» للتراث العالمي، وتضم مركز القطارة للفنون، يقف سوق القطارة شاهداً على أصالة التراث، وعلى ملامح الزمن الجميل بكل تفاصيله، حيث أعيد ترميمه ليتحول إلى معلم يجمع بين الأصالة والحداثة، ويستقطب المقيمين، والسياح، والمهتمين بالتراث.

ورغم التطورات العصرية، لا يزال سوق القطارة يحافظ على طابعه الأصيل، ويُمثل نموذجاً ناجحاً في دمج التراث بالتطور، مجسداً تاريخ الإمارات، ويربط بشكل حي وملموس، بين الأجيال.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة


ما يميّز سوق القطارة ليس كونه سوقاً تراثياً فحسب، بل لكونه يمثل هذا التماس العاطفي مع الماضي، ومع مشاعر الحنين المخبّأة في زواياه. ثمة حكايات قديمة تختبئ خلف الأبواب الخشبية المعتقة برائحة الزمن. تمشي في دروبه، فينتشلك الحنين إلى صور ووجوه الأجداد الذين كانوا يملأون المكان، وتسمع أصواتهم، مفاصلة، ومقايضة حول الأسعار. كما يقودك الحنين إلى دكاكين الزمن الجميل، بمفاتيح صنعت من حب وألفة، وأسماء حفرت في قلوب الصغار آنذاك، حيث كانت المحال الصغيرة تسرد، بمن فيها، قصص الوفاء والبساطة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

في تلك البقعة، لا تختبئ الذكريات بقدر ما تعود إلى الحياة، فكل ركن يحتضن ذكرى، ويحتضن حلماً، وعطور المسك، والعنبر، والبخور. يطلّ الماضي برأسه من التفاصيل الصغيرة، تفاصيل الأباريق النحاسية، ونسخ الخوص، وتطريز عباءة العيد.

لا يمكن الانسحاب من الجانب العاطفي للسوق، وبالأخص مع غروب الشمس، حيث يتحول السوق إلى لوحة فنية مضاءة بالمصابيح التقليدية، ما يعود بك، وبالزمن إلى أيام الأجداد، بأجواء الليل الساحرة، ويدمجك في تجربة ثقافية أصيلة لاكتشاف روح الماضي، على وقع الحاضر.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وإذ يُعدً سوق القطارة أحد المعالم التراثية التي تعكس الهوية الإماراتية، فإنّه يقدم تجربة فريدة تجمع بين التجارة والثقافة، ويعدّ عنصراً هامّاً من عناصر المشهد السياحي في العين، يجذب محبي التراث والتاريخ، إلى جانب كونه منصة لدعم الحِرفيين، ورواد الأعمال المحليين، ومركزاً لمهرجانات، وورش عمل ومعارض فنية تبرز التراث الإماراتي.

ومن تلك المهرجانات، هناك مهرجان الحِرف والصناعات التقليدية الذي يتم تنظيمه سنوياً (عادة في فصل الشتاء)، ويقدم تجربة غنية لزوار المكان، كما للأجيال الحالية، للتعرّف إلى الحرف التقليدية كأحد ملامح الثقافة الشعبية، كما يمكن للزوار استكشاف المشغولات اليدوية، والخوص، التي يصنعها الحرفيّون مباشرة، وسط المباني الطينية القديمة، وكذلك صناعة الأواني الفخارية، والإطلالة على الأزياء التقليدية، من العبايات المطرزة، إلى الملابس البدوية، وتقديم التوابل والمنتجات المحلية: مثل التمور، العسل، والأعشاب المستخدمة في الطب الشعبي، وتذوّق الأطباق الإماراتية الشعبية، والتعرّف إلى هواية صيد الصقور.. وغيرها من أنشطة على تماسّ بالتراث.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة


وكان سوق القطارة قد خضع لمشروع الترميم والتطوير في إطار جهود الدولة للحفاظ على التراث، المعماري والتاريخي، وعملية الترميم أطلقتها هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة بهدف الحفاظ على الهوية الأصيلة للسوق، مع تزويده بتحديثات تلائم الاحتياجات العصرية، وباستخدام المواد المحلية، مثل الطين والجص والخشب، ليبقى متناسقاً مع بيئة العين التراثية، وفي الوقت نفسه، تمكين الزائر والسائح من خوض تجربة ثقافية مريحة، مع إضافة مرافق حديثة، مثل الإضاءة المتطورة، والممرّات المنسّقة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة


ويحتضن السوق، دورياً، العديد من الأنشطة التراثية، وورش العمل الفنية، وبات مقصداً للمدارس والجامعات التي تنظم زيارات تعليمية لتعريف الطلاب بالحرف التراثية، وأهميتها في المجتمع الإماراتي.

وبين الماضي والحاضر، يمكنك أن تخوض، في سوق القطارة، تجربة استثنائية، وبالأخص أن موقعه محاط بالعديد من المعالم التراثية البارزة، منها منطقة الجيمي، وواحة القطارة، ومنطقة الهيلي، واكتشاف العوالم الساحرة داخله.

* تصوير: السيد رمضان