18 نوفمبر 2025

صعدت إلى قاعدة إيفرست لتُسمع صوت التوحّد.. ليزل كوك: مستعدة لأن أسير إلى آخر الدنيا من أجل ابني

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تلك حكاية أمّ تسلقّت إلى قاعدة إيفرست، وهزمت الخوف باسم الحب. اختارت ليزل كوك، أمّ لطفل مصاب بالتوحد، أن تتحدّى نفسها وترفع راية الأمل، والصبر، وتصعد إلى قاعدة إيفرست، كي لا يبقى التوحّد في الظل. وبوصولها إلى معسكر القاعدة، كانت تحمل في قلبها طفلها الذي قال لها يوماً: «أحبك»، فكان ذلك أعظم انتصار.

انصبّ هدفها على أن تذكر وترسّخ أن «التوحد ليس نهاية، بل بداية لطريق مختلف»، تقول: «رحلتي مع ابني زاندر، بدأت عندما لاحظت أنّه يرى العالم بطريقة مختلفة، ومعه تعلّمت أن الحب لا يحتاج دائماً إلى كلمات».

في حديثها، يتجلّى صوت أمّ  تُقاتل بلا ضجيج، وبحب من دون مقابل، ورسالتها: أن نُنصت بقلوبنا. فوصول كوك إلى  قاعدة إيفرست ذكّرها بكل الأمّهات اللواتي «يحملن جبالاً غير مرئية كل يوم»، تضيف «شعرت بأنني أمشي نيابة عنّا جميعا، وأردت، من خلال هذه الرحلة، أن أوصل للعالم أن التوحد ليس شيئاً يجب أن نخاف منه».

معها حوار يطلّ على عوالم أمومتها، وعلاقتها بطفلها، وآمالها المملوءة بالحب.

مجلة كل الأسرة

 كيف ترسمين بداية الطريق مع طفل متوحد؟ وما أبرز التحّديات التي واجهتِها مع ابنك؟

رحلتي مع ابني زاندر بدأت عندما لاحظت أنه يرى العالم بطريقة مختلفة. لم يكن يحقق مراحل النمو المعتادة، خصوصاً في ما يتعلق بالكلام. كان هادئاً، يراقب من حوله، ويعيش في عالمه الخاص. وبعد سلسلة من التقييمات، حصلنا على التشخيص أن زاندر مصاب بالتوحد، وغير ناطق. أصعب ما في الأمر، بخاصة في البداية، كان عدم اليقين. لم أكن أعرف كيف أقدم له الدعم بالشكل الصحيح، أو كيف سيكون مستقبله، وكان ذلك شعوراً مرهقاً. ألّا تتمكني، كأم، من التواصل مع طفلك كما تفعل معظم الأمهات، كان أمراً مؤلماً. لكنني سرعان ما تعلمت  أن الحب لا يحتاج دوماً إلى كلمات.

ومع مرور الوقت، طوّرنا وسيلتنا الخاصة للتواصل من خلال الإيماءات، وتبادل النظرات، واللحظات المشتركة، من الثقة والفرح. اليوم، يحرز زاندر تقدماً كنت أحلم به في السابق فقط. بعد الكثير من الدعم والعلاج، بدأ ينطق ببعض الكلمات، فأحيانًا يقول «ماما»، ومرة قال «أحبك». لا أستطيع وصف ما الذي عنى لي ذلك. كان لحظة من الأمل. فهو طفل فضولي، ذكي، ويتمتع بمرونة مذهلة. كل خطوة للأمام، مهما كانت صغيرة، هي انتصار. إنه يعلّمني يومياً معنى القوّة، والصبر، وما يعنيه أن تنصتي بقلبك فعلاً.

