18 نوفمبر 2020

د. باسمة يونس تكتب: السر في الملعقة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: السر في الملعقة

أراد شاب أن يعرف سر السعادة، وكان عليه أن يعثر على أحكم إنسان على وجه الأرض أولاً ليخبره به، فذهب إلى الصحراء وتسلق الجبال ونزل في السهول وأبحر في المحيطات. ووصل أخيراً إلى قلعة جميلة في أعلى قمة جبل حيث قيل له إن رجلًا حكيماً جداً يسكنها. وكان الشاب وهو يتسلق الجبل يتخيل أن الرجل الحكيم هو ذلك الذي لطالما سمع عنه بأنه شخص زاهد يعيش حياة متواضعة وهادئة تبعده عن صخب المدينة وهي ما يجعله سعيداً، ولكن ولدهشته رأى ما لم يتوقعه. كانت القلعة مزدحمة بالعديد من الأنشطة ويتواجد فيها تجار ومبيعات وكان الناس الذين يتزاحمون في المكان يتحدث البعض منهم في الزوايا وآخرون يمشون، بينما تعزف أوركسترا صغيرة الموسيقى الهادئة، ورأى في المكان مائدة كبيرة عامرة بأطباق متنوعة من أشهى الأطعمة في العالم.

كان الرجل الحكيم يمشي بين الحاضرين ويتحدث مع الجميع، وكان على الشاب الانتظار عدة ساعات ليصل دوره في التحدث معه. وبعد أن جاء دوره، استمع الرجل الحكيم باهتمام إلى فضول الشاب لمعرفة سر السعادة فقال الحكيم إنه لم يكن لديه وقت لشرح سر السعادة في تلك اللحظة لكنه اقترح على الشاب أن يتجول حول قلعته ويتفرج على جمالها ويعود له في غضون ساعتين. وطلب الحكيم من الشاب أن يحمل معه ملعقة صغيرة فيها قطرتان من الزيت وأوصاه أن يحرص على عدم سكب هاتين القطرتين مهما حدث.
بدأ الشاب يتسلق السلالم التي قادته إلى زوايا المكان ومجاهله بينما عيناه مثبتتان على الملعقة، وبعد ساعتين، عاد إلى حيث كان الرجل الحكيم فبادره بالسؤال: «هل رأيت التطريز الفارسي المعلق في صالة الطعام الخاصة بي؟ هل رأيت شكل الحديقة التي يعمل عليها البستاني منذ عشر سنوات؟ هل لاحظت الرفوف الجميلة في المكتبة؟» شعر الشاب بالحرج واعترف للحكيم بأنه لم يلاحظ شيئاً مما حكى عنه لأن همه الوحيد كان في التركيز على الملعقة خشية أن ينسكب الزيت الذي طلب منه الرجل الحكيم ألا يسكبه.

قال الحكيم: «إذن ارجع وتملى جيداً في روائع المكان، فكيف ستثق بنصيحتي إن كنت لا تعرف شيئاً عني ولا عن المكان الذي أعيش فيه؟». التقط الشاب الملعقة وعاد إلى استكشاف المكان وكان هذه المرة أكثر وعياً بالمحيط مستغرقاً في التدقيق في جميع الأعمال الفنية الموجودة على الأسقف والجدران. واستمتع بجماليات الحديقة التي عمل البستاني عليها عشر سنوات لتصبح مزدهرة بالنباتات ورأى هيبة الجبال من حوله، وعند عودته إلى الحكيم، حكى له بالتفصيل كل ما رآه لكنه لم يتوقع أن يسأله الحكيم فجأة: «ولكن أين قطرات الزيت التي طلبت منك ألا تسكبها من الملعقة؟». نظر الشاب إلى الملعقة التي كان قد نسي أمرها ولم يجد الزيت فيها، فقال له الحكيم حينها: «حسناً، هناك شيء واحد يمكنني أن أقدمه لك عن سر السعادة، وهو التمتع بكافة روائع العالم ولكن بدون نسيان الاهتمام بعدم سكب قطرات الزيت من الملعقة».

 

مقالات ذات صلة