مي جبارة، مهندسة معمارية وداخلية، أحبت الفنون والألوان منذ صغرها، وكانت شغوفة بكل ما له علاقة بالخطوط والمساحات دون أن تدرك أن هذا الشغف سوف يقودها إلى دراسة الهندسة..
كما شجعها والدها لخوض هذا المجال فصقلت الموهبة بالدراسة، وبدأت مشوارها المهني وتراكمت خبراتها ما جعلها تنال العديد من الجوائز خلال مسيرتها المهنية.
فازت مي مؤخراً بالجائزة الكبرى لأفضل هندسة داخلية لمنزل خاص، في ساحل العاج في أفريقيا، حيث أشرفت عليه من الخارج والداخل واهتمت بكل تفاصيله، وفي لقاء خاص لمجلة «كل الأسرة»، قالت إنه كان فرصتها لتحقيق رؤيتها الفنية في البيوت الفخمة ذات الأسلوب العصري، مضيفة: إنه أسعد قلب صاحب البيت لأنه حقق متطلباته في الجمال والراحة والديمومة..
وتابعت: «هذا المشروع تميز بأناقة فريدة ولمسة عصرية راقية، واستخدمت فيه الألوان المحايدة والمواد العالية الجودة من الخشب والرخام والمعادن، بالإضافة إلى الخامات الفخمة و المفروشات الإيطالية التي صُنعت خصيصاً للمشروع، وصولاً إلى الإنارة التي أضفت رونقاً خاصاً».
ورداً على سؤال حول نظرتها إلى البيت الأمثل، بيّنت: «البيت هو وحدة متكاملة تجمع بين موقع البيت وهندسته الخارجية والداخلية ومحتوياته وأثاثه وشغل مساحته بأفضل رؤية»، مضيفة أنها خلال دراسة «الماجستير» اختارت التعمق في العلاقة بين الإنسان والمساحة، وكيف تتأثر نفسية الإنسان بالمكان الذي يقطن فيه وما يحتويه من الأثاث والألوان والمواد والإكسسوارات..
وكل ما يلامس الحواس الخمس وبخاصة النظر وما تراه العين، «من هنا من خلال اختيار موقع البيت، والفرش المريح من الكنبة والأريكة والأدوات المستخدمة إلى اللوحات والإكسسوارات والنبات، أعتقد أن القاعدة الذهبية التي يجب اعتمادها من قبل المهندس هي التعرف إلى ذوق العميل واحتياجاته في مسكنه الذي يجب أن يشبهه بشكل من الأشكال».
وعما إذا كانت فخامة البيت مرتبطة بارتفاع أسعار محتوياته، نفت المهندسة جبارة هذا المفهوم، موضحة "أن الفخامة تتجلى في البساطة والتنسيق، ووضع كل قطعة في مكانها الصحيح، مع التركيز على الألوان الكلاسيكية الهادئة من الأبيض إلى البيج والغريج والخشبي، ولكن هناك الفخامة التي تدوم..
وتتجلى في استخدام المواد ذات الجودة العالية، وهذه تكون في العادة مرتفعة الثمن، من هنا جاء الاعتقاد الشائع بأن البيت الفخم هو المرتفع السعر، لكن الحقيقة أن الفخامة هي أسلوب دمج بين جودة المواد وبساطة التصميم..
وفي العموم أنا أنصح باعتماد جودة المواد، على الأقل، في أساسيات البيت وهي الرخام والبلاط والخشب والأبواب والخزائن والأدوات الصحية والبورسلين، التي يجب أن تعيش طويلاً، ويمكن تخفيف الميزانية في الأثاث الذي يمكن تبديله بعد فترة مثل الكنب والكراسي والسجاد وما إلى ذلك".
القطع القديمة والأنتيك، وبخاصة الموروثة من الأجداد، لها تاريخ وقصة وذكرى وتزيد من فخامة البيت
وفي ما يخص الدمج بين الأسلوبين الكلاسيكي والعصري في التصميم الداخلي، قالت جبارة: إن المفضل لديها هو الجمع بين القديم والجديد، وأن اعتماد «الميكسولوجي» بين الكلاسيكي والعصري يمنح البيت روحية عالية جداً، مضيفة «إن القطع القديمة والأنتيك، وبخاصة الموروثة من الأجداد، لها تاريخ وقصة وذكرى وتزيد من فخامة البيت..
