07 ديسمبر 2025

متى يتحول خوف الطفل إلى مشكلة تحتاج التدخل؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يُعد الخوف من أبرز الانفعالات الفطرية التي ترافق مراحل نمو الطفل، وتطوّر قدرته على التمييز بين الأمان والخطر، غير أن استمراره بطريقة تؤثر في سلوكه وتواصله الاجتماعي يحوّله إلى مشكلة نفسية تتطلب انتباهاً، وتعاملاً واعياً من الوالدين.

مجلة كل الأسرة


في هذا الإطار، تكشف أخصائية التربية وتعديل السلوك فيروز محمد الغنما، مراحل الخوف عند الأطفال بقولها «يمرّ الطفل خلال مراحل نموّه المختلفة بأنواع متعدّدة من المخاوف، تتغيّر مع تقدمه في العمر، ونضوجه العقلي والعاطفي:

  • في مرحلة الرضاعة، من عمر الولادة حتى السنتين، تكون المخاوف بسيطة وغريزية، مثل الخوف من الأصوات العالية، أو من الوجوه الغريبة، أو من الانفصال عن الأم. هذه المخاوف تعبّر عن احتياج الطفل إلى الأمان والارتباط، وغالباً ما تزول تلقائياً مع مرور الوقت حين يبدأ بالتعوّد على البيئة المحيطة به.
  • في مرحلة الطفولة المبكرة، من عمر ثلاث إلى خمس سنوات، يبدأ خيال الطفل بالنمو بشكل ملحوظ، ما يجعله عرضة لمخاوف جديدة مرتبطة بعالمه الداخلي، مثل الخوف من الظلام، أو الوحوش، أو الأصوات الغريبة، أو النوم بمفرده. كما قد يظهر خوفه من دخول المدرسة، أو الانفصال المؤقت عن الوالدين. جميع هذه المخاوف رغم أنها تبدو غير منطقية للبالغين، إلا أنها حقيقية جداً بالنسبة إلى الطفل، لأنها تنبع من خياله النشط، ومن حاجته إلى الشعور بالاطمئنان في عالم جديد يتسع أمامه كل يوم.
  • ومع تطوّر وعي الطفل بين عمر السادسة والتاسعة، تتحول المخاوف من خيالية إلى واقعية أكثر، حيث يبدأ بالخوف من الفشل في المدرسة، ومن الأمراض، والموت، والكوارث الطبيعية. هنا يبدأ إدراكه للعالم الواقعي واتساع مفهومه للحياة والموت، ما يجعله أكثر عرضة للقلق إن لم يحصل على الدعم النفسي اللازم من والديه.
  • وعندما يصل الطفل إلى مرحلة ما قبل المراهقة، من عمر العاشرة حتى الثانية عشرة، تتبدل طبيعة الخوف لتصبح اجتماعية بالدرجة الأولى، فيبدأ يخاف نظرة الآخرين إليه، والرفض، أو الإحراج والفشل أمام زملائه. وهذه المرحلة حساسة لأنها تتعلق بتكوين هويته الاجتماعية والشخصية، لذلك يحتاج فيها إلى دعم كبير من الأهل ليشعر بالثقة والقبول».
مجلة كل الأسرة

وعن التمييز بين الخوف الطبيعي والخوف المرَضي، تقول فيروز «على الوالدين أن يعرفا أن الخوف الطبيعي هو الذي يظهر في مواقف محدّدة، ويختفي تدريجياً مع التعوّد، أو الطمأنة، أما الخوف المرَضي فهو الخوف المفرط الذي يستمر ليؤثر في نوم الطفل، وأكله، وسلوكه، ويمنعه من ممارسة أنشطته اليومية. ومن علاماته تجنب الطفل الدائم للموقف الذي يخيفه، وظهور أعراض جسدية، مثل آلام المعدة، أو الصداع، من دون سبب عضوي، أو البكاء المستمر، والكوابيس المتكررة. في هذه الحالة لا يجوز تجاهل الطفل، أو السخرية منه، بل يحتاج إلى احتواء نفسي، وربما إلى استشارة مختص، سلوكي أو نفسي».