مجلة كل الأسرة

لماذا اخترتِ المشاركة في رحلتك نحو إيفرست؟ وما الرسالة الإنسانية التي رغبتِ في إيصالها؟

انضممت إلى رحلة معسكر قاعدة إيفرست لأنها كانت دائماً على قائمة أحلامي، وهدفاً حلمت بأن أحققه لنفسي يوماً ما. وعندما أتيحت لي الفرصة، أصبحت الرحلة تحمل معنى أعمق بكثير، وباتت وسيلة لإعطاء صوت للقصص الصامتة التي تعيشها العديد من العائلات مثل عائلتي، كل يوم. زوجي كان أكبر من شجعني. كان يعرف كم تعني لي هذه الرحلة. ذكّرني أن الأمر لا يتعلق بتسلق جبل فقط، بل بإيصال رسالة إلى العالم عن معنى الاستمرار، على الرغم من صعوبة الطريق. الرسالة التي أردت إيصالها هي أن التوحد ليس شيئاً يجب أن نخاف منه. إنه طريق مختلف، مملوء بالتحدّيات، ومملوء أيضاً بالنمو المذهل، والروابط العميقة، والحب. الوصول إلى معسكر قاعدة إيفرست كان رمزاً للجبال اليومية التي نتسلقها كآباء لأطفال مصابين بالتوحد. أردت أن تعرف العائلات الأخرى أنها ليست وحدها، وأن في هذه الرحلة قوّة، وفي كل خطوة نحو الأمام هناك أمل.

التعامل مع ابني المصاب بالتوحد يعلّمني يومياً معنى القوّة والصبر، وما يعنيه أن تنصتي بقلبك فعلاً، وكل خطوة إلى لأمام معه هي انتصار

كيف ترين واقع التوعية باضطراب طيف التوحد في الإمارات؟ وما هي أكبر الأحمال النفسية والجسدية التي تتحملها الأم لابن من ذوي التوحد؟

 حققت دولة الإمارات تقدماً ملموساً في رفع مستوى الوعي بالتوحد، من خلال عدد من المبادرات الوطنية التي أسهمت في خلق بيئات أكثر شمولاً. ومع ذلك، وعلى الرغم من تنامي الوعي، إلا أن الفهم الحقيقي لا يزال أمامه طريق طويل. فأحد أكبر التحدّيات التي تواجه الأمّهات هو العبء العاطفي اليومي. نحن أصوات أطفالنا، والمدافعات عنهم، ومقدمات الرعاية لهم، وغالباً كل ذلك في آنٍ واحد. إنها مسؤولية مملوءة بالحب، لكنها أيضاً مرهقة، ومملوة بالقلق، وأحياناً بالعزلة. من الناحية الجسدية، يمكن أن تكون مرهقة بدءاً من إدارة المواعيد، والعلاجات، والروتين، إلى محاولة فهم العالم، والتعامل معه نيابة عن شخص يختبره بطريقة مختلفة. العبء ثقيل، ولا يزال الدعم المخصص للأمّهات، تحديداً، غير كافٍ. لهذا السبب، تُعد مبادرات مثل رحلة معسكر قاعدة إيفرست، برعاية مركز التميّز الذهني والبدني، هامة للغاية. فقد كانت المبادرة تركّز بالكامل على التوعية بالتوحد من خلال تسليط الضوء على القصص الحقيقية، ومنح عائلات، مثل عائلتي، منصة لنُرى ونُسمع. التوعية لا تعني تصدّر العناوين فقط، بل تعني بدء محادثات صادقة، وكسر الصمت المحيط بالتوحد. وكان أحد أكبر أهداف تلك الرحلة هو تسليط الضوء على العائلات مثلنا، وإيصال رسالة مفادها أنهم ليسوا وحدهم. لا بد أن يقود الوعي إلى الفعل، وأؤمن بأن دولة الإمارات بدأت بالفعل تخطو في هذا الاتجاه.

مجلة كل الأسرة

 كيف أثرت تجربة التوحد في رؤيتك للحياة، وفي اختياراتك كأمّ وامرأة؟

لقد غيّر التوحد تماماً الطريقة التي أرى بها العالم، وفي كثير من النواحي غيّر الشخص الذي أصبحت عليه. علّمني أن أتخلى عن التوقعات، وعن الجداول الزمنية، وعن المقارنات، وعن الصورة المثالية التي كنت أعتقد أن الحياة يجب أن تكون عليها. وبدلاً من ذلك، تعلّمت أن أقدّر التقدم بكل أشكاله، وأن أجد الجمال في اللحظات الصغيرة، وأن أعيش الحاضر بطريقة لم أكن أفهمها حقاً من قبل. كأمّ، جعلني أكثر صبراً، وأكثر فطنة، وأكثر صلابة. كل يوم مع زاندر يتطلب قدراً من القوة العاطفية والمرونة غيّرني من الداخل. لكن التأثير لم يقتصر على الأمومة فقط، بل انعكس أيضاً بعمق على كياني كامرأة. أصبحت صوتاً مدافعاً، ليس عن طفلي فقط، بل عن كل من قد لا يملك صوتاً. لقد منحني هذا الطريق هدفاً يتجاوز حدود بيتي، ودافعاً لنشر الوعي، وبناء مجتمع، والمساهمة في خلق عالم يحتضن الاختلاف بدلاً من أن يخشاه.

