من منا نجى من غواية مقارنة صورة حديثة له بصورٍ له وهو، أو هي، في مراحل عمرية أبكر. وربما لهذا السبب اخترعت بعض منصات التواصل الاجتماعي، «فيسبوك» على سبيل المثال، فكرة تحدي السنوات العشر، أو ما هو دونها أو أكثر منها، لحمل المتابعين على تتبع ما الذي تغيّر في هيئاتهم: ملامح وجوههم، موديلات ملابسهم، لون شعر رؤوسهم أو لحاهم، وسوى ذلك.
المشاعر عند هذه المقارنات بين ما نحن عليه اليوم وما بدونا عليه قبل عشر أو عشرين سنة وأكثر متفاوتة. قد يبدو البعض في سنوات النضج أجمل مما كانوا عليه وهم في سنوات الصبا والشباب، وطبيعي أن يبعث ذلك في نفوسهم مشاعر من الرضا والبهجة، وقد يحدث العكس، حين نلحظ ما خلفه مرور الزمن على الوجوه من تجاعيد، ومن علامات الكبر على الهيئات، وما يستتبع ذلك من مشاعر تبث طاقة سلبية في النفوس.
سيكون من ضرب التعسف على نفوسنا، لو حصرنا الأمر فيما تركه الزمن من آثار في ملامحنا، فتلك سنة الحياة وحكمتها، لا يمكن لنا أن نبقى على الشكل نفسه في مختلف سنوات العمر ومراحله، فالسنوات تمر وتترك آثارها، لكن ما هو أهم من ذلك علينا الالتفات إلى مقادير شعورنا بالسعادة الداخلية، سعادة النفس والروح، فلعلنا وقد بتنا أكبر سناً نشعر بسعادة افتقدناها في مراحلنا العمرية الأصغر.
بعد سنوات من الكدّ يحقق الكثيرون نجاحات كانوا يرمونها، ويشعرون باستقرار كانوا يفتقدونه فيما مضى من أعمارهم، ما يخلق في نفوسهم شعوراً بالرضا والاستمتاع بالحياة، بل إن الكثيرين يعتبرون سنوات التقاعد من أجمل سنوات حياتهم، وما أكثر ما تعقد المقارنة بين المتقدمين في العمر، نساء ورجالاً، الذين نصادفهم في المدن الأوروبية أو في الجولات السياحية وبين أمثالهم في بلداننا، حتى لو كانوا أقل سناً منهم، ففيما نجد لدى الأولين الحيوية والرغبة في الاستمتاع بالحياة نصادف لدى الأخريين الميل إلى الكآبة واليأس واعتلال الصحة المبكر.
في هذا السياق أحببت مشاركتكم أبيات قصيدة لشاعر أجنبي اسمه ألكسندر يفتوشينكيو، ترجمها إلى العربية إبراهيم إستنبولي، تتناول مسألة الإحساس بالعمر، وفيها يقول: «نحن لا نشيخ بفعل الشيخوخة/ ولا بسبب السنوات التي عشناها/ بل نشيخ من التعب/ بفعل الحزن والقدر المحتوم/ وبفعل حبٍّ لم يُكتب له النجاح/ بسبب فقدان الأمل في الحياة/ وبسبب صخب كل يوم/ بسبب الهموم التي تتضاعف/ والمشاكل التي لا حلَّ لها/ نحن نشيخ قبل الأوان/ لأنَّ أرواحنا تُصاب باليباس»!