كذلك حال اللوحات المميزة التي أنصح عملائي باقتنائها لأن قيمتها تزيد مع الوقت ويمكن توارثها وهي تضاعف من ثقل الفراغ الذي تملأه، وقد واجهت ختباراً في أحد مشاريعي، حيث كان المنزل عصرياً جداً، وكل محتوياته مودرن، لكن صاحبه ورث ثريا كبيرة من عائلته وأراد الاحتفاظ بها فزيَّنت سقف الصالة بها وخلقت مزيجاً فريداً من الجمال الذي تجلى في اللعب على التناقضات».
وعن ترند اليوم وما يقبل عليه الشباب ويطلبونه في بيوتهم، قالت جبارة: «الإقبال كثيف جداً على الألوان الترابية الكلاسيكية والهادئة وألوان الطبيعة بدرجات الباستيل المريحة للنفس، وقد خرجنا من دائرة الألوان الرمادية الباردة ومواد الميتاليك لنتوجه إلى دمج الألوان الهادئة ومواد الزجاج مع الخشب والميتال والحديد..
والأهم هو التوجه نحو مواد صديقة للبيئة فهذا التوجه الحديث هو المعتمد حول العالم لأجل التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة، وبخاصة في مواد طلاء الجدران والأقمشة وكل ما يخدم صحة الإنسان».
وحول كيفية اختيار الأنوار واحتراف لعبة الضوء والظل في البيت، شرحت «من المهم جداً أن نختار تدرجات النور في المساحة الواحدة بحيث نتمتع بمساحات مضيئة جداً في الغرفة، مع إمكانية اعتماد إضاءة خافتة في ذات المكان وفق المزاج والراحة الشخصية، ويجب اعتماد إضاءة مركزة على اللوحة أو المنحوتة..
وأنصح باختيار لون الضوء الطبيعي والابتعاد عن الإضاءة البيضاء، ومن الضروري جداً إدخال الضوء الخارجي إلى داخل البيت والإفادة من الضوء الذي يدخل بواسطة النافذة وعدم استخدام الستائر على مساحات واسعة لأن الإفادة من المساحات المفتوحة للضوء الطبيعي ونور الشمس مفيدة جداً للصحة الجسمانية والنفسية لسكان البيت».
ورداً على سؤال حول النوافذ الصغيرة المعتمدة في الشقق السكنية، أكدت أنه «لا رجعة لهذا الأسلوب بعد اليوم، فقد شهدنا خلال التسعينيات شققاً بنوافذ صغيرة لكنها فشلت، ونشهد اليوم في العمارة الحديثة شققاً بنوافذ واسعة جداً بعد أن ثبتت ضرورة التواصل بين الخارج والداخل لأن الإنسان يميل إلى الارتباط مع الطبيعة الخارجية..
ولا يستغني عنها، ويلاحظ اليوم أهمية التكنولوجيا في العمارة فالشقق السكنية في الخليج العربي مثلاً، حيث الشمس حارة، باتت تعتمد مواد ذكية من زجاج عازل للحرارة لكنه يسمح بعبور الضوء ما يحفظ هذه العلاقة بين الخارج والداخل..
كما أن هناك عودة للقديم تتجلى في الفنادق، مثلاً في مدينة العلا بالسعودية نجد عودة للتراث حيث تبدو الجدران وكأنها من الطين لكنها من مواد جديدة وذكية».
وأخيراً، حول النصائح التي تؤكد عليها جبارة، قالت: "إن الجميل لا يلغي العملي والمريح، والبيت، وهو الملاذ الأخير لنا بعد نهار متعب، يجب أن يكون مريحاً وآمناً ومتكاملاً بين الشكل والوظيفة المتوخاة منه..
وأنصح بالتواصل بين العميل والمهندس لخلق مساحة خاصة تشبه العميل وتسعده، والعمل على التفاصيل الصغيرة بدقة لأنها تحقق فارقاً جمالياً كبيراً، والتوازن بين الأساسيات والكماليات قاعدة ذهبية لا يمكن التفريط فيها، ويجب ألا نكثر من الأثاث، ونتوجه صوب القطع الأبدية التي تخدم لـ30 سنة وأكثر..
وعند استلام المهندس الداخلي لمشروع بيت جديد عليه أن يختار الديكور الأنسب للمتغيرات العائلية التي سوف تحدث بعد إنجاب الأطفال، من تخصيص غرف ومساحات خاصة بهم، واستخدام مواد آمنة لهم، كما يجب التأسيس لزرع النبات ضمن الديكور لأن النبات ليس موضة مؤقتة بل هو جمال دائم ومستمر..
ويمكن أن يكون النبات في الحديقة أو الشرفة أو داخل المنزل وذلك حسب بناء البيت، لكنه في كل مكان له روحية إيجابية كبيرة».