11 يونيو 2023

د. باسمة يونس تكتب: جري الكاتب

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: جري الكاتب

السيرة الذاتية التي أصدرها الروائي الياباني المعروف «هاروكي موراكامي» صاحب روايات «كافكا على الشاطيء» و«الغابة النرويجية» كانت عبارة عن كتاب لطيف، يستطيع أن يأخذ القارئ إلى عالم هذا الكاتب الجميل من خلال هواية بسيطة بعنوان «هذا ما أتكلم عنه عندما أتكلم عن الجري».

والجري هواية يمارسها الكثيرون منا، فنحن لا نتوقف عن الجري لكننا نفعل ذلك في الحياة، وكل منا يجري إلى هدف يخصه وكل منا يرى في ذلك الهدف ما يستحق الجري، فمنا من يصل إلى ما يريد ويقنع به ومنا من يكتشف عند الوصول بأنه لم يفعل شيئاً أكثر من الجري لفترة طويلة من أجل ما لا يستحق، ومنا من لا يزال يجري ولا يريد التوقف عنه كي لا يشعر بالألم الذي قد يصيبه عند التخلي عما اعتاد ممارسته.

لم يكن الجري مجرد رياضة بل جزءاً لا يتجزأ من التغيير الكبير الذي غير حياة «موراكامي» وحوله إلى واحد من أشهر وأنجح الروائيين في العالم محولاً الجري إلى رياضة عقلية وخلوة لا يقاطعه فيها أحد تحفز ذاكرته فيكتب ويصدر روايات أقل ما يمكن قوله عنها إنها ناجحة.

ومن خلال مشاركاته في الماراثونات وذكرياته والدروس التي تعلمها سنتعرف إلى عالم «موراكامي» بأسلوبه الجميل وعبر مدخل من هواية بسيطة لا تحتاج إلى أدوات ولا تكلف الكثير.

ومن زواج في الثانية والعشرين من عمره وافتتاحه مع زوجته حانة صغيرة عملا فيها معاً لسنوات حتى بدايته في كتابة الروايات التي كان يعمل عليها في أوقات الفراغ وقد لا ينام حتى يطلع الصباح ويعاود عمله في الحانة، سنعرف سر النجاح الذي حصده من أول رواية نشرها وجعله يغلق الحانة رغم محاولة الجميع إثنائه عن ذلك لكنه أقنعهم بأنه إن لم ينجح برواياته سيعاود افتتاحها من جديد.

كان «موراكامي» يقضي على علبتي سجائر كاملة في اليوم حيث يعتبر من يستهلك 60 سيجارة يومياً مدمناً إلى حد خطير، لكنه وقد اتخذ قراراً بالدخول إلى عالم الكتابة قام بإجراء تعديلات جذرية على حياته، بدء من قرار الانقطاع عن التدخين والاهتمام بطعامه ومن ثم ممارسة رياضة الجري.

والجري أول ما خطر له كونه أسهل رياضة يمكن ممارستها بدون الالتزام بمدرب أو التواجد في صالة رياضية واستخدام الأدوات اللازمة لذلك، وزاده الانقطاع عن التدخين تحفيزاً للجري لفترات طويلة قمعا لشعور المدمن بالرغبة في العودة لحمل السيجارة وخوفاً من الوقوع في شباكها من جديد.

ناهيك عن مشاركاته في الماراثونات التي توزعت على 26 ماراثونا خلال 25 سنة وممارسته السباحة واهتمامه بداية برياضة ركوب الدراجات الهوائية التي انتهت بحادثة اصطدام جعلته ينفر منها ويقرر التوقف نهائيا عن ممارستها، ليظل في منطقته الآمنة مع رياضة الجري.

ومن خلال مسيرة حياة «موراكامي» وذكرياته التي انسابت عذبة مثل حكايات تومض في ذاكرته أثناء الجري نستكشف متعة التغيير والمجازفة، وكيف يمكن أن تصبح هواية صغيرة منطلقا لنجاح كبير، قد يراه البعض صعبا لكنه يمكن أن يتحقق إن قررنا الالتزام به ولم نتردد.

 

مقالات ذات صلة