في صباح قد يبدو عاديًا لموظف يرتدي بدلته، جالس على مكتبه، يقوم بعمله المعتاد في سعادة ودفء، تأتي الموظفة لعملها وبالها مشغول وقلبها منقبض، تقترب من مكتبها بحذر شديد وجاكيت ضخم وكوب ساخن من القهوة استعداداً لموسم من الشتاء يستمر حتى نهاية وقت العمل، يراقبها الرجل في تعجب، كيف ترتعش من البرد ودرجة الحرارة في الخارج تتعدى الأربعين درجة مئوية.
ويبدأ الجدل، بين دعوات النساء لرفع درجة حرارة المكيف وبين استنفار الرجال وإصرارهم على الدرجة المنخفضة.
فما أسباب هذا الاختلاف وكيف نعيد السلام إلى مقر العمل؟
ظلت الحرب بين الرجال والنساء في مكاتب العمل قائمة ومجهولة الأسباب حتى ظهور دراسة في 2015 تفيد بأن درجة الحرارة في المكاتب يحددها الرجل مستخدمًا إحساسه العام بالدفء الناتج عن استهلاكه للطاقة بشكل أكبر عن المرأة عند الجلوس.
وطالبت الدراسة التي نشرتها مجلة Nature Climate Change بالتوقف عن التحيز للرجل وإعادة ضبط درجات الحرارة عند مستويات أكثر دفئًا مراعاة لشعور المرأة وحفاظًا على البيئة من الاحتباس الحراري.
وكانت الممثلة والناشطة الحقوقية سنثيا نيكسون قد انتقدت أثناء ترشحها لمنصب حاكم مدينة نيويورك العام الماضي برودة المكاتب واصفة درجات الحرارة القاسية التي يفضلها الرجال بـ “التمييز العنصري الواضح".
بيد أن هذه النداءات لم تكن كافية للتوصل إلى توافق حول درجة الحرارة المثالية للمكاتب حول العالم بحجة أنها لا تعد من ضمن أولويات الإدارة ولا تؤخذ بشكل جدي.
لم يتوقف الباحثون عند دراسة الأسباب وذهبوا إلى تحليل تأثير درجة حرارة المكاتب على الأداء الذهني والمعرفي للمرأة والرجل وأكدت الدراسة التي أجرتها جامعة جنوب كاليفورنيا ونشرتها مجلة بلوس ون العلمية أن أداء النساء كان أفضل في حل المسائل الرياضية والاختبارات اللغوية عند تعرضهن لدرجة حرارة تقارب 30 درجة مئوية بينما كان أداء الرجال أفضل في درجة حرارة تقترب من ٢٠ درجة مئوية.
كما وجدت الدراسة أن قدرة المرأة على الإنتاج تزيد بنسبة ١.٧٦ ٪ مع كل ١.٨ درجة مئوية، هذا الاكتشاف قد يساهم في تناول القضية بشكل أكثر جدية وحزم خاصة مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء في القوة العاملة في العالم إلى 48.5 ٪ وفقًا لآخر تقرير نشرته منظمة العمل الدولية في عام 2018.
بالنظر إلى كل العوامل السابقة واختلاف طبيعة المرأة عن الرجل من الصعب تحديد درجة يمكن أن ترضي الطرفين وتطفئ فتيل الحرب بينهما لكن قد يتفق الجميع حول الدرجة الأنسب للبيئة ونحن نتوجه نحو مستقبل مستدام وآمن يحفظ الأرض ويوفر الاستهلاك.
وكانت مؤسسة الإمارات لأنظمة التبريد المركزي "إمباور" - أكبر مزود لخدمات تبريد المناطق في العالم - قد أطلقت في يونيو العام الماضي حملتها السنوية لترشيد استهلاك طاقة التبريد تحت شعار "Switch to 24c and save more" لضبط درجة حرارة مكيف الهواء عند 24 درجة مؤكدة أنها درجة الحرارة المثلى للشعور بالراحة وتخفيف الضغط على شبكة التبريد وخفض فاتورة الاستهلاك وتقليل الانبعاثات الكربونية التي قد ينتج عنها ظاهرة الاحتباس الحراري. كما أطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي في أغسطس العام الماضي حملة "لنجعل هذا الصيف أخضر" لضبط درجة حرارة مكيف الهواء عند 24 درجة مئوية لترشيد الاستهلاك والحفاظ على البيئة. مع اختيار البيئة وتحمل المسؤولية الاجتماعية تظهر الحاجة إلى الهدنة وضرورة التكيف مع درجة الحرارة المتفق عليها والاستعانة بملابس للتدفئة عند الحاجة.