22 ديسمبر 2025

كيف يعالج حضور الأب «النوعي» اختلالات الطفولة المبكرة؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

مع غياب الوعي بأهمية دور الأب العاطفي، وزيادة استخدام الأطفال للشاشات، تتشكل اختلالات مبكرة في شخصية الأبناء تظهر في وقت لاحق بشكل عنف، أو انعزال، وصعوبات في التواصل.

في ظل هذه التحوّلات تبرز الحاجة إلى مراجعة الأساليب التربوية، ودعم حضور الآباء في حياة أطفالهم، بوصفهم عنصراً للأمان والتوازن، لضمان نشأة صحية تعيد للأسرة تماسكها، وللطفل استقراره النفسي والاجتماعي. هذا كان أبرز ما تمت مناقشته في جلسة منتدى سلامة الطفل بنسخته الثالثة «آباء يصنعون الفرق عبر الأجيال» التي ركزت على الدور المحوري للآباء في تشكيل شخصية الطفل.

مجلة كل الأسرة

مرحلة الطفولة... حاسمة في بناء شخصية الطفل

تبيّن الخبيرة النفسية والاجتماعية المتخصصة في مجال صحة الطفل وحماية الأسرة، الدكتورة بنه بوزبون، أهمية مرحلة الطفولة «أيّ خلل في هذه المرحلة، سواء بسبب غياب الدور الأبوي أو الممارسات التربوية الخاطئة، يخلق فجوات عميقة تترجم في وقت لاحق إلى أنماط عنف وصراع داخل الأسرة، ومحيط الطفل. فالأطفال، بطبيعتهم، يصبحون انعكاساً لما يتلقونه من آبائهم، سواء كان سلوكاً، أو مشاعر».

وتشير د. بوزبون إلى أن «السلوك العنيف الذي نشهده اليوم، أحياناً، في المدارس، بشكل خاص بين الذكور، ليس إلا انعكاساً مباشراً للبيئة المنزلية. فالتواصل البصري بين الأب وطفله، أو لمسة طمأنة بسيطة، قادرة على إفراز هرمونات تمنح الطفل شعوراً بالأمان، وتخلق رابطاً عاطفياً يؤثر في توازنه النفسي طوال حياته»، وتلفت «للأسف لا يزال المجتمع يحصر الأب في دور المزوّد المالي، أو رمز العقاب، بينما يغيّبه عن الدور العاطفي والتربوي الحقيقي. لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل وجود بعض التجارب العالمية، مثل قبائل إفريقيا الوسطى التي ينخرط فيها الأب في رعاية الأطفال منذ الولادة، ما يسهم في تنشئة شخصيات متوازنة، وبالتالي مجتمعات بمستويات منخفضة من العنف».

مجلة كل الأسرة

الأبوّة... مسؤولية إنسانية وليست وظيفة

فيما كشفت الأخصائية الاجتماعية الدكتورة فاطمة الحمادي أن «كثيراً من الشباب يدخلون الزواج غير مدركين دور الأب الحقيقي، فينشغلون بتوفير الاحتياجات المادية فقط، تاركين الحمل العاطفي والتربوي للأم وحدها». وتوضح «الأب لا يطلب منه أن يؤدي نصف الأعباء حرفياً، بل أن يقدم حضوراً نوعياً يشعره بالمسؤولية والارتباط. فيكفي اجتماع مدرسيّ واحد، أو قصة قصيرة قبل النوم، أو لحظة إنصات عميقة، لتغيير شكل العلاقة».

وتؤكد د. الحمادي «احترام الزوجين لبعضهما بعضاً أمام الأطفال هو الأساس لبناء شخصية سوية، فالصراخ المتبادل يخلق دوامة من الفوضى، يفقد فيها الطفل القدرة على التمييز بين السلوك الصحيح والخاطئ، أما الأب الهادئ، المنصت، المحترم، فيصبح مصدر الطمأنينة الأولى للطفل». ومع نمط الحياة الحديثة، يعمل بعض الآباء لساعات طويلة، أو يعيش في إمارة ويعمل في أخرى، ومع ذلك، فإن جودة الوقت أهمّ من مدته، نصف ساعة يومياً من الحضور الواعي، مع حوار بسيط، حضن، أومشاركة كافية لترسيخ علاقة آمنة ومستقرة بين الأب وطفله».

الشاشات... حاجز بين الطفل والأهل

من جانبها، توضح الدكتورة أليسون، الخبيرة في وقت استخدام الشاشات، كأم وليست كأكاديمية «حاجة الأطفال إلى استخدام الآيباد لأغراض مدرسية يسهل لهم قضاء طويل على الأجهزة اللوحية لأغراض غير دراسية، هذا الواقع يجبر الأهل على خوض معادلة صعبة بين ضرورة استخدام التكنولوجيا التعليمية، وبين تأثيراتها النفسية والاجتماعية في الأبناء». وتؤكد «على الرغم من الفوائد الكبيرة لهذه الأجهزة، إلا أنها يمكن أن تتحول إلى حاجز صامت يعيق العلاقة الطبيعية بين الوالدين وأطفالهم، فالتكنولوجيا جذابة، تستحوذ على انتباه الطفل بسهولة، لكن آثار هذا الحاجز تظهر عندما يفقد الطفل تواصله البصري مع والديه، ويختفي الحديث اليومي، ويبدأ الطفل بتفضيل العزلة مع جهازه بدل ممارسة الرياضة، أو اللعب مع أقرانه. عند ذلك لا تعود التكنولوجيا مجرّد وسيلة، بل تتحول إلى عامل يعزل الطفل عن محيطه العاطفي والاجتماعي».

وتشير د.أليسون «الحل يبدأ من جلسة حوار واضحة داخل الأسرة، تتحدّد فيها قواعد استخدام الأجهزة الرقمية بناء على الأهداف التي تراها الأسرة مناسبة لها، لا على الضوابط التقنية فقط. فعندما تنطلق الحدود من منظومة القيم، يصبح من السهل تمييز اللحظة التي تتجاوز فيها التكنولوجيا دورها التعليمي، إلى التأثير السلبي في العلاقات الأسرية».

وتوجه الخبيرة في مجال استخدام التكنولوجيا، إلى أهمية تحديد موعد أسبوعي ثابت يتحاور فيه الآباء مع أطفالهم، حول ما يشاهدونه ويختبرونه عبر الإنترنت، ليتمكنوا من الإطلالة على العالم الذي يعيش فيه الأطفال، وتقديم الدعم والتوجيه المناسبين لهم ليتمكنوا من بناء مهارات الاستخدام المسؤول والأخلاقي للتكنولوجيا. وتختم «الثقة بالعلاقة بين الأب والطفل، يجب أن تكون مرافقة بالوعي والحكمة، لضمان بيئة آمنة توازن بين التطور الرقمي والحضور العاطفي، ليتمكن الطفل على النمو بشكل صحي، لا يقصيه عن أسرته، ولا يعزله خلف الشاشات».