الناس يسافرون للتريّض، وتبديل الجو، والسياحة، والتعرّف إلى العالم. نركب الطائرات التي تحلّق بنا ساعات طوالاً لمجرد أن نجلس في مقاهٍ رائقة، ومطاعم تقدّم وجبات مختلفة عمّا نألفه في بلداننا. نترك وظائفنا، ومدارسنا، وجامعاتنا، ونقتطع من الزمن إجازة للاستراحة. نتفرج على الدنيا المختلفة، والبشر بسحنات لا تشبهنا، وأزياء هي غير أزيائنا. وهناك من يسافر للتسوّق، ويقضي النهار ما بين دكّان ودكّان، أو من يقصد مستشفيات الغرب والشرق للعلاج.
هل سمعتم بمن يسافر لينام؟
يسمّونها سياحة النوم، «سليب توريست». ولها اليوم وكلاؤها، وشركاتها المتخصصة في هذا النمط من السفر، وهو قد يكون ممارسة للمتبطّرين، أو قد يكون بالعكس، حاجة أساسية يطلبها الواحد منا لكي يستقر، ويتوازن، ويجدّد خلايا عقله وجسمه. وقد ذكرت المتبطّرين لأنني أتصوّر أن في إمكان المرء أن يبقى حيثما يقيم، وأن ينام في بيته، وسريره. لماذا تعب المطارات، والقطارات، والنفقات الزائدة؟
لكن الحقيقة هي أن هناك من يتعذّر عليه النوم في بيته، ووسط عائلته، وأطفاله، وأصدقائه. فإذا كان مقتدراً، ومن الذين يحبون التجارب الجديدة، فإنه سيختار النوم بعيداً عن كل تفاصيل يومياته العادية، وعاداتها، ومواعيدها.
أهم ما في سياحة النوم هو أنها من دون مواعيد. ومعظم مراكز الإقامة المخصصة لها تقع في مزارع هادئة، أو حتى غابات نائية. وليس في الفندق بوّاب في مكتب الاستقبال. أنت تصل وتدير شؤون إقامتك بنفسك، وفق تعليمات محدّدة مسبقاً. تعرف كود الدخول، ومكان المفتاح، ومواعيد تناول الطعام. وفي حال احتجت إلى أي شيء فإن هناك موظفاً مهمته أن يقدم لك أفضل النصائح لنوم رائق، وعميق.
ليست هناك أبواق سيارات في الجوار، ولا أصوات تلفزيونات الجيران، ولا رنين هاتف في غرفتك، أو طرق على الباب، أو صبية يلعبون الكرة، أو يتصايحون في حمام السباحة تحت نافذتك. والنصيحة الأهم، أن تبتعد عن الشاشات، وأن تنسى العالم ونشرات الأخبار. أن تترك هاتفك مغلقاً، وتتلذّذ برغد العيش قبل زمن الجوال.
ستنام ليل نهار. تستيقظ، وتتمطّى، وتشرب العصائر الموجودة في برّاد الغرفة، ثم تفتح النافذة لتتنشق هواء نقياً، ثم تغتسل بماء دافئ، وتعاود النوم. قد تسمع في الفجر صياح ديك، وفي المساء نقيق ضفادع. لكن هذا أيضاً يمكن حذفه حسب رغبتك. الطبيعة في سياحة النوم مصممة لراحتك، ومزاجك. يمكن أيضاً وقف نقرات المطر على النافذة، وحذف هبوب الريح، طالما أنك قادر على دفع الثمن!
تخيّل أنك تدفع مبلغاً محترماً لمجرّد أن تنفصل عن يومياتك، وتنام من دون إزعاج. أيّ عصر هذا الذي يجعل الفرد يشتاق إلى القوقعة، ويهرب من المجتمع؟
يقول المثل: «الجنة من غير ناس ما تنداس». لكن إنسان القرن 21 سيستخدم الذكاء الاصطناعي لكي يعيده خامة بليدة، عاجزة عن التفكير والابتكار، منزوعة الأحاسيس، فاقدة للتفاعل مع شركائه في الكرة الأرضية. وقد يقترحون عليك، قريباً، أن تسافر إلى المريخ، أو القمر، أو زحل، لمجرّد القيلولة.