 هل هناك لحظة محدّدة على الطريق إلى قاعدة إيفرست شعرتِ فيها بأنك تحملين صوت كل أمّ تواجه التوحد؟

نعم، كان هناك لحظة خلال واحدة من أصعب مراحل الرحلة، عندما أصبح الهواء خفيفاً، وكانت ساقاي تؤلمانني، وشعرت بإرهاق شديد. أتذكّر أنني نظرت إلى الطريق أمامي، وفجأة فكّرت في كل الأمهات اللواتي قابلتهنّ، أو لم أقابلهن، واللواتي يحملن جبالاً غير مرئية كل يوم. الثقل العاطفي، الدفاع المستمر، الانكسارات الصامتة، والانتصارات الصغيرة، كل ذلك اجتاحني دفعة واحدة. في تلك اللحظة، لم أشعر بأنني وحدي، شعرت بأنني أمشي نيابة عنّا جميعاً، عن كل أمّ كان عليها أن تناضل ليُفهَم طفلها، عن كل امرأة نامت وهي مرهقة، لكنها استيقظت مستعدة لتبدأ من جديد. أصبحت الرحلة رمزاً لرحلتنا. إنها شاقة، غير متوقعة، وأحياناً موحشة، لكننا نستمر في التقدم، ليس لأن الطريق سهل، بل لأن أطفالنا بحاجة إلينا. ذكّرتني تلك اللحظة بسبب وجودي هناك. لم أكن ألاحق حلماً شخصياً فقط، بل كنت أحمل آمال ومخاوف وقوة مجتمع كامل من الأمّهات اللواتي يسلكن هذا الطريق يومياً، غالباً من دون تقدير. وشعرت بفخر كبير لكوني واحدة منهن.

مجلة كل الأسرة

 هل غيرّت الرحلة من نظرتك لواقعك وأطلّت بك على مواجهة التحدّيات، النفسية والعاطفية، بآليات أخرى؟

بالتأكيد. منحتني رحلة معسكر قاعدة إيفرست مساحة، ذهنياً وعاطفياً، لم أكن أدرك أنني بحاجة إليها. فالابتعاد عن الروتين، والعلاجات، والمسؤوليات اليومية أتاحت لي التأمل في رحلتي، ليس كأم فقط، بل كإنسانة أيضاً. لقد منحتني منظوراً مختلفاً. التحدّيات الجسدية في الرحلة كانت انعكاساً للتحدّيات العاطفية التي أواجهها يومياً، لكن بطريقة ما.

وبين أحضان الطبيعة، والاستمرار، على الرغم من الإرهاق، تذكّرت أنني أقوى مما أعتقد، وأن من الطبيعي أن ألتقط أنفاسي. كأمّهات لأطفال مصابين بالتوحد، كثيراً ما نعيش على وضع التشغيل التلقائي، مقدمات احتياجات الجميع على احتياجاتنا. لكن هذه التجربة علّمتني أن العناية بصحتي، النفسية والعاطفية، ضرورة. عدت من الرحلة وأنا أشعر بثبات أكبر، وتركيز أوضح، وإحساس أعمق بالهدف. لم تمحُ الرحلة التحدّيات، لكنها منحتني طريقة جديدة لمواجهتها بهدوء، وصفاء، وقوّة متجدّدة.

