06 سبتمبر 2022

ما الهديّة التي يمكن أن نهديها لأنفسنا؟

محررة في مجلة كل الأسرة

ما الهديّة التي يمكن أن نهديها لأنفسنا؟

ما الهديّة التي يمكن أن نهديها لأنفسنا؟ سؤال يدخل في عمق تصالحنا مع ذواتنا والارتقاء بها إلى آفاق من العطاء المتبادل بحيث نحتاج دورياً إلى دعم أنفسنا والتماهي مع احتياجاتنا وتلبية متطلباتنا النفسية والاجتماعية، وإلا انهارت دفاعاتنا ووصلنا إلى مرحلة من عدم التوازن.

فأن نهدي أنفسنا هو ضرورة حتمية وشكل من أشكال تواصلنا مع الذات بشكل فاعل ومثمر ، لكن هل يمكن أن تشكّل الهدايا المادية عنصراً فعالاً في علاقتنا بأنفسنا بحيث نسعد بها مؤقتاً ، أو تكون ذات مفعول أطول، أم أن التقدير المعنوي هو الأكثر جدوى واستدامة في تعزيز علاقتنا بذواتنا وشعورنا بالسلام الداخلي؟

«كل الأسرة» استطلعت آراء عدة اختصاصيين للوقوف على آرائهم وعلى آليات إهداء أنفسنا هدية تليق بها.

عمل الخير أجمل هدية

لطالما كان العطاء ملاذاً لسعادتنا والنظرة بفخر إلى ذواتنا والتصالح معها. فالعطاء هو الهدية الأكثر جلاء لذواتنا ومرآة لأرواحنا بحيث يرمّم شظايانا ويعيد تدويرها وفق مشاعرنا.

يعتمد رأي نصرة الحبسي، مدربة في البرمجة اللغوية العصبية، على هذا التحليل في سؤالنا لها عمّا نهدي أنفسنا، إذ تقول «أجمل هدية يقدمها الشخص لنفسه حب النفس من خلال عمل الخير وتقديم العون للآخرين وتقديم الدعم للمجتمع بلا مقابل».

هذه الهدية من شأنها أن ترسي للكثير من دعامات القناعة والرضا في الحياة، توضح الحبسي هذه الأبعاد «الحب شعور رائع يملأ قلوبنا بالسعادة ويجعل الشخص يرضى بأبسط الأشياء ويرى أجمل ما بالحياة. لعمل الخير آثار إيجابية على الفرد نفسه، حيث يخلصه من الضغوط النفسية بفضل المشاعر الإيجابية المترتبة عند مساعدة الآخرين. فكما تتولد مشاعر السعادة وتقلّل الشعور بالغضب والحزن والشعور بالوحدة، تولّد الشعور بالاتصال مع الآخرين وتكوين رؤية جديدة لتقدير نظرة الفرد للحياة».

في أغلب الأحيان، لا تكون الهدايا المادية هي الأنسب «عندما يكون الشخص معطاء ولا ينتظر المقابل، فهو بذلك يخفف العبء عن الآخرين وبالأخص حينما يكون ذا مسؤولية ويسعى لتدبير مصاريف الهدايا. فمراعاة الآخرين جزء من تحقيق السعادة النفسية وتأثير الهدايا المادية مؤقت، في حين أنّ تأثير الـجانب المعنوي دائم وبالأخص حين يترافق مع الأعمال الخيّرة».

«راحة البال» تعزز صحتنا النفسية والجسدية

يقول البعض إن تقديم هدية لنفسك قد يزيد من معدل السعادة لدى الفرد. وفي السياق نفسه، تلفت ناعمة الشامسي، مدربة دولية في التنمية البشرية ومستشارة نفسية وأسرية وزوجية، إلى أن أكبر هدية يمنحها الإنسان لنفسه هي راحة البال لتعزيز صحته النفسية والجسدية «راحة البال هي أهم وأغلى هدية يمنحها الإنسان لنفسه لكون الفرد مرتاح البال يتولد عنده نوع من الرضا الداخلي والاتزان النفسي وروح التسامح مع الآخرين».

كيف يريح الفرد باله؟

تطّل راحة البال على عوالم من السلام الداخلي «يريح الفرد باله بمعنى أنّه لا ينتقد الآخرين ولا يعيب غيره ولا يشكو دائماً من عدم الرضا. فراحة البال لها معان وأبعاد كثيرة، ولو تعمق بها الإنسان لاكتشف أنها الهدية الأغلى في حياته التي يكتنفها الاستقرار والسعادة».

راحة البال ليست رهناً بفقر أو غنى «الإنسان الذي يتمتع براحة البال يتسم بنقاء داخلي ويفسر الأمور بطريقة صحيحة لا يشوبها نوع من التشويش أو الظلم للآخرين ويسودها الاطمئنان النفسي».