وتشير أخصائية التربية إلى الأخطاء التي يقع فيها الوالدان «يلعب الأهل دوراً كبيراً في تكوين الخوف، أو زيادته، عند الطفل، من خلال أساليبهم التربوية اليومية. ومن أكثر الأخطاء شيوعاً أن يستخدم الأهل التخويف كوسيلة للسيطرة، أو التربية، مثل تهديد الطفل ببعض الجمل «الوحش سيأتي ليأخذك إذا لم تسمع الكلام»، أو«سأتركك وحدك إذا لم تتصرف بطريقة جيدة»، هذا الأسلوب يزرع في نفس الطفل صورة مرعبة عن العالم، بدلاً من تعليمه الانضباط والثقة. كذلك فإن السخرية من خوف الطفل، أو إنكار مشاعره من أكثر الأخطاء ضرراً، لأن الاستهزاء بمشاعره يشعره بالخجل من التعبير عن خوفه، فيكتمه، ويتحوّل إلى قلق داخلي. كما أن بعض الأهل ينقلون مخاوفهم الخاصة لأبنائهم من دون قصد، كأن تظهر الأم قلقها الدائم أمام الطفل، أو تكثر من التحذيرات، فينشأ الطفل وهو يظن أن العالم مكان خطر، لا يمكن الوثوق به، علاوة على أن غياب التطمين والاحتضان عند الخوف يجعل الطفل يشعر بالعجز، ويضاعف خوفه».

تكمل «من ناحية أخرى، يمكن للأهل أن يغرسوا في نفس الطفل الشعور بالأمان، من خلال ممارسات بسيطة، ومؤثرة، كالاحتضان، وهو أول وسيلة لطمأنة الطفل، فاللمسة الدافئة والعناق يخففان من توتره. كما أن الصدق مع الطفل في تفسير بعض المواقف المقلقة يعزز ثقته بوالديه، فالطفل الذي يسمع الحقيقة من والديه يشعر بأنهما مصدر الأمان بالنسبة إليه، وليس مصدر خداع. كذلك تعويد الطفل على مواجهة ما يخيفه يعلّمه الشجاعة، على سبيل المثال، بدلاً من إجباره على النوم وحده يمكن البدء بالنوم في غرفة مع إضاءة بسيطة، ثم تقليل الإضاءة تدريجياً. كذلك اتباع أسلوب الحوار المفتوح، فمن الهام تشجيع الطفل على الحديث عن مخاوفه من دون توبيخه، أو تقليل من شأنه، كما يمكن استخدام الرسم أو اللعب كوسيلة للتعبير عما يعجز عن قوله بالكلمات. فالأطفال يتعلمون بالملاحظة، إذا شاهدوا أهلهم يتعاملون مع المواقف الصعبة بهدوء وثقة، فإنهم سيتعلمون أن الخوف يمكن السيطرة عليه.

مجلة كل الأسرة

نصائح لمساعدة الطفل على مواجهة خوفه

لمساعدة الآباء على تجاوز أطفالهم الخوف توصي فيروز محمد الغنما بخطوات عدّة:

  • تفهّم مشاعر الطفل قبل محاولة تصحيحها، الاعتراف بالمشاعر هو الخطوة الأولى لتخفيفها، وبدلاً من قول «ليس هناك داعٍ للخوف» يمكن القول «أنا أفهم أنك خائف، ولكن لنحاول مع بعض».
  • تعليم الطفل تقنيات بسيطة للتهدئة، مثل التنفس العميق، أو العد البطيء، أو احتضان لعبة مفضلة، لمنحه إحساساً بالتحكم في الموقف.
  • تعزيز ثقة الطفل بنفسه، حيث يمكن للأهل أن يمدحوا شجاعة طفلهم عندما يواجه خوفه، حتى لو بخطوة صغيرة.
  • اتّباع روتين يومي منتظم لمساعدته على الشعور بالاستقرار النفسي، وتقليل من مستوى القلق.
  • تجنب تعريض الطفل لمشاهد أو قصص مرعبة، واستبدالها بقصص إيجابية تعلّمه كيف يواجه الخوف بطريقة شجاعة. أما إذا استمرت المخاوف لفترة طويلة، أو أثّرت في دراسته، ونومه، وسلوكاته، فهنا ينبغي الاستعانة بأخصائي تعديل سلوك، أو معالج نفسي للأطفال، لتقديم خطة مهنية تساعده على التغلب على الخوف.

وتختم فيروز محمد الغنما «الخوف ليس ضعفاً في شخصية الطفل، بل مرحلة طبيعية من مراحل النمو، مفاتيحها في يد الأهل. إذا أحسنوا التعامل معه، بالاحتواء والطمأنة والصدق، تحول إلى فرصة لتعلم الشجاعة والثقة، أما إذا قابلوه بالتوبيخ أو السخرية أو التجاهل، يمكن أن يتحوّل إلى قلق مزمن يصعب التخلص منه لاحقاً».