 ما المشاعر التي اجتاحتك عندما وصلتِ إلى القاعدة؟ وهل فكرتِ في ابنك حينها؟

عندما وصلت إلى معسكر القاعدة، غمرني شعور عارم،  جسدياً وعاطفياً وروحيًاً. كنت قد دفعت بجسدي إلى ما يتجاوز قدرته، لكن كان أثقل ما فيّ هو قلبي. انفجرت بالبكاء. لم يكن بسبب الإرهاق، بل من شدّة المشاعر التي مثّلتها تلك اللحظة. نعم، فكّرت في زاندر فوراً. كنت أحمله معي في كل خطوة. في تلك اللحظة، رأيت وجهه بوضوح، القوّة في عينيه، والإصرار الصامت الذي يظهره كل يوم. فكّرت في كل التحدّيات التي تخطّاها، وفي الكلمات التي بدأ يتعلّم نطقها، وفي ما يعلّمني من دون أن ينطق بكلمة واحدة. الوصول إلى معسكر القاعدة  كان من أجله، كان وعداً بالاستمرار، وبالحضور، والإيمان بالتقدم، مهما بدا بطيئاً، أو صعباً. شعرت بالفخر، والراحة، وقبل كل شيء، بالحب.

لحظة وصولي إلى معسكر قاعدة إيفرست انفجرت بالبكاء، وكنت أحمل ابني معي في كل خطوة، وفكّرت في كل الأّمهات اللواتي يحملن جبالاً غير مرئية كل يوم

 في لحظات الصمت على طريق إيفرست، هل كان هناك حوار داخلي مع خوفك، أو مع ابنك، أو حتى مع الله سبحانه وتعالى؟ وما ماهية هذا الحوار؟

كان الصمت في الرحلة مختلفاً عن أي شيء اختبرته من قبل. في تلك اللحظات الهادئة، وجدت نفسي أدخل في حوارات عميقة داخل ذهني، و مع مخاوفي، ومع زاندر، ومع الله سبحانه وتعالى. تحدثت إلى مخاوفي بصدق. اعترفت بلحظات شعوري بالعجز، وقلقي من المستقبل، وقلقي من أنني قد لا أكون أفعل ما يكفي. لم أحاول إسكات تلك المخاوف، تركتها تجلس معي، وبطريقة ما، شعرت بأنها أصبحت أخف. تحدثت إلى زاندر في قلبي. أخبرته كم أنا فخورة به. وكم كنت أتمنى لو كان قادراً على رؤية الجبال معي. أخبرته أن كل خطوة خطوتها كانت من أجله لأُظهر للعالم نوع القوّة التي تسكن أطفالًا مثله، والحب الذي يدفع آباء وأمهات مثلي للاستمرار. وتحدثت إلى الله. طلبت القوة، ليس من أجل الرحلة فقط، بل من أجل الطريق الطويل الذي ينتظرني. طلبت السلام، والصبر، وإيماناً مستمراً  في الأيام التي تبدو مستحيلة، وفي تلك الأيام المملوءة بالنور.

في خضم مسؤولياتك، كيف تحافظين على توازنك؟

الحفاظ على التوازن هو شيء أعمل عليه باستمرار. تعلّمت أن التوازن لا يعني أن يكون كل شيء في مكانه المثالي، بل يعني أن أعرف متى أتوقف، ومتى أطلب المساعدة، ومتى أُعامل نفسي بلُطف. أحاول أن أبقى متّزنة من خلال تخصيص لحظات صغيرة لي وحدي، حتى لو كانت مجرّد فنجان قهوة هادئ في الصباح، أو نزهة قصيرة. كما تعلّمت أهمية التخلّي، بخاصة، عن ذلك الذنب الذي تشعر به الكثير من الأمّهات عند تخصيص وقت لأنفسهن. إعادة الشحن ليست أنانية، بل هي الطريقة التي أبقى بها قوية من أجل ابني. الدعم أيضاً له دور كبير. زوجي، وعائلتي، ودائرة الأصدقاء المقربين، يذكّرونني دائماً أنني لست وحدي في هذه الرحلة. والأهم من ذلك، أذكّر نفسي باستمرار لماذا أفعل ما أفعل، بسبب الحب العميق الذي أكنّه لزاندر. ذلك الحب هو ما يُبقيني ثابتة، حتى عندما يبدو كل شيء من حولي مرهقاً.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

لو أتيحت لكِ لحظة لتكتبي رسالة بصوتك الداخلي، من ليزل الإنسانة إلى ليزل الأم، ماذا كنتِ ستقولين لها؟