وفي دعوتها لترسيخ راحة البال، تستعين الشامسي بالكثير من التحليلات التي تؤكد أن الجهاز المناعي ينهار في حالات الخيبة والانكسار، ما يساعد على تفشي الأمراض واختراق أجسادنا، مشددة على أهمية أن نحافظ على سلامة صحتنا النفسية بالابتعاد عمّا ينغص سعادتنا ويؤرق يومياتنا واعتماد منهج يعزز تصالحنا مع ذاتنا على الدوام وتلمس النعم حولنا ومصاحبة الإيجابيين والتسامح.

ما الهديّة التي يمكن أن نهديها لأنفسنا؟

التسامح والحب اللامشروط سبيلان للتشافي

عادة ما ينسحب الشعور بالتسامح على كل واقعنا وتصالحنا مع ذواتنا. ففي رحلة التشافي من كل آلامنا وجروحنا، لا بد أن نمنح أنفسنا هدية.

تؤكد مدربة الحياة غدير كركي أن الحب اللامشروط لكل شيء ولكل ما حولنا هو أعظم هدية لأنفسنا «قد يسأل الفرد نفسه ما الهدية التي يمكن أن يقدمها لنفسه وقد يربطها بشيء مادي ولكن ما أود قوله إنّ الهدايا ذات الطابع المادي التي نهديها للأشخاص تحمل في الحقيقة أبعاداً معنوية نحاول إيصالها لهم، وبما أننا لا نجيد التعبير عن مشاعرنا، فننقل هذه المشاعر عبر شيء مادي (كالهدايا) لتترجم ما لا نستطيع التعبير عنه كلامياً».

بيد أن السؤال جوهري يرتكز على «تقديم الهدايا للآخرين وإغفال إهداء أنفسنا»، توضح كركي «الحب وعطاؤه وإنفاقه والشعور فيه هو الكلمة السحرية التي في حال أدرك الفرد معناها وبدأ بإنفاقها لكل الناس، قد تكون أعظم هدية يهديها لنفسه».

تنطلق البداية من «حب أنفسنا» لنستطيع عطاء الحب لمن حولنا «البعض يردد أن الإنسان المحتاج لا يستطيع أن يعطي، والبعض يؤكد أن الإنسان المحتاج للعاطفة هو أكثر شخص ينفقها (أي ينفق العاطفة) ولكن في حال كنت تملكين 10دولارات وطلبت منك 11 دولاراً.. هل يمكنك إعطائي المبلغ المطلوب؟».

هذا التساؤل ينسحب على المشاعر «عطاء الحب لأنفسنا هو نتيجة استشعارنا للأشياء الجميلة من حولنا وفي حياتنا والحب اللامشروط يقود الفرد إلى الشعور النفسي بالسلام الداخلي، لا يضايقه أي سلوك يعترضه ولكن هذه الخطوة تتطلب الكثير من الجهد، ولكن بالاستناد إلى «الفعل والفاعل» واستيعاب أن الفاعل هو شخص مثلي له إيجابياته وسلبياته، وأن الفعل الذي يقوم به يختلف عنه، أصل عندها إلى مرحلة التصالح مع النفس والخروج من نطاق الأحكام، ما يقودني إلى الحب اللامشروط».

ما الهديّة التي يمكن أن نهديها لأنفسنا؟

ولكن هل الهدايا لأنفسنا تقودنا إلى التشافي من جراحاتنا والآلام النفسية؟

تجيب مدربة الحياة «كل الآلام النفسية بلا استثناء مصدرها أفكارنا وشعورنا تجاه الأشياء. في جلساتي، يشكو كثيرون من إساءات تعرضوا لها من آخرين سواء من أخ أو زميل عمل أو زوج، ولكن الأصل إن الفرد لو لم يضع حكماً مسبقاً على من حوله لن يجعل أفكاره تؤذيه ومن الضروري أن نعيد الأمور إلى معناها الأصلي».

تشرح كركي «لو جاء أحدهم وقال لي أنت لست بارعاً في العمل، وهنا السؤال: أين الإساءة؟ أفترض أن هذه وجهة نظره ولو كنت واثقا بنفسي وأحب نفسي حباً لا مشروط وأتقبل أني قد ارتكب الخطأ، هذا يساعدني على التشافي مع وضع الأمور في نصابها دون «زيادة بهارات» على أي موقف نتعرض له والتفكير الزائد بأبعاده».

التسامح .. هدية تشفي النفس

ثمة هدايا أخرى تشفي أنفسنا تتماهى مع الحب اللامشروط وتتكامل معه «التسامح هو المرتكز لأن الشعور بعدم التسامح يؤذيني قبل أن يؤذي الشخص الآخر. التسامح بمعناه الحقيقي يقودني إلى الشعور بالراحة إذ يمكنني اختيار عدم التعامل مع الشخص المسيء ولكن أسامحه لأن مفهوم التسامح يحمل آثاراً إيجابية على كل مناحي حياتك».

الحب اللامشروط يقود إلى السلام الداخلي والتصالح مع النفس