على مدار الألف عام التي تلت بناءها في القرن السادس الميلادي، كانت «آيا صوفيا» هي الكاتدرائية الأكبر التي يتم إنشاؤها على وجه الأرض. وقد ظلت محتفظة بهذا التصنيف على مدى قرون عديدة إلى أن قام السلطان محمد الفاتح بفتح القسطنطينية (إسطنبول حالياً)، وأمر بتحويلها إلى مسجد. ثم مع مجيء مصطفى كمال أتاتورك تحولت «آيا صوفيا» إلى متحف في ثلاثينيات القرن الماضي، وبقيت هكذا إلى ما يقرب من مئة عام، حتى تحولت إلى مسجد مرة أخرى عام 2020.
اكتشفوا مع «كل الأسرة» التاريخ الاستثنائي لأحد أهم معالم مدينة إسطنبول، والذي تستطيع رؤية مآذنه الشاهقة أينما ذهبت في المدينة:
"آيا صوفيا" تعني الحكمة الإلهية
هل تعلم أن ذلك البناء الأثري الذي تراه كلما ذهبت إلى إسطنبول يبلغ عمره نحو 1500 عام؟ فقد تم بناء كنيسة «آيا صوفيا» - أو Ayasofya بالتركية وHagia Sophia باليونانية - في القرن السادس الميلادي ما بين عامي 532-537 بأمر من الإمبراطور البيزنطي «جستنيان الأول»، وقام بتصميمها المهندسان اليونانيان «إيزيدور ميليتوس» و«أنثيميوس تراليس».
وتعتبر «آيا صوفيا» أهم بناء من العهد البيزنطي في إسطنبول وأحد أعظم المعالم الأثرية في العالم، حيث كانت لأكثر من 900 عام بمثابة مركز للحياة الدينية والسياسية في العالم البيزنطي، كما منحتنا رؤية فريدة عن فن البناء والمعمار في تلك الحقبة من التاريخ.
هي أول كنيسة ذات قبة معلقة في العالم
لدى اكتمالها، كانت «آيا صوفيا» أول كنيسة في العالم يتم بناء قبة معلقة لها بنجاح، كما كانت تمتلك أكبر مساحة داخلية للصلاة في العالم. ولأن «آيا صوفيا» تعتبر مثالاً فريداً للعمارة البيزنطية، فقد قال عنها المؤرخون إنها قد «غيرت تاريخ العمارة» على مستوى العالم إلى الأبد. وجدير بالذكر أن كنيسة «آيا صوفيا» هي الكنيسة الثالثة التي يتم بناؤها في ذات الموقع، وذلك بعد تدمير الكنيستين السابقتين لها نتيجة لبعض الأحداث العنيفة التي شهدتها المدينة في العهد البيزنطي. وقد ظلت «آيا صوفيا» هي أكبر كاتدرائية في العالم لقرابة الألف عام، إلى أن تم الانتهاء من بناء كاتدرائية إشبيلية في عام 1520.
تحولت إلى مسجد لمدة 477 عاماً
بعد فترة وجيزة من الفتح الإسلامي للمدينة عام 1453 على يد السلطان محمد الفاتح، أمر بتحويل الكنيسة إلى مسجد يصلي فيه المسلمون، مما استدعى إضافة بعض التعديلات على الهيكل الخارجي والتصميم الداخلي لكي يتماشى مع التقاليد الإسلامية، فتمت إضافة مئذنة خشبية - إلا أنها لم تعد موجودة حالياً – وقبلة باتجاه مكة المكرمة ومنبر لإلقاء الخطب ومدرسة لتحفيظ القرآن. وفي وقت لاحق تمت إضافة عدة ثريات كبيرة وتم بناء المزيد من المآذن في عهد السلاطين العثمانيين الذين تلوا محمد الفاتح.
وعلى الرغم من وجود عدة محاولات لإزالة الفسيفساء الذهبية التي كانت تزين الجدران والأسقف بتصاميم وصور منتمية للديانة المسيحية، إلا أن الأمر لم يفلح، فتم تركها على حالتها ووضع لوحات خشبية ونحاسية ضخمة منقوش عليها اسم الرسول عليه الصلاة والسلام وأسماء الصحابة عليهم السلام، مما أضاف إلى المكان روعة وشعوراً مهيباً بأهمية تاريخ «آيا صوفيا» الديني.
أصبحت متحفاً في عهد أتاتورك
ظلت «آيا صوفيا» مسجداً لقرابة الـ 500 عام، إلى أن تم تحويلها إلى متحف في ثلاثينيات القرن العشرين، حين قام الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك بإعلان تركيا كدولة علمانية وأمر بتحويل المسجد إلى متحف في عام 1935. وفي عام 1985، تم إدراج «آيا صوفيا» كموقع للتراث العالمي وإحدى أهم المناطق التاريخية في إسطنبول من قبل اليونيسكو.
ثم في عام 2020، اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قراراً بتحويل المبنى مرة أخرى إلى مسجد، وبعد وقت قصير من هذا الإعلان تم رفع الآذان وإقامة الصلوات بآيا صوفيا. وبسبب اعتبارها الوجهة السياحية الأكثر شهرة وجذباً للسياح في تركيا، فقد ظلت «آيا صوفيا» مفتوحة للزوار في غير أوقات الصلاة.
هل قمت بزيارة هذا المكان التاريخي المذهل؟