أقول لها :أرى إرهاقك، ودموعك الصامتة، وقوتك في اللحظات التي لا يراها أحد. أعلم كم هو ثقيل هذا الحمل، وكم تشكّين في نفسك أحياناً، وكم تحبين بكل ما فيك من شغف. لستِ بحاجة إلى كل الإجابات. من الطبيعي أن تنهاري أحياناً. من الطبيعي أن تتعبي. ما يهم هو أنك تنهضين دائماً، وتفعلين ذلك كل يوم، من أجل ذاك الطفل الذي يملك قلبك. أنتِ لستِ مجرّد أم. أنتِ محاربة، ومُدافعة، ومكان آمن. وحتى في أصعب الأيام، يكفي أن تحبّي. استمري. أنتِ بالضبط من يحتاج إليه ابنك، ومن كنتِ دائما مُقدَّراً لكِ أن تكوني.

مجلة كل الأسرة

 ما هو الشيء الذي تمنيْتِ لو فهمه العالم من ابنك من دون أن تحتاجي إلى الشرح؟

أتمنى لو أن العالم يفهم أن مجرّد أن ابني لا يتحدث دائماً، لا يعني أنه ليس لديه ما يقوله. زاندر يشعر بعمق. يلاحظ كل شيء أكثر مما يتخيل الناس. هو يتواصل بطريقته الخاصة، من خلال عينيه، وإيماءاته، وحضوره. وأولئك الذين يأخذون الوقت ليروه حقاً، يدركون بسرعة أن هناك ما هو أعمق بكثير مما يبدو على السطح. أتمنى لو أن العالم يقابله بصبر. بفضول، لا بحكم مُسبق. أتمنى لو يفهم الناس أنه ليس ناقصاً، هو مختلف في تكوينه فقط. وداخل هذا الاختلاف، يوجد نوع من الجمال والذكاء لا يُمكن دائماً شرحه، لكنه يُحسّ دائماً.

 ما الذي يدفعك إلى الاستمرار حين تشعرين بأن الطريق طويل؟ وما الذي تعلمته من الأمّهات الأخريات؟

ما يدفعني إلى الاستمرار هو الحب  ببساطته ونقائه. زاندر هو السبب. في أصعب الأيام، عندما أشعر بأنني منهكة، والطريق يبدو بلا نهاية، أنظر إليه وأتذكّر لماذا أواصل. انتصاراته الصغيرة، قوّته الصامتة، وجوده، كلها أمور تذكّرني بأن كل تحدٍّ يستحق العناء. وتعلّمت أيضاً أنني لست وحدي في هذه الرحلة. الأمّهات الأخريات كنّ مصدر أمان وقوّة لي. هناك بيننا فهم صامت، لغة غير منطوقة بُنيت على الصبر، والليالي المؤرقة، والحب غير المشروط. من خلالهنّ، تعلّمت معنى اللين والرحمة. تعلّمت أن الانهيار لا ينفي القوة، وأن الدعم الحقيقي يصنع فرقاً لا يُوصف. تعلّمت أن المجتمع هام إذ نحمل الكثير، لكننا نحمله معاً. وتلك القوة التي نتقاسمها هي ما يدفعني للاستمرار، يوماً بعد يوم.

مجلة كل الأسرة

ما رسالتك  لابنك  زاندر عندما يكبر؟

أتمنى أن يتذكّرني زاندر كشخص لم يتخلَّ عنه أبداً. شخص وقف إلى جانبه في كل لحظة صعبة، واحتفل بكل خطوة صغيرة، وآمن بذكائه وتألقه، حتى عندما لم يفهمه العالم كما يجب. أريده أن يتذكر أنني أحببته بكل ما فيّ، أنني أنصتُّ له حتى عندما لم يستخدم الكلمات، وأنني أراه دوماً على حقيقته. أتمنى أن يتذكّرني كمصدر أمان، وكأكبر مشجعة له، وكالشخص الذي كان مستعداً لأن يسير إلى آخر الدنيا، حرفياً، من أجله. ورسالتي إليه هي: أنت كافٍ تماماً كما أنت. لست مضطراً لأن تتغيّر ليحبك العالم. لقد غيّرت عالمي أنت، وبأجمل الطرق. سأظل دائماً فخورة بك، وسأكون بجانبك دائماً  في كل خطوة من رحلتك، أياً كان طريقها.

الصور :من المصدر