12 نوفمبر 2025

رحلة الأبناء نحو المراهقة المطمئنة... أسرار الحوار والاحتواء

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يواجه الأبناء عند دخولهم مرحلة المراهقة تحدّيات، نفسية واجتماعية متعدّدة، تحتاج إلى دعم واعٍ من أسرة المراهق حتى يصل إلى «المراهقة المطمئنة»، وذلك لن يتحقق بالرقابة أو التقييد، بل بوجود بيئة حاضنة تقوم على الحوار، والثقة، والاحترام المتبادل، تساعد المراهق على خوض هذه التجربة، بثقة ووعي.

هذا ما تمت مناقشته في الورشة التي نظمتها إدارة التنمية الأسرية وفروعها، وقدمتها مستشارة الذكاء الذاتي والتربوي الدكتورة آمنة الشطي.

مجلة كل الأسرة

تقول د. آمنة «حتى يصل الطفل إلى هذه المرحلة العمرية، من الهام أن يعيش حالة من الانسجام الداخلي، والتوازن الأسري، بالتفاعل مع جميع أفراد عائلته بوعي وتفاهم، من دون أن يشعر بفجوة الأجيال، أو اختلاف الاهتمامات بينه وبين والديه، أو إخوته، أو حتى أجداده. وهذا لن يحدث إلا بوجود بيئة داعمة تشجع على الحوار، وتغذي ثقته بنفسه، ما يجنّبه الصراعات والعزلة التي قد ترافق هذه المرحلة الحساسة من حياته».
تضيف «المراهقة المطمئنة لا تنعكس على المراهق نفسه فقط، بل تمتد آثارها الإيجابية إلى الأسرة كلها. فحين يعيش الأبناء في أجواء التقدير والاحتواء، يبدأ الأهل بدورهم في التعامل معهم، بفهم أعمق لاحتياجاتهم الخاصة. لكن القبول يجب أل يكون بالموافقة المطلقة على جميع أفكار المراهق، إنما بالإصغاء إليه، ومنحه مساحة آمنة للتعبير عن ذاته، ثم الدخول في نقاش بنّاء يوجهه نحو الصواب، برفق واحترام. بهذه الطريقة تتحول مرحلة المراهقة من صراع وتوتر، إلى طمأنينة ونضج متبادل».

مجلة كل الأسرة

كيف تعرف أن ابنك وصل إلى «المراهقة المطمئنة»؟

لكن، ما هو مقياس الطفل لمرحلة المراهقة المطمئنة، تقول د. آمنة الشطي «لا يقاس الوصول إلى المراهقة المطمئنة من خلال ما يظنه الأهل، بل من خلال المراهق نفسه، هل يشعر بالأمان والتفاهم مع أسرته؟ هل يشعر بالتوازن والحرية؟ عندما نجد المراهق متصالحاً مع ذاته، ومع من حوله، منفتحاً على أسرته بالحوار والثقة، ندرك أن الأسرة نجحت في بناء مراهقة مطمئنة، تثمر علاقة، صحية ومستقرة، بين الجيلين». وتشير إلى أنه «في ظل التسارع الإلكتروني لم يعد ممكناً مجاراة الزخم اليومي الكبير من تدفق المعلومات من مختلف الاتجاهات، فأصبحت محاولة السيطرة على المحتوى الذي يتعرض له المراهق أمراً غير واقعي، وغير سهل، بينما يتم تجاهل مسألة التركيز على ما يقتنع به، ويفكر فيه كطريقة أجدى لبناء تواصل حقيقي معه، فالحوار هو المفتاح، بشرط أن يكون بجودة عالية، مفتوحاً وآمناً، يسمح له بالتعبير عن آرائه من دون خوف من الرفض، أو الأحكام المسبقة».

أما عن تأثير الاختلافات الجندرية في مرحلة المراهقة، فتشير الشطي «إن الوصول إلى مرحلة المراهقة المطمئنة لا تتعلق بكون المراهق ذكراً أو أنثى، فقط، بل بمدى تأصيل الهوية الجندرية لدى كلٍ منهما، فالمراهق والمراهقة يواجهان مدخلات متنوعة تؤثر في تكوين شخصيتهما، بعضها مشترك، وبعضها يختلف باختلاف طبيعتهما النفسية والاجتماعية»، تكمل «إدراك الشاب والفتاة، لطبيعة ذاتهما يجعل كلاً منهما يتعامل مع ما يتلقاه من قيم ومعلومات، بما ينسجم مع رجولة الولد، أو أنوثة الفتاة، ما يعزز العيش بانسجام مع الآخرين رغم اختلاف الفروق الفردية».

مجلة كل الأسرة

تبين مستشارة الذكاء الذاتي والتربوي أن «المراهقة ليست أزمة، بل جسر عبور بين الطفولة والرشد، لكن يجب أن يتم تحويلها إلى فرصة للنضج والاستعداد للمستقبل، بدلاً من اعتبارها فترة اضطراب. وغرس القيم الصحيحة منذ الطفولة، يثمر في المراهقة. وإن لم تكن الثمار ناضجة بعد في مرحلة ما، فإنها ستكون صالحة وقابلة للنمو (كلما زاد الأهل في الحب والاحتواء والحوار، والاهتمام بتنمية الجوانب الشخصية والمهارية لدى الأبناء، كانت الثمار في مرحلة النضج أكثر جودة واتزاناً)».

وعن التوازن بين الحماية والحرية، توضح «الحرية لا تعني الانفلات، كما أن الحماية لا تعني التقييد المطلق. وتحدّد المعيار بوضوح (الحرية تقف عند حدود السلامة والدين)، طالما أن المراهق ملتزم بالشريعة الإسلامية، ويحافظ على سلامته وسلامة الآخرين، فهو يتحرك داخل ملعب الحرية الآمنة». وتضيف «تجاوز هذه الحدود يحوّل الحرية إلى قضية أخلاقية تستدعي ضبطاً جماعياً يشارك فيه الأهل، والمدرسة، والدولة، وكل من يسهم في بناء القيم».

تختم «من أكبر معوّقات تحقيق المراهقة المطمئنة استعجال النتائج. فالكثير من أولياء الأمور يطمحون إلى التغيير السريع، بينما يحتاج النمو النفسي والعاطفي إلى وقت وصبر، فالتربية عملية تراكمية تحتاج إلى ثقة وحوار ووقت. والمراهقة المطمئنة لا تبنى في يوم، بل تصنع بالحب والاتزان، ويجب أن نمنح أبناءنا ما هم بحاجة إليه، لا ما نستعجله نحن».