حبها للرسم والألوان، دفعها لأن تدمجه في عملها بمجال الكوتشينج والصحة النفسية، باعتباره وسيلة فعّالة لاسترخاء العقل الباطن، وترتيب أفكاره من حالة الغليان إلى السكينة والهدوء، فمن خلال توظيف فن الرسم، على حد قولها، يمكن تعزيز التفاعل وتحفيز الأفكار الإبداعية، إضافة إلى التخلص من بعض الأمراض النفسية. تحدثنا د.منيرة عبدالله، لايف كوتش ومستشارة تربوية وأسرية وأخصائي إرشاد نفسي، عن هذا النوع من العلاجات، وكيفية تأثيره في الصحة النفسية.
د. منيرة عبدالله
لديك شغف بالرسم منذ الطفولة ما جعلك توظفينه في عملك بمجال الكوتشينج، حدثينا عن ذلك باستفاضة
منذ الصغر وأنا عاشقة للرسم والألوان، وكانت تلك الهواية متنفسي الوحيد، إذ كنت أستخدام مواد مختلفة، مثل الفحم، وقلم الرصاص، والألوان، وغيرها، من المواد المتاحة لأحوّلها إلى لوحة فنية، وكنت أرسم على الورق، والخشب، والقماش، والزجاج، وعلى الجدران، وكنت ألاحظ كم الهدوء والصفاء النفسي الذي ينتابني أثناء، وبعد الانتهاء من الرسم، ومن هنا استشعرت قيمة الفن في هذا الجانب. فالانغماس في الرسم، أو التلوين، يجعل الإنسان ينفصل حرفياً عن واقعة الحالي، ليتصل بعالمه الداخلي، واعتبر هذه الحالة هي حالة اتصال بالذات الداخلية، وهي مرحلة عميقة من الصفاء الذهني الذي نحتاج إليه في ممارساتنا اليومية، لتقليل التوتر والقلق الذي نمر به في حياتنا، لذلك وجدت أهمية أن أدمج عملي في مجال الكوتشينج والصحة النفسية في الفن والرسم، لكي يصل الشخص إلى التصالح مع مشكلة ما بكل هدوء، فجلسات الرسم والتلوين تعمل على استرخاء العقل الباطن، وترتيب الأفكار، ليتحول من حالة الغليان إلى حالة السكينة.
من خلال الفن التشكيلي نعبّر عن المشاعر والأفكار غير المنطوقة في اللوحة
ما هي الفنون التي يمكن تسخيرها في العلاجات النفسية؟
هناك أنواع كثيرة من الفنون من الممكن استخدامها في العلاجات النفسية، منها الرسم، والموسيقى، والرقص، والكتابة الإبداعية، إذ تستخدم هذه الفنون لتعزيز التعبير الذاتي، وتحفيز التفاعل العاطفي، والتأمل، وهذا يسهم في تحسين الصحة النفسية.
ومن خلال خبرتي في هذا المجال وجدت أن للرسم تأثيراً واضحاً في تحسين الصحة النفسية، والتشافي من بعض الاضطرابات النفسية، فمن خلال الفن التشكيلي نعبّر عن المشاعر والأفكار غير المنطوقة في اللوحة، وكذلك نعبّر عن المشاعر المكبوتة عن طريق استخدام الألوان، والتي ترمز في علم النفس إلى دلالات نفسية، فهناك 4 ألوان أساسية، هي الأزرق والأصفر والأحمر والأخضر، فالأزرق مرتبط بالعقل ويعتبر لوناً مهدئاً أساسياً للدماغ، فيستخدم لتقليل التوتر والقلق، والحدّة في التفكير، لذلك نشعر بالراحة والهدوء دائماً، في النظر إلى السماء، أو البحر.
أما اللون الأصفر فيعتمد على العواطف والمشاعر، وعندما نستخدم هذا اللون نشعر بالفرق فوراً، من خلال نشاط العقل، والعمل، كما له تأثيرات نفسية في رفع المعنويات، والثقة، والتفاؤل، أما الأحمر فهو يمثل الجسد بالدرجة الأولى، وهو لون جريء، فيه القوة، والشجاعة والطاقة، والإثارة، أما الأخضر فهو يمثل التوازن والاتصال بالطبيعة، وهو لون الاسترخاء والسكينة والانتعاش، لذلك نجد استخدام فن الرسم له تأثير إيجابي في من يعاني الاضطرابات، مثل الاكتئاب، والتوتر، والقلق، وفرط التفكير.
من وجهة نظرك، ما أخطر الأمراض النفسية المرتبطة بالعصر؟
هناك ضغوطات كثيرة في الحياة الحديثة، مثل متطلبات العمل، والأسرة، والمدرسة، وذلك يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب، كما أن التعرض المتزايد للتكنولوجيا الرقمية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو، وغيرها، يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة باضطرابات الأكل، والنوم، وغيرها.
لكل من الرجل والمرأة طبيعة خاصة، فهل هناك فروق في السمات الشخصية لكل منهما؟
هناك فروق بين الرجل والمرأة من نواحٍ عدة، فمثلاً من جهة العاطفة نجد أن المرأة تميل إلى أن تكون أكثر عاطفية من الرجل، فهي تعبّر عن مشاعرها بسهولة أكبر. أما من ناحية الذكاء الاجتماعي، فهي أكثر ذكاء منه، وتستطيع فهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم بشكل أفضل من الرجل. وفي ما يتعلق بالاهتمام بالتفاصيل فهي تميل إلى أن تكون أكثر انتباهاً منه، إذ تستطيع ملاحظة الأشياء الصغيرة التي قد لا يلاحظها الرجل. أما المهارات اللغوية فهي أيضا تتفوق فيها عليه، وتستطيع التعبير عن نفسها بشكل أكثر وضوحاً، ودقة. ولكن في ما يتعلق بمسألة التفكير المنطقي، والجرأة، ومواجهة التحديات، فالرجل أكثر منطقية من المرأة، ويفكر في الأمور بطريقة واقعية وعقلانية، وكذلك يمتاز بجرأته، ولديه استعداد أكثر لمواجهة التحديات.
يعاني البعض من التفكير المفرط في مشكلة ما، كيف يمكن التخلص من هذا بطريقة صحيحة؟
يعد هذا السلوك ضارّاً بالصحة، الجسدية والعقلية، فالتفكير المفرط يؤدي إلى القلق، والاكتئاب، ومشاكل النوم، ومشاكل في العلاقات الاجتماعية، وهناك طرق عدة للتخلص من ذلك بطريقة صحيحة:
تحقيق السعادة شيء نسبي، إلا أن للحياة قواعد يمكن أن تحقق لنا السعادة المنشودة، فما هي؟
السعادة هي حالة من الرضا الداخلي، وتعتبر تجربة شخصية تختلف من شخص لآخر، لذلك لا توجد طريقة واحدة لتحقيق السعادة، وأرى أن هناك قواعد يمكن أن تساعدنا على تحقيقها في حياتنا، منها الوعي بالمشاعر وعدم قمعها، والتركيز على الأشياء الإيجابية في الحياة، وعدم المبالغة في التوقعات، فالحياة ليست مثالية، وفعل الأشياء التي نحبها، وقضاء الوقت مع الأشخاص الودودين، ومساعدتهم في حال احتاجوا لذلك، فالعطاء يعطي الإنسان الشعور بالرضا والسعادة.
نصيحة لمواجهة ضغوطات الحياة من دون تأثير سلبي مدمّر للصحة
ضغوطات الحياة لا تنتهي، ولكن حياتك تنتهي بسرعة في حال إذا لم تنتبه لنفسك، واعطِ لنفسك الأولوية في الحياة، فصحتك النفسية مهمة، وعليك أن تعبّر، وتتحدث عمّا تشعر به مع الشخص المناسب، وتخبره بكل ما يزعجك، فالتفريغ علاج ممتاز لمواجهه ضغوطات الحياة.
ما أهدافك المستقبلية المتعلقة بمجال عملك؟
أنهيت رسالة الدكتوراه في جامعة العلوم الإبداعية بالفجيرة، والتي كانت بعنوان «العوامل الخمسة الكبرى للشخصية وعلاقتها باستخدام وسائل التواصل»، لذلك أطمح إلى علاج بعض المشكلات النفسية التي يواجهها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال العلاج السلوكي المعرفي، ومعرفة المشكلات التي يعانيها الشباب، وعلاجها عبر جلسات استشارية خاصة، كما أنني بصدد تأليف كتاب خاص عن أسرار الجلسات النفسية، وسيرى النور قريباً، إن شاء الله.